لواء إسكندرون: تاريخ ونزاع مستمر

لواء إسكندرون: تاريخ طويل ومعقد على مفترق الطرق الجغرافية والسياسية

يُعتبر لواء إسكندرون واحداً من الأقاليم التي أثارت جدلاً كبيراً في التاريخ الحديث للمنطقة العربية، حيث يعد هذا الإقليم محط أنظار الكثيرين لما له من أهمية استراتيجية وجغرافية فريدة. تقع هذه المنطقة في أقصى شمال غرب سوريا، على البحر الأبيض المتوسط، وقد كانت خلال معظم تاريخها نقطة التقاء بين العديد من الحضارات الكبرى. ويكتسب لواء إسكندرون أهمية خاصة لأنه كان محور نزاع طويل بين سوريا وتركيا، مما جعل وضعه الإقليمي والسياسي أحد القضايا الساخنة في المنطقة على مر العصور.

التاريخ المبكر للواء إسكندرون

يشير تاريخ لواء إسكندرون إلى منطقة شهدت تفاعلات حضارية وثقافية متعددة على مر العصور. قبل أن تصبح جزءاً من الإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر، كانت المنطقة تضم العديد من المدن التي تعتبر اليوم من أهم المدن السورية في شمال غرب البلاد، مثل مدينة إسكندرون (التي سميت على اسم الإقليم) وأرادوس وطرطوس.

في العصور الإسلامية، كان لواء إسكندرون جزءاً من المناطق التابعة للخلافة الإسلامية، وتحديداً في العصر الأموي والعباسي، حيث كانت المنطقة تحت سيطرة العرب المسلمين. مع مرور الوقت، أصبحت المنطقة جزءاً من ولايات الخلافة العثمانية، وظلت هكذا حتى بداية القرن العشرين.

التقسيمات الإدارية في العهد العثماني

في العهد العثماني، كانت منطقة إسكندرون جزءاً من ولاية حلب، التي كانت إحدى الولايات الكبرى في الإمبراطورية العثمانية. ومنذ ذلك الحين، بدأت المنطقة تأخذ شكلاً إدارياً يضمن لها تمثيلاً في السلطة العثمانية، ولكن في الوقت نفسه كانت قريبة من أن تكون محوراً لصراعات القوى الكبرى في البحر الأبيض المتوسط.

الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية

مع بداية الحرب العالمية الأولى، كانت منطقة لواء إسكندرون، مثل باقي الأراضي العثمانية، تحت تأثيرات الحرب العنيفة بين القوى العظمى. بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، تم تقسيم العديد من الأراضي العثمانية بين القوى الاستعمارية، وفي هذا السياق، قامت بريطانيا وفرنسا بتوزيع مناطق نفوذهما في المنطقة العربية. وقد أصبح لواء إسكندرون جزءاً من منطقة النفوذ الفرنسي في سوريا، والتي تمثل في اتفاقية “سايكس بيكو” الموقعة في عام 1916.

التطورات في العهد الفرنسي

في ظل الانتداب الفرنسي على سوريا في العشرينات، كان لواء إسكندرون يشكل جزءاً مهماً من المناطق التي كانت خاضعة للإدارة الفرنسية. ومع تصاعد الحركات الوطنية السورية في ذلك الوقت، كان لواء إسكندرون يشهد تفاعلات بين السكان المحليين من العرب والفرنسيين الذين كانوا يسعون لتعزيز مصالحهم السياسية والاقتصادية. خلال هذه الفترة، كان لواء إسكندرون موضع اهتمام خاص من قبل مختلف القوى السورية، وكان يعتبر مركزاً حساساً بسبب موقعه الجغرافي على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقربه من الحدود التركية.

