مرض الهستيريا: تعريفه وأسبابه وأعراضه وطرق العلاج

مرض الهستيريا يعد من أقدم الاضطرابات النفسية التي عرفها الطب النفسي، وله تاريخ طويل من الدراسة والبحث. رغم التطورات العلمية الحديثة في مجال الطب النفسي، ما زال مرض الهستيريا يمثل ظاهرة معقدة تجمع بين الجوانب النفسية والجسدية، ويستدعي فهماً دقيقاً متكاملاً بين علم النفس وعلم الأعصاب.

تعريف مرض الهستيريا

الهستيريا هي حالة نفسية تتميز بظهور أعراض جسدية غير مفسرة طبياً، حيث يعاني المريض من اضطرابات جسدية متعددة تظهر على شكل شكاوى أو اضطرابات وظيفية في أعضاء مختلفة من الجسم، دون وجود أسباب عضوية واضحة تبرر هذه الأعراض. وهذا يعني أن المرض يكون له أصل نفسي يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، مما يسبب تغيرات في وظائف الجسم المختلفة.

في التصنيفات الحديثة للاضطرابات النفسية، تم إدخال مرض الهستيريا تحت مسميات مختلفة، مثل اضطرابات التحويل أو اضطرابات somatoform، ولكن المصطلح الشائع “الهستيريا” لا يزال مستخدماً في الطب النفسي الشعبي والتاريخي.

الخلفية التاريخية لمرض الهستيريا

يعود مفهوم الهستيريا إلى العصور القديمة، حيث وصفها الأطباء اليونانيون القدماء مثل أبقراط كاضطراب مرتبط بالرحم (الكلمة “هستيريا” مشتقة من الكلمة اليونانية “hystera” التي تعني الرحم). كانت تعتقد قديماً أن الهستيريا تحدث فقط عند النساء بسبب تحرك الرحم داخل الجسم، وهذا الاعتقاد ظل سائداً لقرون طويلة.

في القرن التاسع عشر، قدم العالم الفرنسي جان مارتن شاركو أول الدراسات العلمية عن الهستيريا، وكان رائد العلاج باستخدام التنويم المغناطيسي. ثم جاء الطبيب النفسي سيجموند فرويد ليقدم تفسيرات نفسية عميقة لهذا المرض من خلال نظرياته حول اللاوعي والصراعات النفسية.

أسباب مرض الهستيريا

الهستيريا ليست مرضاً عضويًا بحتًا ولا هي مرض نفسي بسيط، بل هي نتاج تفاعل معقد بين العوامل النفسية والبيولوجية والاجتماعية، ويمكن تلخيص أبرز أسبابها في النقاط التالية:

1. العوامل النفسية

• الصدمات النفسية: التعرض لأحداث نفسية مؤلمة أو صدمات عاطفية مثل فقدان شخص عزيز، التعرض للإيذاء، أو ضغوط نفسية شديدة.

• الصراعات الداخلية: وجود صراعات نفسية غير واعية بين الرغبات والقيود أو بين الهو والأنا والأنا العليا كما في نظرية فرويد.

• الكبت النفسي: حجب أو إنكار المشاعر أو الأفكار التي تسبب توتراً نفسياً، ما يدفع النفس إلى التعبير عن هذا التوتر عبر أعراض جسدية.

2. العوامل البيولوجية

• بعض الدراسات تشير إلى وجود تغيرات في عمل الجهاز العصبي المركزي أو الجهاز الحوفي الذي يؤثر على المشاعر والسلوك، مما يسهل ظهور أعراض الهستيريا.

• اضطرابات في العمليات الكيميائية الدماغية التي تتحكم في المزاج والاستجابة للضغط النفسي.

3. العوامل الاجتماعية والثقافية

• البيئة الأسرية أو الاجتماعية التي قد تشجع على التعبير عن المشاعر عبر أعراض جسدية بدلاً من التعبير اللفظي.

• الثقافة التي تفضل عدم الحديث عن المشاكل النفسية بشكل مباشر، مما يدفع المريض لتوجيه معاناته بشكل جسدي.

الأعراض السريرية لمرض الهستيريا

تتنوع أعراض الهستيريا بشكل كبير بين المرضى، لكنها بشكل عام تظهر في صورة اضطرابات وظيفية في مختلف الأجهزة العضوية، ولا يكون لها تفسير عضوي واضح. من أبرز هذه الأعراض:

1. الأعراض الحركية

• الشلل الجزئي أو الكامل في أحد الأطراف أو أكثر.

• التشنجات أو الصرع الهستيري الذي يشبه نوبات الصرع الحقيقية ولكن بدون تغيرات كهربائية في الدماغ.

• فقدان التوازن أو التنسيق الحركي (اعتلال المشية الهستيري).

• الرعاش أو الحركات اللاإرادية.

2. الأعراض الحسية

• فقدان الإحساس أو التنميل في مناطق معينة من الجسم.

• العمى أو ضعف الرؤية المؤقت.

• فقدان السمع أو طنين الأذن.

• اضطرابات في التذوق أو الشم.

