ماذا تريد النساء: قراءة معمقة في الاحتياجات والرغبات والتطلعات

لطالما شكل سؤال “ماذا تريد النساء؟” أحد أكثر التساؤلات حضورًا في الفلسفة، الأدب، علم النفس، وعلم الاجتماع. لا يعود ذلك فقط إلى غموض الإجابة، بل إلى تعقيد وتشعب التجربة الإنسانية الأنثوية، المرتبطة بتفاعل داخلي بين البيولوجيا، والثقافة، والهوية، والتجارب الحياتية، والتنشئة الاجتماعية. هذا المقال لا يسعى لإعطاء إجابة واحدة، بل لرسم صورة موسعة، متعددة الأبعاد، تعكس التطلعات العاطفية، النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية للمرأة في سياقات متعددة.

التطلعات النفسية والعاطفية للنساء

من الجوانب التي لا يمكن تجاوزها في فهم ما تريده النساء هي التطلعات النفسية والعاطفية، التي تتجلى في حاجتهن العميقة إلى الشعور بالأمان، الحب، القبول، والانتماء. هذه الحاجات ليست حكرًا على النساء بطبيعة الحال، لكنها تتجلى في تجربة المرأة بصورة أكثر تعقيدًا نظرًا للضغوط الاجتماعية والمعايير التي تواجهها.

تسعى العديد من النساء إلى أن يُنظر إليهن بصفتهن أفرادًا متكاملين، لا ككيانات وظيفية أو أدوات لتحقيق أدوار محددة مثل الأمومة أو الزوجية فقط. الشعور بالاحترام والتقدير على أساس شخصي، لا بناءً على الشكل أو الإنجاز فحسب، هو أحد أعمدة الاحتياج النفسي العميق.

التمكين والاستقلالية

التمكين، بمختلف أشكاله، هو من أكثر ما تسعى إليه النساء في العصر الحديث. لا تقتصر الرغبة في الاستقلالية على الجوانب المالية فحسب، بل تشمل الاستقلال الفكري، العاطفي، والاجتماعي. النساء يردن القدرة على اتخاذ قرارات تخص حياتهن دون وصاية أو ضغط خارجي، سواء كان ذلك في اختيار العمل، الدراسة، اللباس، العلاقات، أو طرق تربية الأبناء.

الاستقلالية أيضًا تعني حرية التعبير عن الذات دون خوف من التبعات الاجتماعية، وأن يكون للمرأة صوت يُسمع، ويُحترم، ويُحتفى به سواء في المحيط العائلي أو المهني أو السياسي أو الثقافي.

المساواة والعدالة الاجتماعية

في كثير من المجتمعات، ما تزال النساء يعانين من التمييز الصريح أو الضمني في مجالات عديدة، منها فرص العمل، الرواتب، التمثيل السياسي، أو حتى في المعاملة داخل الأسرة. لذلك، يعد مطلب المساواة والعدالة من أبرز ما تطالب به النساء.

المساواة لا تعني التنكر للاختلافات البيولوجية أو الفسيولوجية، بل تعني منح نفس الفرص، والحقوق، والكرامة دون تمييز. العدالة تقتضي معالجة الفجوات التاريخية والهيكلية التي جعلت النساء في موقع أدنى اجتماعيًا أو اقتصاديًا عبر قرون من التهميش والتقييد.

الأمن الجسدي والنفسي

من المطالب الجوهرية للنساء في مختلف بقاع الأرض هو الشعور بالأمان، خاصة في الأماكن العامة، وداخل أماكن العمل، وحتى ضمن نطاق الأسرة. التحرش، العنف المنزلي، الإيذاء الجسدي أو النفسي، كلها ظواهر لا تزال تحاصر النساء وتهدد أمنهن، وتحد من حريتهن.

المرأة تريد أن تعيش دون أن تُعامل ككائن هش، أو كهدف للاعتداء، أو كموضوع جنسي. مطلب الأمان يتضمن أيضًا الحصول على حماية قانونية فعالة، ومجتمع لا يبرر العنف ضدها أو يلومها عليه.

التقدير والاعتراف بالإنجازات

تطمح النساء إلى الاعتراف بجهودهن في مختلف الميادين: من الأسرة، إلى العمل، إلى المساهمة في بناء المجتمع. المرأة التي تدير أسرة، أو تعتني بمريض، أو تسهر على تعليم أبنائها، لا تقل أهمية عن المرأة التي تترأس شركة أو تقود أبحاثًا علمية.

الاعتراف لا يعني المديح الظاهري، بل يعني إدراج النساء في المعادلات الكبرى للتنمية، والسياسة، وصنع القرار، والاعتراف بحجم مساهمتهن في استمرارية المجتمعات الإنسانية.

الدعم النفسي والاجتماعي

تحتاج النساء إلى شبكات دعم حقيقية، سواء كانت من العائلة، الأصدقاء، الزملاء، أو المجتمع. الدعم لا يعني التوجيه والإرشاد فحسب، بل الاستماع الحقيقي، والاحتواء، والتعاطف دون أحكام. في كثير من الأحيان، تتعرض النساء للعزلة النفسية أو الاجتماعية، خاصة حين تتخذ قرارات تتعارض مع القيم التقليدية أو تنخرط في مجالات تُعد “ذكورية”.

