ماء الزيتون الأسود وصحة القلب

فوائد ماء الزيتون الأسود في الوقاية من أمراض القلب والسرطان

يُعد الزيتون من الثمار المباركة التي ورد ذكرها في الكتب السماوية واعتُبرت رمزا للصحة وطول العمر، ويُستخرج منه الزيت المعروف بفوائده الصحية الجمة، إلا أن جزءاً مهماً ومهملاً في كثير من الأحيان هو ماء الزيتون الأسود أو ما يُعرف بالمحلول الملحي الذي يُنقع فيه الزيتون خلال عمليات التخليل والتخمير. هذا الماء المالح الغني بالمركبات الفينولية والمغذيات الدقيقة يُعد كنزاً غذائياً بحد ذاته، وقد أظهرت الدراسات الحديثة اهتمامًا متزايدًا بفوائده المحتملة على صحة القلب وفعاليته في الوقاية من بعض أنواع السرطان. في هذا المقال الموسع، نستعرض التركيب الكيميائي لماء الزيتون الأسود، آلية تأثيره البيولوجي، ونتائج الأبحاث العلمية المتعلقة بعلاقته بأمراض القلب والسرطان.

التركيب الكيميائي لماء الزيتون الأسود

ماء الزيتون الأسود هو ناتج عملية تخليل الزيتون في محلول ملحي غالباً ما يحتوي على تركيز من الملح يتراوح بين 8% و12%، وأحياناً تضاف إليه مكونات أخرى مثل حمض الستريك أو حمض اللاكتيك أو الخل الأبيض. لكن العنصر الأكثر أهمية هو ما يذوب من مكونات الزيتون نفسه في هذا الماء، مثل:

• البوليفينولات (Phenolic compounds): مثل الأوليوروبين (Oleuropein) والهيدروكسي-تيروزول (Hydroxytyrosol)، وهما من أقوى مضادات الأكسدة الطبيعية.

• الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء مثل فيتامين C و B1 و B6.

• المعادن مثل البوتاسيوم، الكالسيوم، المغنيسيوم، والحديد.

• الأحماض العضوية مثل حمض الماليك، حمض اللاكتيك، حمض الخليك.

• مركبات الفلافونويد، التي تلعب دوراً هاماً في تثبيط الخلايا السرطانية وتقوية الجهاز المناعي.

هذا التركيب المتكامل يجعل من ماء الزيتون الأسود مشروبًا وظيفيًا يمكن أن يكون له أثر فسيولوجي عميق عند تناوله بانتظام ضمن نظام غذائي متوازن.

التأثيرات البيولوجية لماء الزيتون الأسود على صحة القلب

1. تحسين توازن الدهون في الدم

تشير الأبحاث إلى أن البوليفينولات الموجودة في ماء الزيتون الأسود، وعلى رأسها الهيدروكسي-تيروزول، تسهم في:

• تقليل الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL) والذي يُعرف بالكوليسترول الضار.

• زيادة الكوليسترول عالي الكثافة (HDL) أو الكوليسترول الجيد.

• تقليل مستويات الدهون الثلاثية (Triglycerides) في الدم.

هذه الخصائص تعزز من صحة الشرايين وتقلل من ترسب الدهون على جدران الأوعية الدموية، مما يحسن التدفق الدموي ويقلل من خطر الإصابة بتصلب الشرايين والنوبات القلبية.

2. مقاومة الالتهابات المزمنة

الالتهاب المزمن هو المحرك الأساسي لتطور أمراض القلب التاجية. تعمل مضادات الأكسدة الطبيعية في ماء الزيتون الأسود على تثبيط الإنزيمات المحفزة للالتهاب مثل COX-2 و NF-κB، وبالتالي تقليل الالتهاب وتحسين الصحة القلبية بشكل عام.

3. خفض ضغط الدم

يساهم البوتاسيوم المتوفر بتركيز جيد في ماء الزيتون في تنظيم ضغط الدم من خلال موازنة تأثير الصوديوم على الأوعية الدموية. كما تُشير الدراسات إلى أن بعض المركبات الفينولية تساهم في تحسين وظيفة البطانة الوعائية (Endothelial function) وبالتالي تسهيل تمدد الأوعية الدموية وتقليل الضغط داخلها.

