الإمام الشافعي رحمه الله كان يؤمن بأن الإسراء والمعراج هما حقيقتان حقيقتان واقعتان بالفعل. وقد ورد في قصيدة له:
رأي الإمام الشافعي في الإسراء والمعراج
الحمد لله الذي أكرم النبي محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالآيات الكبرى، وجعل من معجزة الإسراء والمعراج أعظم دليل على مكانته الرفيعة بين الأنبياء والمرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
تعتبر رحلة الإسراء والمعراج من أعظم معجزات النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث اختصه الله بهذه الرحلة العجيبة لتكون تسريةً عن قلبه، وتجديدًا لعزيمته، وإظهارًا لعظمة الرسالة الإسلامية. وفي هذا السياق، فإن العلماء على مر العصور تناولوا هذه الحادثة بالكثير من البحث والتحليل، ومن أبرز هؤلاء العلماء الإمام الشافعي -رحمه الله-، الذي ترك لنا أقوالًا وآراءً عميقة تُبرز فهمه الدقيق لهذه المعجزة.
مكانة الإسراء والمعراج في الإسلام
الإسراء والمعراج ليست فقط حادثة تاريخية بل هي معجزة إلهية تنطوي على أبعاد عقدية وروحية وتشريعية. أشار الله تعالى في سورة الإسراء إلى جزء من هذه الحادثة بقوله:
“سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِّنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسجِدِ الأقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير” (الإسراء: 1).
أما المعراج، فقد ذكر في سورة النجم:
“وَلَقَد رَآهُ نَزلَةً أُخرَى * عِندَ سِدرَةِ المُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ المَأوَى” (النجم: 13-15).
الإسراء هو انتقال النبي -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أما المعراج فهو صعوده إلى السماوات العلى حيث رأى من آيات ربه الكبرى.
الإمام الشافعي ورؤيته للإسراء والمعراج
نظرة الإمام الشافعي لمعجزات الأنبياء
من المعروف أن الإمام الشافعي -رضي الله عنه- كان ذا رؤية شاملة وعميقة تجاه معجزات الأنبياء، وقد صرح بأن كل ما أُعطي نبي من المعجزات، قد أُعطي النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ما هو أعظم منه. فعندما سُئل عن إحياء عيسى -عليه السلام- للموتى، قال: “حنين الجذع أبلغ، لأن حياة الخشبة أبلغ من إحياء الموتى”.
وفيما يخص تسخير الرياح لسليمان -عليه السلام-، رأى الإمام الشافعي أن المعراج أعظم وأبلغ، لأنه انتقال خارق للعادة إلى السماوات العلا وما فوقها، وهو أمر لا يُمكن للعقل البشري أن يتصوره دون إيمان.
الإسراء والمعراج بالروح والجسد
أوضح الإمام الشافعي -رحمه الله- أن الإسراء والمعراج كانا بالروح والجسد معًا، وليس بالروح فقط كما ذهب إليه بعض العلماء. وقد استند في ذلك إلى نصوص القرآن الكريم، حيث وصف الله تعالى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بـ”العبد”، وهو وصف يُشير إلى كمال الإنسانية في شخصه -صلى الله عليه وسلم-، بما يشمل الجسد والروح معًا.
قال الإمام الشافعي: “لو كان الإسراء والمعراج بالروح فقط، لما كان هناك حاجة إلى وصف النبي بالعبودية في هذا المقام التشريفي، لأن العبودية تشمل الجسد والروح معًا.”
كما أشار إلى أن ما ورد في السنة النبوية من وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- للرحلة، بما في ذلك مشاهداته في السماوات، دليل قاطع على أن الحادثة تمت بالروح والجسد.
الحكمة من الإسراء والمعراج
رأى الإمام الشافعي أن الله أراد من خلال هذه الحادثة أن يُظهر للنبي -صلى الله عليه وسلم- مكانته العظيمة، وأن يُريه آياته الكبرى ليطمئن قلبه ويزداد يقينه. كما اعتبر أن الرحلة كانت تهيئة للنبي -صلى الله عليه وسلم- لمواجهة التحديات الكبرى في دعوته، خاصة بعد ما لاقاه من أذى المشركين في مكة والطائف.
الدروس المستفادة من الإسراء والمعراج
استنبط الإمام الشافعي عدة دروس من هذه المعجزة العظيمة:
- أهمية الإيمان بالغيب: الإسراء والمعراج اختبار حقيقي للإيمان، حيث أظهر صدق إيمان الصحابة الذين صدقوا النبي دون تردد.
- مكانة المسجد الأقصى: أوضح الإمام الشافعي أن الإسراء يُبرز مكانة المسجد الأقصى كقبلة أولى ومكان مبارك في الإسلام.
- التأكيد على وحدة الرسالات السماوية: لقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء في السماوات يُظهر أن الإسلام جاء مكملًا للرسالات السابقة.
الإمام الشافعي وردود الشبهات
كان الإمام الشافعي يقف بحزم أمام الشبهات التي أثارها بعض المشركين حول معجزة الإسراء والمعراج. فقد بيَّن أن العقل البشري محدود الإدراك، وأن الإيمان بالمعجزات الإلهية يتطلب التسليم بقدرة الله المطلقة. واستدل بقوله تعالى:
“إِنَّمَا أَمرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ” (يس: 82).
كما أشار إلى أن تشكيك المشركين في قدرة الله على الإسراء والمعراج يُشبه تشكيكهم في قدرة الله على بعث الخلق يوم القيامة، وكلاهما ينبع من قصور الإيمان.
الخاتمة
الإمام الشافعي -رحمه الله- قدّم رؤية شاملة للإسراء والمعراج، تقوم على الفهم العميق لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية. وقد أكد أن هذه المعجزة هي دليل على مكانة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وصدق رسالته. كما أوضح أن الإسراء والمعراج لم يكونا مجرد حدث تاريخي، بل معجزة تحمل في طياتها دروسًا وعبرًا لكل مسلم يؤمن بالله ورسوله.
نسأل الله أن يرزقنا فهمًا عميقًا لديننا، وأن يثبتنا على الإيمان الكامل بقدرة الله وحكمته. والحمد لله رب العالمين.
