محمد مرسي: الرئيس الخامس لجمهورية مصر العربية ومسيرة سياسية حافلة بالتحولات

يُعد الدكتور محمد مرسي أحد أبرز الشخصيات السياسية في تاريخ مصر المعاصر، كونه أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا بعد ثورة 25 يناير 2011، وأحد رموز جماعة الإخوان المسلمين. يجمع تاريخه بين المسارات الأكاديمية الرفيعة، والنشاط السياسي والدعوي، والانخراط في صراعات السلطة في واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في التاريخ المصري الحديث. هذا المقال يسلّط الضوء على السيرة الذاتية لمحمد مرسي، بداية من نشأته وتعليمه، مرورًا بمشواره الأكاديمي والسياسي، وصولاً إلى فترة حكمه وانتهاءً بوفاته المثيرة للجدل في محبسه.

النشأة والتعليم

وُلِد محمد محمد مرسي عيسى العياط في 8 أغسطس 1951 في قرية العدوة بمحافظة الشرقية، إحدى قرى دلتا النيل. ينحدر من أسرة ريفية بسيطة، وقد تميز منذ صغره بالجد والاجتهاد في الدراسة، وهو ما مكنه من الالتحاق بكلية الهندسة في جامعة القاهرة، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية عام 1975 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.

استكمل دراسته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نال درجة الماجستير ثم الدكتوراه في الهندسة من جامعة جنوب كاليفورنيا (University of Southern California) في مجال حماية محركات مركبات الفضاء في أوائل الثمانينيات. عمل بعد ذلك كأستاذ مساعد في جامعة نورثريدج في كاليفورنيا، وكان يتمتع بسمعة علمية مرموقة في مجاله.

العودة إلى مصر والعمل الأكاديمي

عاد محمد مرسي إلى مصر في أواخر الثمانينيات ليعمل أستاذًا بكلية الهندسة بجامعة الزقازيق. وقد ساهم بشكل فعال في تطوير المناهج العلمية والإشراف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه. وخلال تلك الفترة، بدأ ينشط ضمن صفوف جماعة الإخوان المسلمين، والتي كان لها حضور قوي في الجامعات والنقابات المهنية.

النشاط السياسي والانضمام للإخوان المسلمين

انضم محمد مرسي رسميًا إلى جماعة الإخوان المسلمين في بداية تسعينيات القرن العشرين، وأصبح عضوًا في المكتب السياسي للجماعة ثم في مجلس شورى الجماعة، وهو أعلى هيئة تنظيمية فيها. تمتع بمكانة مرموقة داخل الإخوان بفضل خلفيته الأكاديمية ونزاهته الشخصية، وتم تكليفه بملف العلاقات السياسية والبرلمانية، مما جعله واجهة للجماعة في التواصل مع القوى السياسية الأخرى.

في عام 2000، تم انتخابه عضوًا في مجلس الشعب عن دائرة الزقازيق، وخلال فترة عضويته التي استمرت حتى 2005، تميز بدفاعه القوي عن قضايا الفقراء والطبقات المهمشة، بالإضافة إلى مداخلاته البرلمانية الحادة ضد الفساد. ترأس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في المجلس، وتمكن من إثبات نفسه كصوت معارض قوي داخل البرلمان في ظل هيمنة الحزب الوطني الديمقراطي آنذاك.

الاعتقال ومواقف معارضة النظام

نتيجة لنشاطه السياسي المعارض، تعرض محمد مرسي لعدة اعتقالات، كان أبرزها في عام 2006 أثناء مشاركته في مظاهرات مناصرة للقضاة، وفي يناير 2011 قبيل اندلاع الثورة، حين تم اعتقاله مع عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وظل في الاحتجاز حتى أُطلق سراحه عقب انهيار جهاز الأمن التابع لنظام مبارك مع تصاعد أحداث الثورة.

ما بعد الثورة: الترشح للرئاسة

بعد تنحي الرئيس حسني مبارك في فبراير 2011، دخلت مصر في مرحلة انتقالية شهدت تحولات سياسية حاسمة. أعلنت جماعة الإخوان المسلمين تأسيس حزب سياسي هو حزب “الحرية والعدالة”، وتم اختيار محمد مرسي رئيسًا للحزب. ومع إعلان أول انتخابات رئاسية حرة بعد الثورة، قررت الجماعة خوض السباق الانتخابي.

كان مرسي مرشحًا احتياطيًا بعد استبعاد المرشح الأساسي خيرت الشاطر بقرار من اللجنة العليا للانتخابات. ومع ذلك، نجح مرسي في تجاوز الجولة الأولى من الانتخابات، ثم فاز في الجولة الثانية في يونيو 2012 بنسبة بلغت نحو 51.7% أمام الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك. أصبح بذلك أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في تاريخ مصر الحديث.