التطورات السياسية بعد الاستقلال السوري

بعد استقلال سوريا في عام 1946، أصبح لواء إسكندرون جزءاً من الدولة السورية، ولكن سرعان ما بدأت تظهر الخلافات الإقليمية بين سوريا وتركيا حول السيادة على هذه المنطقة. وكانت تركيا قد بدأت في تعزيز نفوذها في المنطقة منذ العهد العثماني، كما أن معظم سكان إسكندرون من الطائفة العلوية، وهي الطائفة التي تحتفظ بعلاقات تاريخية مع تركيا. هذا، بالإضافة إلى أن المنطقة كانت تمتلك أهمية استراتيجية بسبب موقعها على البحر الأبيض المتوسط وقربها من الحدود التركية.

اتفاقية أنقرة 1939 وضم لواء إسكندرون إلى تركيا

في عام 1939، في وقت كانت فيه سوريا تحت الانتداب الفرنسي، كانت تركيا قد بدأت مفاوضات مع فرنسا بشأن وضع لواء إسكندرون. وقد أسفرت هذه المفاوضات عن توقيع اتفاقية بين تركيا وفرنسا تقضي بضم لواء إسكندرون إلى تركيا، وهو ما تم في عام 1939، وهو الأمر الذي أثار غضب سوريا، حيث اعتبرت ذلك انتهاكاً لسيادتها على الأرض.

تسببت هذه الاتفاقية في توتر العلاقات بين سوريا وتركيا بشكل كبير، واعتبرت دمشق أن هذه الخطوة كانت غير شرعية. كما أن الضم التركي للواء إسكندرون تم بدون استفتاء شعبي في المنطقة، وهو ما شكل أحد أوجه النزاع الرئيسي في تلك الفترة.

الوضع الحالي للواء إسكندرون

اليوم، يعتبر لواء إسكندرون جزءاً من الأراضي التركية تحت اسم “هتاي” (Hatay)، وهو ما يزال يشكل نقطة توتر بين تركيا وسوريا. وعلى الرغم من ذلك، فإن المنطقة تُظهر تكاملًا بين مختلف الأعراق والطوائف التي تسكنها، بما في ذلك الأتراك، العرب، والأكراد، فضلاً عن الطائفة العلوية التي تشكل غالبية السكان.

من الناحية السياسية، تستمر دمشق في المطالبة بعودة لواء إسكندرون إلى سوريا، حيث تعتبره جزءاً من الأراضي السورية المحتلة. وتعتبر تركيا بدورها أن لواء إسكندرون هو جزء لا يتجزأ من أراضيها، ويشكل جزءاً من تاريخها الثقافي والسياسي.

الأهمية الاستراتيجية للواء إسكندرون

تتمثل الأهمية الاستراتيجية للواء إسكندرون في موقعه الجغرافي المميز على البحر الأبيض المتوسط، فهو يشكل نقطة اتصال حيوية بين تركيا والدول العربية، ويُعد نقطة بحرية هامة في المنطقة. كما أن وجوده بالقرب من الحدود السورية التركية يجعله ذا أهمية كبيرة في سياق النزاعات الحدودية بين البلدين.

إضافة إلى ذلك، تُعتبر المنطقة غنية بالموارد الطبيعية، بما في ذلك الأراضي الزراعية الخصبة والموقع الذي يمكن أن يكون له دور مهم في العلاقات التجارية بين تركيا ودول أخرى في المنطقة. كما أن المنطقة تمثل مكانًا مهمًا من الناحية العسكرية بالنسبة لتركيا، حيث تحتوي على العديد من المنشآت العسكرية والمرافق التي تخدم في الدفاع عن الحدود.

الاستنتاج

يعتبر لواء إسكندرون مثالاً حياً على التحديات السياسية والجغرافية التي شكلت تاريخ المنطقة، ويستمر وضعه كأرض نزاع بين سوريا وتركيا في ظل التطورات السياسية الإقليمية. ورغم مرور عقود على ضمه من قبل تركيا، إلا أن هذه المنطقة تظل حيوية بالنسبة للعديد من الأطراف السياسية، بما في ذلك تركيا وسوريا على حد سواء.