مانع بن ربيعة المريدي: مؤسس إمارة الدرعية الأولى

المقدمة

يُعد مانع بن ربيعة المريدي من أبرز الشخصيات في تاريخ شبه الجزيرة العربية، وتحديدًا في التاريخ السياسي والديني لنجد، حيث أسّس إمارة الدرعية الأولى في منتصف القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي). وقد كان لتأسيسه هذه الإمارة دورٌ محوريٌ في نشأة الدولة السعودية الأولى لاحقًا، التي مثّلت نقطة تحوّل في تاريخ العرب والمسلمين في المنطقة. يُنسب إلى المريدي الفضل في بناء قاعدة سياسية واجتماعية صلبة في وادي حنيفة، حيث أسس لبنات الدولة التي ستتوسع لاحقًا لتضم معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية.

الجذور القبلية والنسب

ينحدر مانع بن ربيعة المريدي من قبيلة بني حنيفة، وهي إحدى القبائل القديمة التي سكنت منطقة اليمامة، وقد كانت هذه القبيلة ذات شأن في الجاهلية والإسلام. تعود أصول المريدي إلى بلدة “الدرعية” في منطقة القطيف شرق الجزيرة العربية، وهي منطقة كانت مأهولة ومزدهرة نسبيًا في تلك المرحلة. يُقال أن آل مقرن، الأسرة التي انحدر منها مانع، كانوا من الأسر المعروفة بين العرب، وكانوا يرتبطون بعلاقات قربى وتحالفات قبلية واسعة، ما مكّنهم من تأسيس مكانة سياسية واجتماعية قوية.

الهجرة من الشرق إلى نجد

في منتصف القرن التاسع الهجري، انتقل مانع المريدي من موطنه في شرق الجزيرة العربية إلى منطقة وادي حنيفة في نجد، استجابةً لدعوة من ابن عمه ابن درع الذي كان يحكم منطقة حجر اليمامة (الرياض الحالية). وتشير المصادر التاريخية إلى أن ابن درع رحّب بابن عمه المريدي ومنحه منطقة صغيرة في وادي حنيفة تُعرف بالموضعين “المليبيد” و”غصيبة”، فأسّس هناك نواة الدرعية.

هذا الانتقال لم يكن مجرد تحرك عشائري عادي، بل مثّل بداية لتشكيل كيان سياسي مستقل، تمكّن مانع المريدي من خلاله من إرساء قواعد إمارة قوية امتدت نفوذها تدريجيًا لتشمل أجزاء واسعة من وادي حنيفة.

تأسيس الدرعية: نواة الإمارة الأولى

مثّل اختيار وادي حنيفة لتأسيس الدرعية خطوة استراتيجية بالغة الأهمية. فقد كان الوادي خصبًا بالماء والنخيل، مما جعله موطنًا مناسبًا للاستقرار والازدهار. قام مانع المريدي بتشييد الدرعية على أسس متينة، مُستخدمًا مهاراته في القيادة والتحالفات الاجتماعية لبناء كيان سياسي مستقر. وتمكّن من تنظيم العلاقة بين القبائل المحيطة، وتثبيت الأمن، وتوفير الحماية للمزارعين والتجار، مما شجّع على استقرار السكان وانجذاب القبائل إلى حكمه.

البناء السياسي والاجتماعي

اعتمد مانع المريدي في إدارة الدرعية على مفهوم الزعامة التقليدية القبلية، التي جمعت بين البُعد السياسي والديني والاجتماعي. ولم تكن الدرعية في بداية أمرها مجرد قرية أو بلدة زراعية، بل تحوّلت بسرعة إلى مركز نفوذ في نجد، بفضل القدرة التنظيمية والسياسية التي تمتع بها مؤسسها. وقد ساعده ذلك على توسيع رقعة نفوذه وتحقيق الاستقرار الداخلي الذي كان نادرًا في تلك الحقبة المليئة بالانقسامات القبلية والصراعات المحلية.

تميزت الدرعية في عهد مانع بن ربيعة بتنظيم عمراني وزراعي وتجاري جعلها مركزًا نشطًا في قلب نجد، وكانت القبائل المجاورة تنظر إليها بإعجاب واحترام، مما عزز من مكانة المريدي كقائد حكيم وذو رؤية مستقبلية.