فترة الحكم (2012–2013)

شهدت فترة حكم محمد مرسي التي لم تدم أكثر من عام واحد تحديات سياسية واقتصادية جسيمة، وسط انقسام شعبي حاد بين مؤيديه ومعارضيه. ورغم محاولة تقديمه لنفسه كرئيس لكل المصريين، فإن تعييناته وخطابه السياسي اعتُبرا من قبل خصومه تأكيدًا على “أخونة الدولة”، أي هيمنة جماعة الإخوان على مؤسسات الحكم.

في نوفمبر 2012، أصدر مرسي إعلانًا دستوريًا أثار موجة احتجاجات ضخمة، حيث منح نفسه صلاحيات موسعة لا تخضع للرقابة القضائية، بدعوى حماية الثورة. واجه هذا الإعلان رفضًا واسعًا من قطاعات كبيرة من المجتمع، بما في ذلك قضاة ومحامون وسياسيون، واضطر لاحقًا إلى التراجع عن بعض بنوده تحت ضغط الشارع.

واجه مرسي كذلك أزمات اقتصادية خانقة تمثلت في عجز الموازنة، وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي، وتدهور في خدمات الكهرباء والوقود، فضلًا عن تصاعد أعمال العنف الطائفي والانفلات الأمني. ومع ذلك، لا يمكن إغفال بعض الإنجازات الجزئية في مجالات مثل دعم المزارعين، وزيادة مرتبات المعلمين والأطباء، ومحاولات تعزيز العلاقات مع دول إقليمية كتركيا وقطر.

الإطاحة بمرسي في 3 يوليو 2013

مع تصاعد حدة المعارضة، واندلاع مظاهرات حاشدة في 30 يونيو 2013 طالبت برحيله، تدخل الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وأعلن في 3 يوليو 2013 عزل مرسي من منصبه وتجميد العمل بالدستور، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية بتولي الرئاسة مؤقتًا.

أثارت هذه الخطوة جدلاً واسعًا داخليًا وخارجيًا، حيث اعتبرها مؤيدو مرسي انقلابًا عسكريًا على الشرعية الديمقراطية، بينما رأى المعارضون أنها كانت ضرورة لإنقاذ البلاد من الانقسام والاحتقان.

المحاكمات والاحتجاز

تم احتجاز محمد مرسي في مكان سري لمدة شهور، ثم بدأت محاكمته في عدة قضايا تتعلق بالتخابر مع جهات أجنبية، والهروب من السجن إبان ثورة يناير، والتحريض على العنف. وقد وُجهت له تهم بالاتصال بجماعات خارجية مثل حركة حماس وحزب الله، بالإضافة إلى التخابر مع قطر. صدر بحقه عدد من الأحكام، بينها الإعدام والسجن المؤبد، إلا أن العديد من هذه الأحكام تم نقضها لاحقًا وإعادة المحاكمة فيها.

ظروف احتجاز مرسي كانت مثار انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان، حيث اتُهمت السلطات بحرمانه من الرعاية الطبية اللازمة، ومنع التواصل مع أسرته ومحاميه لفترات طويلة.

الوفاة داخل المحكمة

في 17 يونيو 2019، توفي محمد مرسي خلال جلسة محاكمته في قضية التخابر مع حماس، حيث سقط مغشيًا عليه داخل القفص الزجاجي في قاعة المحكمة بعد إلقاء كلمته. أعلنت السلطات المصرية أن الوفاة كانت طبيعية نتيجة أزمة قلبية مفاجئة، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين وعددًا من المنظمات الحقوقية الدولية شككوا في ظروف الوفاة، وطالبوا بتحقيق دولي في وفاته.

تم دفن مرسي في الساعات الأولى من اليوم التالي في مقابر شرقي القاهرة، في مراسم مقتضبة وبحضور أفراد من عائلته فقط، وسط إجراءات أمنية مشددة.

الإرث السياسي والفكري

يبقى محمد مرسي شخصية جدلية في التاريخ السياسي المصري، بين من يراه رمزًا للديمقراطية والشرعية الانتخابية، ومن يعتبره تجسيدًا لفشل الإسلاميين في الحكم. مثّل وصوله إلى الرئاسة لحظة مفصلية في تاريخ مصر، لأنها كانت المرة الأولى التي يصل فيها أحد المنتمين لحركة إسلامية إلى هذا المنصب عبر صناديق الاقتراع.

تركت تجربة مرسي في الحكم أسئلة كبرى حول العلاقة بين الدين والسياسة، ومدى قدرة الحركات الإسلامية على التكيف مع متطلبات الدولة الحديثة، وحدود الديمقراطية في البيئات السياسية الهشة. كما مثّل عزله بداية مرحلة جديدة في الحياة السياسية المصرية تمثلت في صعود المؤسسة العسكرية من جديد، والانفتاح على نمط سلطوي أكثر تشددًا.

الجدول الزمني لأبرز محطات حياة محمد مرسي

المصادر

1. “محمد مرسي”، الموسوعة البريطانية (Encyclopedia Britannica)

2. تقارير منظمة العفو الدولية عن ظروف محاكمته ووفاته (Amnesty International Reports 2013–2019)