عندما يفكر الإنسان في الدغدغة، يتصور غالبًا أن أحدهم يقوم بفعل ذلك له، مما يثير ضحكه استجابة لذلك التحفيز الجسدي. ومع ذلك، تظل هناك حالة غريبة في هذا السياق تتعلق بحقيقة أن الإنسان لا يستطيع أن يضحك عندما يدغدغ نفسه. قد يبدو هذا أمرًا غريبًا للوهلة الأولى، لكنه يرتبط بعدد من الظواهر العصبية والفيزيولوجية المعقدة التي تجسد تفاعل الدماغ والجسم في سياقات مختلفة. سنستعرض في هذا المقال الأسباب العلمية التي تفسر هذه الظاهرة من خلال عدة جوانب: العصبية، البيولوجية، النفسية، والاجتماعية.
الدغدغة والاستجابة الطبيعية
الدغدغة هي استجابة غير إرادية تحدث عندما يُحفز جلد الشخص بطريقة معينة، عادة في مناطق حساسة مثل البطن أو القدمين أو تحت الإبطين. غالبًا ما تتسبب الدغدغة في شعور بالنشوة أو التوتر القصير المدة، ما يؤدي إلى رد فعل من الضحك. وعلى الرغم من أن الإنسان يستمتع بالدغدغة من شخص آخر، إلا أنه لا يستطيع أن يضحك عندما يحاول أن يدغدغ نفسه. يعود السبب في ذلك إلى مجموعة من العوامل العصبية التي تتداخل مع استجابة الدماغ لهذا التحفيز.
الدور العصبي: الدماغ والمناطق الحسية
عندما يقوم شخص آخر بدغدغة شخص آخر، فإن الدماغ يستجيب لها من خلال تنشيط مناطق محددة في الدماغ مسؤولة عن معالجة الأحاسيس الحسية، بالإضافة إلى تلك المتعلقة بالضحك والعاطفة. هذا التفاعل بين الشعور والإحساس يجعل الضحك استجابة طبيعية لدغدغة الآخرين. ومع ذلك، عندما يحاول الشخص أن يدغدغ نفسه، فإن الدماغ يتفاعل بشكل مختلف.
السبب في ذلك يعود إلى النشاط العصبي المتعلق بإدراك الذات. عندما تحاول الدغدغة نفسك، فإن الدماغ يعرف مسبقًا أن التحفيز قادم من جسمك الخاص. هذا يقلل من شدة الاستجابة الحسية مقارنة إذا كان التحفيز يأتي من شخص آخر. في الواقع، يُعتقد أن الدماغ يميز بين التحفيز الذي ينشأ داخليًا (من الجسم نفسه) والتحفيز الخارجي (من شخص آخر). حيث يُعتبر التحفيز الداخلي أكثر “توقعًا” من حيث مكان وزمان حدوثه، مما يقلل من تأثيره المفاجئ ويمنع الاستجابة الضاحكة.
نظام الحساسات العصبية
الجهاز العصبي المركزي يتكون من شبكة من الخلايا العصبية التي تستجيب للمؤثرات الخارجية من خلال إشارات كهربائية. عندما يتم تحفيز الجسم، مثلما يحدث عند الدغدغة، ترسل الأعصاب إشارات إلى الدماغ. وعندما يحدث هذا من شخص آخر، تكون الإشارات المفاجئة والتغيرات في المدخلات الحسية أكثر قوة، مما يعزز من الاستجابة النفسية مثل الضحك.
أما عندما يحدث التحفيز من الشخص نفسه، فإن الدماغ يتوقع ذلك ويعمل على تقليل هذه الإشارات الحسية. بمعنى آخر، الجسم يعتاد على المؤثرات الذاتية وبالتالي لا يشعر بنفس القدر من الإثارة أو المفاجأة كما يحدث في حالة الدغدغة من الآخرين. هذا التوقع والتحضير المسبق يؤدي إلى تقليل شدة الاستجابة الحسية وبالتالي يقلل من فرص الضحك.
