متى يبدأ الطفل بالتسنين: رحلة النمو الأولى
مقدمة
تُعد مرحلة التسنين من أكثر المراحل حساسية في حياة الطفل، لما يصاحبها من تغيرات جسدية ونفسية قد تترك أثراً واضحاً على سلوك الطفل وصحته العامة. تبدأ هذه المرحلة منذ الأشهر الأولى من عمر الرضيع وتمثل بداية لنمو وتطور الجهاز الفموي الذي يلعب دوراً مركزياً في عملية التغذية والكلام والتواصل الاجتماعي لاحقاً. ومع أن توقيت التسنين قد يختلف من طفل لآخر، إلا أن هناك أنماطاً بيولوجية واضحة يمكن من خلالها تتبع بداية ونهاية هذه المرحلة، إلى جانب مجموعة من العلامات والأعراض التي تصاحب بزوغ الأسنان اللبنية.
ما هو التسنين؟
التسنين هو العملية البيولوجية التي تبدأ فيها الأسنان اللبنية (المعروفة أيضاً باسم الأسنان المؤقتة أو الأولية) بالظهور من خلال اللثة. تحدث هذه العملية عادة خلال السنة الأولى من حياة الطفل، وتستمر حتى سن ثلاث سنوات تقريباً، حيث تكتمل مجموعة الأسنان اللبنية التي يبلغ عددها 20 سناً.
الجدول الزمني لتسنين الأطفال
رغم أن معظم الأطفال يبدؤون التسنين بين عمر 4 و7 أشهر، إلا أن هذا الجدول الزمني قابل للتفاوت. بعض الأطفال يولدون بأسنان بالفعل (حالة نادرة تُعرف باسم الأسنان الولادية)، فيما قد يتأخر البعض الآخر إلى ما بعد عمر السنة دون ظهور أي سن.
جدول نمو الأسنان اللبنية
| نوع السن | وقت الظهور التقريبي | عدد الأسنان |
|---|---|---|
| القواطع الوسطى السفلية | 6 – 10 أشهر | 2 |
| القواطع الوسطى العلوية | 8 – 12 شهرًا | 2 |
| القواطع الجانبية العلوية | 9 – 13 شهرًا | 2 |
| القواطع الجانبية السفلية | 10 – 16 شهرًا | 2 |
| الأنياب (الأنياب العلوية والسفلية) | 16 – 23 شهرًا | 4 |
| الأضراس الأولى (العلوية والسفلية) | 13 – 19 شهرًا | 4 |
| الأضراس الثانية (العلوية والسفلية) | 23 – 33 شهرًا | 4 |
هذا الجدول يمثل الإطار الزمني التقريبي لبزوغ الأسنان اللبنية، وقد تختلف الفترات من طفل لآخر بناءً على العوامل الوراثية والبيئية.
العوامل المؤثرة على توقيت التسنين
العوامل الوراثية
يعتبر العامل الوراثي من أبرز المحددات لتوقيت التسنين. فغالباً ما يتبع الطفل نفس نمط التسنين الذي مر به أحد الوالدين. فإذا بدأ أحد الأبوين التسنين مبكراً أو متأخراً، فمن المحتمل أن يتبع الطفل نفس النمط.
الجنس
تشير بعض الدراسات إلى أن الإناث يبدأن التسنين في وقت أبكر من الذكور، وإن كان الفرق غالباً بسيطاً.
الحالة التغذوية
تلعب التغذية دوراً محورياً في نمو الطفل بشكل عام، والتسنين بشكل خاص. نقص بعض العناصر الغذائية، مثل الكالسيوم، وفيتامين D، والفوسفور، قد يؤدي إلى تأخر ظهور الأسنان أو مشاكل في بنيتها.
العوامل البيئية والصحية
الإصابة ببعض الأمراض المزمنة أو التعرض لنقص الأكسجين عند الولادة أو في مرحلة مبكرة من الحياة قد يؤثر على نمو الأسنان. كذلك، فإن الأطفال الذين يعانون من تأخر عام في النمو قد يظهر عليهم تأخر في التسنين.
العلامات والأعراض المصاحبة للتسنين
تختلف أعراض التسنين من طفل لآخر، لكنها تشترك في عدة مظاهر يمكن للأهل ملاحظتها ومتابعتها لتقديم الرعاية المناسبة للطفل. من أبرز هذه الأعراض:
-
فرط إفراز اللعاب: يعتبر من أولى العلامات التي تدل على بدء التسنين، حيث يبدأ الطفل بإفراز كميات كبيرة من اللعاب بشكل ملحوظ.
-
الرغبة في العض: يميل الطفل إلى وضع الأشياء في فمه وعضها لتخفيف الشعور بالانزعاج في اللثة.
-
الانزعاج العام: قد يظهر الطفل سلوكاً متوتراً، ويبكي أكثر من المعتاد، ويفقد الاهتمام بالألعاب أو حتى بالطعام.
-
الاحمرار والتورم في اللثة: تكون اللثة في مكان السن الجديد ملتهبة ومؤلمة، مما يؤدي إلى اضطراب النوم.
-
ارتفاع طفيف في درجة الحرارة: قد يصاحب التسنين ارتفاع طفيف في حرارة الجسم، لكن لا يجب أن تتجاوز 38 درجة مئوية، وإلا فقد يكون السبب مختلفاً.
