كتاب “محكوم بالتكرار: الولايات المتحدة ونيكاراغوا” من تأليف روبرت أ. باستور يمثل دراسة دقيقة للعلاقات بين الولايات المتحدة ونيكاراغوا خلال العقود التي سبقت نهاية الحرب الباردة. نُشر الكتاب في أكتوبر عام 1988 عن دار نشر Princeton University Press، ويعكس فهمًا عميقًا للصراعات التي عصفت بمنطقة أمريكا الوسطى، ويحلل السياسات الأمريكية تجاه نيكاراغوا، خاصة خلال الثمانينيات.
يتناول الكتاب بشكل أساسي التدخل الأمريكي في نيكاراغوا، مركزًا على سياسات الولايات المتحدة تجاه ثورة الساندينيستا والصراع مع حركة الكونترا، التي دعمتها الولايات المتحدة في محاولاتها للإطاحة بالحكومة الثورية الماركسية بقيادة الساندينيين. يعتبر الكتاب دراسة معمقة في أسباب ودوافع القرارات السياسية الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم، ويسعى إلى تفسير لماذا وجدت الولايات المتحدة نفسها عالقة مرارًا في صراعات مشابهة، رغم التاريخ الطويل من التدخلات غير الناجحة.
محتوى الكتاب وتحليله
يتألف الكتاب من تحليل نقدي للقرارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في مواجهة الأزمة في نيكاراغوا، ويطرح فرضية محورية تتمثل في أن الولايات المتحدة كانت “محكومة بالتكرار” في سياستها الخارجية تجاه نيكاراغوا. يناقش روبرت باستور بشكل مفصل كيف أعادت الولايات المتحدة أخطاءها السابقة في المنطقة، مشيرًا إلى أن صناع القرار الأمريكيين لم يتعلموا من تجاربهم التاريخية في أمريكا اللاتينية.
الكتاب يفحص أيضًا تأثير الأحداث الكبرى مثل خطة آرياس للسلام، التي سعى الرئيس الكوستاريكي أوسكار آرياس من خلالها إلى تحقيق سلام دائم في المنطقة، ومحاولات الكونغرس الأمريكي للتعامل مع الجدل الكبير حول تمويل الكونترا، الذين كانوا يحاربون حكومة الساندينيستا. يقدم باستور مراجعة نقدية لهذه الأحداث، محاولًا ربطها بالممارسات الأمريكية التقليدية في إدارة الصراعات الإقليمية.
من المواضيع الرئيسية التي يتناولها الكتاب أيضًا قضية الكونترا وتمويلهم من قبل الولايات المتحدة. كانت هذه القضية مصدرًا للانقسام السياسي في واشنطن، حيث نشبت صراعات بين الكونغرس والإدارة الأمريكية حول شرعية هذا التمويل، وما إذا كان يتماشى مع المبادئ الديمقراطية والقيم الإنسانية التي تدعي الولايات المتحدة أنها تدافع عنها.
التحليل السياسي والتاريخي
يقدم روبرت باستور في كتابه تحليلًا تاريخيًا وسياسيًا عميقًا للصراع في نيكاراغوا، ويبرز كيف أن الولايات المتحدة، رغم تفوقها العسكري والاقتصادي، وجدت نفسها متورطة في صراعات استنزاف طويلة الأمد. يشير باستور إلى أن جذور هذه الإخفاقات تكمن في فشل صناع القرار الأمريكيين في فهم التعقيدات الثقافية والسياسية في نيكاراغوا والمنطقة ككل. هذا الفشل تكرر عبر العقود، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع بدلًا من حلها.
الكتاب يعرض أيضًا مقاربة مثيرة للاهتمام حول كيف أن القرارات الأمريكية في نيكاراغوا كانت مدفوعة بمخاوف أكبر من انتشار الشيوعية خلال الحرب الباردة، حيث كانت الولايات المتحدة ترى في حكومة الساندينيستا تهديدًا محتملًا لتوسع النفوذ السوفييتي في المنطقة. وهذا السياق الجيوسياسي لعب دورًا كبيرًا في تبرير التدخل الأمريكي المستمر في شؤون نيكاراغوا.
أهمية الكتاب
تكمن أهمية “محكوم بالتكرار” في تحليله الدقيق للعلاقة بين الولايات المتحدة ونيكاراغوا، وكيف أثرت هذه العلاقة على مسار الصراعات في أمريكا الوسطى. يبرز الكتاب أن الولايات المتحدة، رغم تفوقها العسكري والاقتصادي، قد أخفقت مرارًا في تحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة بسبب سوء التقدير وفهم غير دقيق للواقع المحلي. هذا الفهم الخاطئ أدى إلى تفاقم الأوضاع السياسية والإنسانية في نيكاراغوا، مما أسفر عن سنوات من العنف والصراع المستمر.
الكتاب يلقي الضوء أيضًا على الدور الذي لعبته خطة آرياس للسلام، التي كانت تمثل جهدًا إقليميًا جادًا لتحقيق سلام دائم في المنطقة. بينما كانت بعض الأطراف ترى أن هذه الخطة قد تكون الحل الوحيد لإنهاء الصراع، إلا أن الولايات المتحدة استمرت في دعمها العسكري للكونترا، مما أعاق تنفيذ الخطة بشكل فعال.
خاتمة
يعد كتاب “محكوم بالتكرار: الولايات المتحدة ونيكاراغوا” من أهم الكتب التي تتناول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أمريكا الوسطى خلال الحرب الباردة. يقدم روبرت باستور من خلال تحليله المتعمق نظرة ثاقبة لكيفية تورط الولايات المتحدة في سلسلة من الصراعات الإقليمية دون تعلم الدروس المستفادة من تدخلاتها السابقة. كما يطرح تساؤلات مهمة حول مدى فعالية السياسات الأمريكية في تعزيز الاستقرار والديمقراطية في المنطقة، ويثير النقاش حول إمكانية تجنب تكرار نفس الأخطاء في المستقبل.
الكتاب يستحق القراءة لكل من يهتم بالسياسة الخارجية الأمريكية، ودراسة العلاقات الدولية، خاصة فيما يتعلق بالتدخلات الأمريكية في أمريكا اللاتينية وتأثيرها على تلك البلدان.