وجود منصات آمنة للتعبير، ومراكز للدعم النفسي، وبرامج تمكين اجتماعي تمثل حجر الأساس في تمكين النساء من تجاوز العقبات النفسية والتحديات الحياتية.

تحقيق الذات

تحقيق الذات هو قمة التطلعات الإنسانية، ولا تختلف النساء عن الرجال في ذلك. المرأة تطمح إلى تطوير ذاتها، تعلم مهارات جديدة، السفر، التجربة، الإبداع، والنجاح في مسارات متعددة. تسعى للعيش بكامل إمكانياتها، دون أن تكون مقيدة بأدوار نمطية تضعها في قوالب جاهزة.

تحقيق الذات لا يرتبط فقط بالعمل المهني، بل يمكن أن يظهر في جوانب متعددة: الفن، الأمومة، التعليم، الرياضة، أو حتى العزلة الواعية. المهم أن يكون المسار نابعًا من اختيارات المرأة الذاتية، لا من إملاءات الآخرين.

الحياة المهنية والفرص الاقتصادية

تبحث النساء عن فرص عادلة في سوق العمل تُمكنهن من الاستقلال الاقتصادي، والمشاركة في التنمية، وتوفير حياة كريمة لأنفسهن ولأسرهن. لكن الواقع ما يزال يحمل تحديات كبرى: فجوة الرواتب، التمييز في الترقية، التحرش في أماكن العمل، ضعف التمثيل في المناصب القيادية.

المرأة تريد بيئة عمل عادلة، آمنة، مرنة، تسمح لها بالتوفيق بين حياتها المهنية والأسرية، وتمنحها التقدير الذي تستحقه بعيدًا عن التحيزات الجندرية.

التوازن بين الأدوار

في المجتمعات التي تضغط على المرأة لتكون “كل شيء في آن واحد” — أم مثالية، زوجة مطيعة، موظفة ناجحة، جميلة دومًا — تعاني العديد من النساء من إرهاق نفسي وجسدي دائم. لذلك، تسعى الكثير من النساء اليوم إلى تحقيق نوع من التوازن، حيث لا تُقاس قيمتهن بمدى تضحياتهن، بل بمدى انسجام حياتهن مع طموحاتهن.

التوازن يتطلب شريكًا واعيًا، ومجتمعًا لا يحمّل المرأة وحدها عبء العائلة، ومؤسسات تُمكّنها من تخفيف الأعباء من خلال حضانات، إجازات أمومة مدفوعة، وساعات عمل مرنة.

الجمال والهوية الجسدية

بينما يُروّج لجمال المرأة كمصدر للقبول الاجتماعي أو النجاح، كثير من النساء اليوم يطمحن إلى إعادة تعريف الجمال بعيدًا عن المقاييس القاسية التي تفرضها وسائل الإعلام. المرأة لا تريد أن تكون سلعة تُقيّم بشكلها، بل ترغب في قبول ذاتها كما هي: بلون بشرتها، بوزنها، بأثر ولادة على جسدها، أو شعرها الأبيض.

رغبة النساء اليوم تمتد إلى تحرير الجسد من السيطرة الذكورية، ومن التقييمات السطحية، ومن سياسات الجسد التي تفرضها شركات التجميل والموضة. الجسد ليس موضوعًا للتسليع، بل فضاء للحرية والكينونة.

الحرية الثقافية والدينية

تريد النساء حرية اختيار نمط حياتهن الثقافي والديني. فالبعض يفضل الالتزام بالممارسات الدينية، والبعض الآخر يرى الحرية في رفض بعض التقاليد. ما يهم هو أن يُحترم خيار المرأة، سواء ارتدت الحجاب أو اختارته حرًا، سواء أرادت الزواج المبكر أو تأجيله، أو اختارت عدم الزواج مطلقًا.

المرأة لا تريد وصاية على قناعاتها، بل أن تُعامل كشخص بالغ، عاقل، لديه حق السيادة على ذاته، وحق ممارسة الحياة وفق ما تراه مناسبًا لهويته وأفكاره.

التقدير داخل الأسرة

من المطالب المحورية للنساء هو الاعتراف بمكانتهن داخل الأسرة، سواء كأمهات، بنات، أخوات، أو زوجات. كثير من النساء يشعرن بالإهمال أو النكران، رغم الأدوار الكبيرة التي يقمن بها في بناء الروابط العائلية، وتربية الأجيال، ورعاية الآخرين.

التقدير لا يُترجم بالكلمات فقط، بل بالمشاركة الفعلية في المسؤوليات، بالاحترام، بالدعم، بعدم الاستهانة بمشاعر المرأة أو التقليل من قيمتها عند الاختلاف.

التعليم كأداة تمكين

يعد التعليم من أبرز الأدوات التي تُمكّن النساء من النهوض بأنفسهن، وتحقيق أحلامهن. لذلك، تطالب النساء دومًا بالحق في تعليم متساو، متاح، آمن، وشامل. التعليم ليس فقط حقًا أساسيًا، بل هو بوابة نحو الوعي، والعمل، والاستقلالية.

التعليم يمكن المرأة من الخروج من دوائر الفقر، والعنف، والاعتمادية، ويدعمها في بناء حياة أفضل لها ولمجتمعها.

جدول: تطلعات النساء وتصنيفاتها

المصادر

• Beauvoir, Simone de. The Second Sex. Vintage Books, 2011.

• UN Women. Gender Equality: Women’s Rights in Review 25 Years After Beijing. 2020.