التسنين والحمى: توضيح علمي
يُشاع بين كثير من الأمهات أن التسنين يسبب الحمى والإسهال، ولكن الأبحاث الطبية الحديثة تؤكد أن التسنين لا يسبب ارتفاعاً كبيراً في الحرارة أو الإسهال الشديد. فإذا ظهرت هذه الأعراض بحدة، يجب البحث عن أسباب أخرى واستشارة الطبيب، لأن الطفل في مرحلة التسنين يكون أكثر عرضة للعدوى بسبب وضع الأشياء في فمه.
كيفية التعامل مع مرحلة التسنين
استخدام أدوات التسنين
توجد العديد من الألعاب والأدوات المصممة خصيصاً لتخفيف آلام اللثة، مثل العضاضات الباردة (وليس المجمدة) والتي تساعد على تقليل الالتهاب بفضل تأثيرها المهدئ.
تدليك اللثة
يمكن للأم تدليك لثة الطفل بلطف باستخدام إصبع نظيف أو شاش مبلل بالماء الفاتر، ما يساعد في تهدئة الألم وتحفيز الدورة الدموية في اللثة.
الاهتمام بالتغذية
ينبغي تقديم أطعمة لينة وباردة للطفل أثناء التسنين مثل الزبادي أو الفواكه المبردة المهروسة، لتجنب الألم الناتج عن مضغ الأطعمة الصلبة.
الأدوية الموضعية
يُنصح باستخدام الجل المخدر الموضعي بحذر وتحت إشراف الطبيب، لأنه قد يسبب آثاراً جانبية خطيرة إذا تم استخدامه بكميات غير مناسبة أو بشكل متكرر.
مضاعفات تأخر التسنين
رغم أن التفاوت في توقيت التسنين أمر طبيعي، إلا أن تأخر بزوغ الأسنان إلى ما بعد عمر السنة قد يكون مؤشراً على وجود مشكلة صحية تتطلب التقييم الطبي. من أبرز المضاعفات:
-
نقص الكالسيوم أو فيتامين D: يؤدي إلى تأخر التسنين وهشاشة العظام.
-
قصور الغدة الدرقية: يمكن أن يسبب تأخراً عاماً في النمو بما في ذلك التسنين.
-
الأمراض الوراثية: بعض الاضطرابات الوراثية مثل متلازمة داون قد ترتبط بتأخر التسنين.
أهمية العناية المبكرة بصحة الفم
حتى قبل بزوغ الأسنان، يجب الحفاظ على نظافة فم الطفل. بعد ظهور أول سن، يُنصح بتنظيفها بفرشاة ناعمة مخصصة للأطفال ومعجون يحتوي على كمية ضئيلة جداً من الفلورايد، وذلك لتجنب تسوس الأسنان اللبنية، الذي قد يؤثر على الأسنان الدائمة مستقبلاً.
الأسنان اللبنية ودورها الحيوي
رغم أنها مؤقتة، إلا أن للأسنان اللبنية أدواراً أساسية في نمو الطفل تشمل:
-
المساعدة في التغذية: تُمكن الطفل من المضغ الجيد للأطعمة.
-
تطوير مهارات النطق: تشارك الأسنان في إنتاج الأصوات بشكل سليم.
-
الحفاظ على أماكن الأسنان الدائمة: تعمل كحافظات للمساحة الفكية حتى يحين موعد ظهور الأسنان الدائمة.
متى يجب زيارة طبيب الأسنان؟
ينصح الاتحاد الأمريكي لطب أسنان الأطفال (AAPD) بأن تكون أول زيارة لطبيب الأسنان بعد ظهور أول سن أو عند بلوغ الطفل عامه الأول، أيهما يأتي أولاً. هذه الزيارة المبكرة تتيح للطبيب تقييم صحة الفم والتأكد من سير عملية التسنين بشكل طبيعي، بالإضافة إلى إعطاء الأهل التوجيهات المناسبة للعناية بصحة الفم.
التسنين عند الأطفال الخدج
الأطفال المولودون قبل الأوان (أقل من 37 أسبوعاً من الحمل) قد يتأخر لديهم ظهور الأسنان، ويُنصح باحتساب العمر المعدّل عند تقييم نموهم. فمثلاً، إذا وُلد الطفل قبل 8 أسابيع، فإن توقيت التسنين قد يتأخر نحو شهرين عن المتوسط الطبيعي.
التسنين والأسنان الولادية
في حالات نادرة، قد يولد الطفل بسن أو أكثر. وتسمى هذه الأسنان بالأسنان الولادية أو الأسنان الولادية المبكرة. وقد تتسبب في مشكلات أثناء الرضاعة أو عند عض حلمة الثدي. غالباً ما تكون هذه الأسنان ضعيفة وغير مثبتة جيداً في اللثة، ويجب فحصها من قبل طبيب الأسنان لتقييم مدى الحاجة إلى إزالتها.
الختام
مرحلة التسنين هي إحدى العلامات الفارقة في تطور الطفل، وتمثل بداية سلسلة من التغيرات الجسدية التي تؤثر على نواحي متعددة من حياته الصحية والاجتماعية. من خلال معرفة التوقيت الطبيعي للتسنين، والتعامل المناسب مع الأعراض المصاحبة، وتوفير العناية المناسبة لصحة الفم، يمكن للأهل مساعدة أطفالهم على اجتياز هذه المرحلة المهمة بسلاسة وأمان.
المصادر
-
American Academy of Pediatric Dentistry (AAPD). “Guideline on Infant Oral Health Care”.
-
Mayo Clinic. “Teething: Signs and Symptoms in Babies”.