التحديات والصراعات

لم تكن نشأة الدرعية خالية من التحديات، فقد واجهت الإمارة الوليدة عدداً من النزاعات القبلية، خصوصًا مع القوى المحلية التي رأت في تمدد المريدي تهديدًا لمصالحها. لكن مانع أبدى حنكة سياسية وعسكرية مكنته من الحفاظ على استقلالية الإمارة وتوسيع نفوذها دون الدخول في حروب طويلة الأمد. كما كانت مهاراته في إدارة التحالفات القبلية عاملاً أساسياً في تماسك إمارة الدرعية واستمرارها.

الإرث السياسي لمانع المريدي

خلّف مانع بن ربيعة المريدي إرثًا سياسيًا طويل الأمد، إذ واصل أبناؤه وأحفاده من بعده توسيع رقعة الدرعية وتعزيز نفوذها، حتى أصبحت في القرن الثاني عشر الهجري المركز الرئيسي للدعوة الإصلاحية التي قادها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بالتحالف مع الإمام محمد بن سعود، أحد أحفاد مانع المريدي.

شكلت هذه اللحظة التاريخية تحوّلاً جذريًا في مسيرة الجزيرة العربية، إذ مهدت الطريق لقيام الدولة السعودية الأولى عام 1744م، التي تمركزت في الدرعية وأصبحت رمزًا للهوية السياسية والدينية الجديدة في نجد.

الجدول الزمني لحياة مانع بن ربيعة المريدي وتأثيره

الدور الحضاري للدرعية الأولى

لم تقتصر الدرعية على دورها السياسي فقط، بل لعبت دورًا حضاريًا هامًا في مجال الاستقرار المدني وتطور أنماط الحياة في نجد. فقد أسهم الاستقرار الذي وفرته الدرعية في جذب المهنيين والتجار والعلماء، ووفرت بيئة مناسبة لتبادل المعرفة، واحتضنت ثقافة إسلامية وسطية قائمة على التعاون والتكافل الاجتماعي.

وقد وُضعت أسس البنية الاجتماعية والاقتصادية للدرعية وفق منهج إسلامي معتدل، يقوم على احترام الشريعة وتنظيم العلاقات الاقتصادية والزراعية بين السكان، ما جعلها نموذجًا فريدًا في محيط مضطرب سياسيًا.

أثره في تأسيس الدولة السعودية

يُعد مانع المريدي نقطة البدء في سلسلة تطورات تاريخية قادت إلى قيام الدولة السعودية الأولى، والثانية، ثم الثالثة الحديثة بقيادة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. فالدولة السعودية الحديثة ما كانت لتوجد لولا الأسس التي أرساها المريدي، سواء من حيث التكوين السياسي للإمارة، أو من حيث ربط الحكم بالعناصر القبلية والدينية المحلية.

هذا الامتداد التاريخي يجعل من مانع المريدي شخصية مركزية في دراسة تطور الحكم المحلي في نجد، وفي فهم أصول الدولة السعودية من الناحية السياسية والاجتماعية.

مصادر التاريخ حول مانع المريدي

يُعتبر المصدر الأساسي للمعلومات حول مانع بن ربيعة المريدي هو ما جاء في كتب الأنساب والتاريخ النجدي، ومنها كتاب “عنوان المجد في تاريخ نجد” للمؤرخ عثمان بن بشر، الذي وثق العديد من التفاصيل عن تكوين إمارة الدرعية الأولى وأدوار أفراد أسرة آل سعود المبكرة. كما تعتمد الدراسات الحديثة حول المريدي على تحقيقات تاريخية وبحثية دقيقة، أبرزها دراسات الباحثين السعوديين في مراكز الأبحاث التاريخية التابعة لدارة الملك عبد العزيز.

الخلاصة

يمثل مانع بن ربيعة المريدي شخصية محورية في التاريخ العربي والإسلامي لشبه الجزيرة العربية. فقد استطاع بفضل فطنته السياسية وحكمته القبلية أن يؤسس كيانًا سياسيًا أصبح لاحقًا نواة الدولة السعودية. إن تحليل سيرته يكشف عن رؤية استراتيجية تجاوزت محيطه المحلي، وأسست لمرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة، يُنظر إليها اليوم كأحد أهم الفترات التي شكّلت الهوية السعودية الحديثة. ولا شك أن إرث مانع المريدي لا يزال حيًا في البنية السياسية والاجتماعية والثقافية للمملكة العربية السعودية، وهو ما يجعله في مصاف المؤسسين العظام في التاريخ العربي الحديث.

المراجع:

1. عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، الجزء الأول، دارة الملك عبد العزيز.

2. عبد الرحمن بن زيد السويداء، أعلام من تاريخ الدولة السعودية الأولى، دار العلوم للنشر، الرياض.