أربعة أشياء لا تجعل الرجل يعتذر للمرأة

في العلاقات العاطفية، يظل الاعتذار نقطة توازن أساسية بين الطرفين، وهو سلوك يدل على النضج وتحمل المسؤولية. إلا أن الكثير من النساء قد يلاحظن صمتًا طويلًا أو حتى تجاهلًا من قبل الرجل عندما يُنتظر منه الاعتذار. لا يعود هذا السلوك بالضرورة إلى قسوة أو برود عاطفي، بل يرتبط بعدة دوافع نفسية واجتماعية وثقافية تشكل وعي الرجل منذ طفولته وترافقه طوال حياته. في هذا المقال المطول، نستعرض أربعة أسباب رئيسية تمنع الكثير من الرجال من الاعتذار للمرأة، ونفكك العوامل العميقة التي تجعل الاعتذار عند بعضهم يبدو وكأنه تهديد لكينونتهم أو تراجع عن سيطرتهم الرمزية.

أولًا: التنشئة الذكورية القائمة على إنكار الضعف

منذ الصغر، يُربى الذكور في مجتمعات كثيرة على أن الرجولة تعني القوة، والسلطة، وعدم التراجع، بل وحتى كبت المشاعر. يُطلب منهم أن يكونوا “رجالًا” قبل أن يكتمل نضجهم العاطفي، وتُربط هذه الرجولة بعدم البكاء، وعدم الاعتذار، وعدم إظهار الندم. ويصبح الاعتذار في هذا السياق سلوكًا مرتبطًا بالضعف أو التبعية، وليس بالنضج والمسؤولية.

تؤكد الدراسات النفسية أن الأطفال الذكور الذين ينشأون في بيئات تُقمع فيها عواطفهم، يكبرون وهم يعانون من صعوبة في التعبير عن مشاعرهم، ويجدون صعوبة في التعامل مع المواقف التي تتطلب الاعتراف بالخطأ. ويتحول الاعتذار، في وعيهم الداخلي، إلى تنازل عن كرامتهم الشخصية أو تهديد لصورتهم الذاتية أمام الآخرين، وخصوصًا أمام المرأة التي يُتوقع منهم أن يكونوا الحماة والموجهين لها.

ثانيًا: الخوف من فقدان السيطرة داخل العلاقة

العديد من الرجال يعتبرون الاعتذار كأنه خطوة تعطي الطرف الآخر تفوقًا أو سلطة داخل العلاقة. هناك خوف عميق من أن الاعتراف بالخطأ سيجعل المرأة تُمسك بزمام الأمور، فتستخدم هذا الاعتراف لاحقًا كورقة ضغط في أي خلاف مستقبلي.

في العلاقات التي تفتقر إلى التوازن النفسي والنضج المشترك، يمكن أن يشعر الرجل أن اعتذاره لن يُقابل بالتسامح، بل باللوم أو التذكير المستمر. ومن هذا المنطلق، يفضل بعض الرجال عدم الاعتذار مطلقًا، على الأقل لحماية سلطتهم الرمزية في العلاقة. هنا لا يكون الامتناع عن الاعتذار ناتجًا عن تجاهل مشاعر المرأة، بل هو أسلوب دفاعي يمنعهم من الشعور بأنهم قد فقدوا السيطرة على الموقف.

الرجال الذين يتبعون هذا المنهج يرون أن التراجع عن الخطأ أو الاعتراف به يؤدي إلى انكسار في الهيكل الهرمي للعلاقة، حيث يصبحون “أدنى” من المرأة، ولو بشكل رمزي. ويُفضلون، بالتالي، تبرير أفعالهم أو حتى التهرب من المواجهة بدلًا من الاعتذار المباشر.