3. الأعراض النفسية والعاطفية

• نوبات ذعر أو قلق حاد.

• تقلبات مزاجية حادة.

• عدم القدرة على التركيز أو التفكير بوضوح.

• الهلاوس أو التوهمات في بعض الحالات النادرة.

4. أعراض أخرى

• الشعور بالتعب والإرهاق الشديد دون سبب طبي واضح.

• اضطرابات النوم.

• مشاكل في الجهاز الهضمي مثل الغثيان أو الإقياء غير المبرر.

تتميز هذه الأعراض بأنها تتغير وتتنقل من عضو إلى آخر، ويمكن أن تستمر لفترات طويلة أو تكون متقطعة.

التشخيص الطبي لمرض الهستيريا

يعتمد تشخيص مرض الهستيريا على استبعاد الأسباب العضوية للأعراض الظاهرة، إذ يركز الطبيب على:

• التاريخ المرضي الكامل للمريض.

• الفحص الطبي والجسدي الدقيق.

• إجراء الفحوصات الطبية مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، والأشعة السينية، والفحوصات العصبية لضمان عدم وجود سبب عضوي.

• التقييم النفسي باستخدام المقابلات السريرية واختبارات نفسية متخصصة.

في بعض الأحيان، قد يُستخدم التنويم المغناطيسي كأداة مساعدة لتأكيد التشخيص أو لمعالجة الأعراض.

علاج مرض الهستيريا

علاج الهستيريا يحتاج إلى مقاربة متعددة الجوانب، تجمع بين العلاج النفسي والعلاج الدوائي والدعم الاجتماعي، ويهدف إلى تقليل الأعراض وتحسين جودة حياة المريض.

1. العلاج النفسي

• العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يهدف إلى تعديل الأفكار والسلوكيات التي تؤدي إلى ظهور الأعراض. يعد الأكثر فاعلية في علاج الهستيريا.

• العلاج الديناميكي النفسي: يعتمد على فهم الصراعات النفسية العميقة التي تؤدي إلى ظهور المرض والعمل على حلها.

• العلاج بالتنويم المغناطيسي: أظهر فعالية في تخفيف الأعراض الحركية والحسية.

2. العلاج الدوائي

لا توجد أدوية مخصصة لعلاج الهستيريا بحد ذاتها، ولكن تستخدم أدوية لتخفيف أعراض معينة مثل:

• مضادات الاكتئاب لعلاج القلق والاكتئاب المصاحبين.

• مهدئات الأعصاب في حالات التوتر الشديد.

• أدوية مضادة للتشنجات في حالات الصرع الهستيري.

3. الدعم الاجتماعي والأسري

• توعية الأسرة والمحيط الاجتماعي بحالة المريض لدعمه نفسياً.

• تحسين بيئة المريض النفسية والعملية لتقليل الضغوط النفسية.

4. العلاج الفيزيائي وإعادة التأهيل

في حالات الشلل الهستيري أو ضعف الحركة، يمكن اللجوء إلى العلاج الفيزيائي لتحسين القدرة الحركية وتقوية العضلات.

التحديات والآفاق المستقبلية

يواجه تشخيص وعلاج مرض الهستيريا عدة تحديات بسبب تعدد وتداخل الأعراض النفسية والجسدية، وكذلك بسبب الصور المختلفة للمرض التي قد تتداخل مع أمراض أخرى. لذا، تتطلب الحالة تنسيقاً طبياً ونفسياً شاملاً.

في العقود الأخيرة، أدت الأبحاث في علم الأعصاب النفسي إلى فتح آفاق جديدة لفهم آليات المرض، حيث تبيّن أن الهستيريا تنطوي على تغيرات في العمليات العصبية التي تؤثر على التحكم الذاتي في الجسم، مما يفسر الأعراض الحسية والحركية غير العضوية. هذه الاكتشافات تدعم تطوير علاجات أكثر تخصصاً وفعالية.

جدول يوضح الفرق بين الهستيريا والأمراض العضوية المشابهة

الخلاصة

مرض الهستيريا هو اضطراب نفسي معقد يتجلى بأعراض جسدية متعددة، ليس لها تفسير عضوي واضح، وهو ناتج عن تفاعل بين العوامل النفسية والبيولوجية والاجتماعية. يعد التشخيص الدقيق والعلاج الشامل من أهم عوامل السيطرة على المرض وتحسين حياة المرضى. التطورات الحديثة في علوم الأعصاب وعلم النفس فتحت آفاقاً جديدة لفهم أفضل لهذا المرض، ما ساهم في تحسين نتائج العلاج وتقليل معاناة المصابين. لذا، فإن التعامل مع مرض الهستيريا يحتاج إلى فريق طبي نفسي متخصص، إلى جانب الدعم الأسري والاجتماعي لضمان تعافي المريض بشكل فعّال ومستدام.

المراجع:

1. Kaplan & Sadock’s Synopsis of Psychiatry, 12th Edition, 2015.

2. World Health Organization (WHO), ICD-11 Classification of Mental Disorders, 2018.