الدور النفسي والإدراكي
البحث في علم النفس العصبي يكشف أن الدغدغة ليست مجرد استجابة حركية، بل هي استجابة مرتبطة بالعواطف والمشاعر. الضحك الناتج عن الدغدغة يتداخل مع أنماط الإدراك الحسي التي تتضمن التوقعات. فعندما يتعرض الشخص للتحفيز من شخص آخر، يتسم الأمر بعنصر المفاجأة، وهذا يخلق نوعًا من الإثارة النفسية تؤدي إلى الاستجابة الضاحكة. بينما في حالة محاولتك أن تدغدغ نفسك، فإن عنصر المفاجأة يكون مفقودًا.
في الواقع، يقوم الدماغ بتفسير الفعل الذي يقدمه الشخص لنفسه باعتباره “أمرًا متوقعًا”، ولا يثير هذا التوقع نفس الاستجابة العاطفية التي تحدث عندما يكون الفعل غير متوقع. تشير الدراسات إلى أن الناس يضحكون أكثر عندما تكون الدغدغة غير متوقعة، حيث أن التفاعل المفاجئ يعزز من الأثر النفسي الذي يتسبب في الضحك. لذلك، عندما يحاول الشخص أن يدغدغ نفسه، يغيب عن التفاعل عنصر “المفاجأة” أو “المجهول”، مما يحد من الضحك.
العوامل الاجتماعية والدوافع الاجتماعية
لا تقتصر الدغدغة على كونها مجرد استجابة فسيولوجية أو عصبية، بل تتأثر أيضًا بالعوامل الاجتماعية. يعتقد بعض العلماء أن الضحك نتيجة للدغدغة قد يكون وسيلة للتواصل الاجتماعي أو لبناء الروابط الاجتماعية. عندما يدغدغ شخص آخر فردًا آخر، فإنها قد تكون طريقة للتعبير عن المودة أو تعزيز الروابط بين الأفراد.
الضحك الناتج عن الدغدغة يكون مصحوبًا أحيانًا بشعور من الفرح الجماعي، حيث أن العوامل الاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في هذه الاستجابة. في هذا السياق، يُعتقد أن الدغدغة جزء من تفاعلات اجتماعية تُعزز من الروابط بين الأشخاص. وعليه، فإننا لا نضحك عندما ندغدغ أنفسنا لأننا نفتقر إلى هذا العنصر الاجتماعي، ولا نشعر بنفس الاتصال الذي يحدث عندما يكون الآخرون جزءًا من التجربة.
الدغدغة والوظائف العصبية الأخرى
من المهم أيضًا أن نأخذ في الاعتبار الوظائف العصبية الأخرى المرتبطة بالدغدغة. يعرف الدماغ البشري مجموعة من الاستجابات الذاتية التي تحدث عندما يتحرك الجسم أو يتفاعل مع محفزات معينة، مثل التفاعلات البصرية أو اللمسية. لكن في حالة الدغدغة الذاتية، تكون هناك مناطق دماغية معينة قد تكون أقل نشاطًا، مما يقلل من الإثارة ويمنع الضحك.
تشير بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عصبية أو نفسية قد يعانون من استجابة غير طبيعية تجاه الدغدغة، سواء كانت الذاتية أو الخارجية. هذه العوامل تلعب دورًا في تفسير كيف يمكن أن تختلف استجابة الضحك من شخص لآخر.
الخلاصة
بناءً على الأبحاث العصبية والنفسية، يمكننا أن نستنتج أن عدم قدرة الإنسان على الضحك عندما يدغدغ نفسه يعود إلى تفاعل معقد بين الدماغ والجهاز العصبي، حيث أن الدماغ يتوقع التحفيز من الجسم ويقلل من استجابته العاطفية. كما أن غياب العنصر المفاجئ والعنصر الاجتماعي الذي يأتي مع الدغدغة من شخص آخر يساهم في غياب الضحك عند محاولة الشخص أن يدغدغ نفسه. هذا التفاعل المعقد بين التوقعات العصبية والعوامل الاجتماعية يوضح لماذا يستجيب البشر بشكل مختلف عندما يتعلق الأمر بالدغدغة الذاتية مقارنة بالدغدغة من الآخرين.