ثالثًا: الغرور الممزوج بالأنانية العاطفية

الغرور عند بعض الرجال لا يقتصر على مظاهره السطحية مثل التفاخر أو التكبر، بل يتغلغل إلى عمق السلوكيات العاطفية، حيث يجد الرجل صعوبة في تخيل نفسه “مخطئًا” من الأساس. يدفعه هذا الغرور إلى تبني قناعات دفاعية مثل أن المرأة “حساسة أكثر من اللازم”، أو أنها “لا تفهم وجهة نظره”، وبالتالي يرى أنه غير ملزم بتقديم اعتذار.

الأنانية العاطفية تساهم بدورها في جعل الرجل غير واعٍ بأثر أفعاله على الطرف الآخر. فهو يركز على مشاعره الخاصة واحتياجاته العاطفية، ويقلل من شأن جراح أو إحباطات المرأة. وإن شعر بذنبه داخليًا، فإنه لا يملك القدرة النفسية الكافية لتجاوز أنانيته والاعتراف بأن سلوكه كان مؤذيًا. وبذلك، يبقى الاعتذار خارج دائرة السلوكيات التي يفكر بها أو يتقنها، بل ويعتبرها تهديدًا لصورة “الرجل الكامل” التي يعتنقها في ذهنه.

رابعًا: الضغط الاجتماعي والصور النمطية عن الرجولة

المجتمع العربي، شأنه شأن العديد من المجتمعات الأخرى، يكرّس صورة نمطية للرجولة تجعل الرجل يتجنب الظهور بمظهر المتراجع أو الخاضع. في كثير من الأحيان، يُنظر إلى الرجل المعتذر وكأنه غير قادر على فرض نفسه أو حماية مكانته داخل العلاقة. ويتحول الاعتذار إلى عار غير معلن، قد يُفسر بأنه “ضعف شخصية” أو “خضوع لسلطة الأنثى”.

هذا الضغط الاجتماعي يتضاعف في البيئات التقليدية التي لا تُشجع الرجال على الدخول في حوارات وجدانية أو الإفصاح عن مشاعر الندم. وحتى عندما يشعر الرجل بأنه ارتكب خطأ واضحًا، فإنه يخاف من نظرة الآخرين له إن اعتذر، خصوصًا إن كانت العلاقة الزوجية أو العاطفية موضع متابعة من قبل الأسرة أو المحيط الاجتماعي.

من ناحية أخرى، فإن الصور السينمائية والإعلامية التي تُعزز نموذج “الرجل القوي الذي لا يعتذر” تكرس هذه السلوكيات بشكل غير مباشر. وغالبًا ما يتم تمجيد الشخصيات الذكورية التي تفرض كلمتها وتنتصر في كل نقاش دون رجعة أو تراجع، مما يجعل الكثير من الرجال يرون في الاعتذار تهديدًا لرجولتهم بدلاً من أن يرونه فضيلة إنسانية.

خلاصة تحليلية لسلوك الامتناع عن الاعتذار

يمثل رفض الرجل للاعتذار للمرأة منظومة معقدة من العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية المتداخلة. لا يمكن تفسير هذا السلوك بشكل سطحي أو اختزاله في الكِبر أو اللامبالاة فقط. بل إن جذوره تضرب عميقًا في بناء الهوية الذكورية داخل المجتمعات، وتُظهر كيف أن مفاهيم الرجولة التقليدية تخلق حواجز نفسية تمنع التلاقي العاطفي السليم بين الجنسين.

الاعتذار لا ينتقص من مكانة الرجل، بل على العكس، هو تعبير عن قوة داخلية وثقة بالنفس، ورغبة صادقة في ترميم العلاقة وتحقيق التوازن العاطفي. لكن الاعتراف بذلك يتطلب تجاوز تراكمات ثقافية ومجتمعية تحتاج إلى وعي وإعادة بناء مستمرة لمفهوم الرجولة والسلطة العاطفية.

جدول – مقارنة بين دوافع الرجل والمرأة في تقديم الاعتذار

المراجع:

1. Tannen, D. (1990). You Just Don’t Understand: Women and Men in Conversation. William Morrow and Company.

2. Real, T. (1997). I Don’t Want to Talk About It: Overcoming the Secret Legacy of Male Depression. Scribner.