الفعالية الوقائية لماء الزيتون الأسود ضد السرطان

1. آلية مضادة للأكسدة

من المعروف أن الإجهاد التأكسدي هو أحد العوامل الرئيسية في تطور الخلايا السرطانية، إذ يؤدي إلى تلف الحمض النووي (DNA) وتعطيل آليات الانقسام الخلوي السليم. يمتاز ماء الزيتون الأسود بتركيز عالٍ من مضادات الأكسدة التي تقوم بالآتي:

• تثبيت الجذور الحرة ومنع تفاعلها مع الخلايا السليمة.

• تحفيز آليات إصلاح الحمض النووي داخل الخلية.

• دعم نشاط الإنزيمات المضادة للأكسدة مثل الجلوتاثيون والسوبر أوكسيد ديسميوتاز.

2. تثبيط تكاثر الخلايا السرطانية

أثبتت دراسات مخبرية أن الهيدروكسي-تيروزول والأوليوروبين قادران على تثبيط نمو خلايا سرطانية في نماذج مخبرية لأنواع متعددة من السرطان، بما فيها:

• سرطان الثدي

• سرطان القولون

• سرطان الرئة

• سرطان البروستاتا

يحدث هذا التأثير من خلال تعطيل دورة حياة الخلية السرطانية وتحفيز عملية الموت الخلوي المبرمج (Apoptosis) دون التأثير على الخلايا السليمة.

3. تعزيز فعالية العلاج الكيميائي

تشير بعض الدراسات إلى أن المركبات الموجودة في ماء الزيتون الأسود يمكن أن تعزز من فعالية بعض الأدوية الكيميائية وتقلل من سمّيتها على الخلايا الطبيعية، مما يجعلها خيارًا داعمًا في الخطط العلاجية لمرضى السرطان.

الجدول التالي يوضح الفروقات في التركيب الكيميائي بين ماء الزيتون الأسود وماء الزيتون الأخضر:

الطريقة المثلى لاستهلاك ماء الزيتون الأسود

رغم فوائده الكبيرة، يجب الانتباه إلى محتواه العالي من الصوديوم، ما قد يُشكل خطراً على بعض الفئات مثل مرضى ارتفاع ضغط الدم أو مرضى الكلى. ينصح باستهلاكه بكميات معتدلة لا تتجاوز 50 مل يومياً، أو يمكن تخفيفه بالماء بنسبة 1:1 لتقليل تركيز الصوديوم دون خسارة القيمة الغذائية.

ويمكن استخدامه بعدة طرق:

• كمشروب صباحي دافئ: على معدة فارغة للمساعدة في تنشيط الجهاز الهضمي.

• كمحلول نقع للخضروات أو السلطات: لإضافة نكهة طبيعية ومغذية.

• كمادة حافظة طبيعية لبعض الأطعمة المنزلية كالزيتون أو الفجل المخلل.

• في تحضير صلصات الطهي والمرق، كبديل عن مكعبات المرق التجارية.

أبحاث علمية تدعم هذه الفوائد

1. Journal of Nutritional Biochemistry (2021): أظهرت الدراسة أن الهيدروكسي-تيروزول يعزز البقاء الخلوي للخلايا البطانية ويقلل من موت الخلايا بفعل الإجهاد التأكسدي.

2. International Journal of Cancer (2019): أظهرت نتائج مخبرية أن مستخلصات من ماء الزيتون الأسود تقلل من انقسام الخلايا السرطانية بنسبة 42% خلال 72 ساعة من التعرض.

الخلاصة العلمية

ماء الزيتون الأسود، رغم تجاهله كمكون غذائي في كثير من الأحيان، يثبت يوماً بعد يوم أهميته الصحية كعامل مساعد في الوقاية من أمراض القلب المزمنة وبعض أنواع السرطان بفضل تركيزه العالي من البوليفينولات، مضادات الأكسدة، والمعادن الحيوية. وبإدراجه ضمن نمط غذائي متوازن، يمكن أن يمثل خيارًا طبيعيًا داعمًا للصحة القلبية والوقاية من النمو السرطاني، شريطة مراعاة محتواه المرتفع من الصوديوم والاعتدال في استهلاكه.

المراجع:

1. Visioli, F., & Galli, C. (2002). Olive oil phenols and their potential effects on human health. Journal of Agricultural and Food Chemistry, 50(20), 5869–5875.

2. Owen, R. W., et al. (2000). Olive-oil consumption and health: the possible role of antioxidants. The Lancet Oncology, 1(2), 107–112.