لماذا سمي يوم التروية؟

سبب تسمية يوم التروية

يُعتبر يوم التروية من الأيام المهمة في مناسك الحج، ويأتي في الثامن من شهر ذي الحجة، وهو اليوم الذي يبدأ فيه الحجاج استعداداتهم للوقوف بعرفة، الركن الأعظم من أركان الحج. تعود تسمية هذا اليوم بيوم التروية إلى سبب تاريخي وشرعي يتعلق بكيفية تحضير الحجاج أنفسهم لمواجهة مشقة الطواف والوقوف في الصحراء، حيث كانت المياه والزاد من أهم عناصر البقاء والاستعداد الروحي والبدني.

المعنى اللغوي لكلمة “التروية”

كلمة “التروية” في اللغة العربية تأتي من الفعل “روى”، وهو يعني شرب الماء أو إشباع العطش، وأيضًا قد تعني إعداد الشيء وتجهيزه. وعليه، فالتروية تعني هنا تحضير النفس وتجهيز الزاد والماء. وعندما نقول “تروّى” بمعنى أنه شرب وشبع، فإن المقصود في سياق يوم التروية هو أن الحجاج يروون ظمأهم ويجهزون أنفسهم بالماء والزاد ليستطيعوا إتمام مناسك الحج دون معاناة من العطش أو الجوع في اليوم التالي، يوم عرفة.

أصل تسمية يوم التروية

يرجع أصل تسمية يوم التروية إلى العرف الذي كان متبعًا في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما رواه المؤرخون والفقهاء. فقد كان الحجاج في العصور القديمة يُعتبرون بحاجة إلى التأهب المسبق قبل الوقوف بعرفة، الذي هو ركن الحج الأكبر. ولهذا، في اليوم الثامن من ذي الحجة، كانوا يحرصون على ملء جرارهم من الماء والزاد، وذلك لأنهم سيقضون يوم التاسع في صحراء عرفة التي تفتقر للماء والظل.

كانت هذه العادة تقتضي أن يشرب الحجاج ويملأوا أنفسهم بماء كافٍ للرحلة وللوقوف بعرفة، لذا أُطلق عليه اسم “يوم التروية” دلالة على هذه الاستعدادات، فهو يوم تجهيز النفس والبدن للطاعة العظيمة التي تتمثل في الوقوف بعرفة.

أهمية يوم التروية في الحج

يمثل يوم التروية البداية الحقيقية لمناسك الحج العملية، وهو يوم يتسم بالتحضير الجسدي والروحي، إذ يجتمع فيه الحجاج في منى لقضاء ليلة استعدادًا ليوم عرفة. يعتبر هذا اليوم محطة انتقالية يتوقف فيها الحجاج عن روتينهم المعتاد ويشرعون في الدخول في جو العبادة والتقرب إلى الله، معتمدين على ما جهزوه من ماء وزاد.

هذا اليوم يحظى بأهمية خاصة لأنه يعكس جانبًا من الحكمة الإلهية في تنظيم مناسك الحج، حيث جعل الله لحجاجه فرصة للاستعداد والتهيئة قبل الوقوف في المشهد الأعظم للحج، وهو عرفة. وقد ورد ذكر يوم التروية في الأحاديث النبوية والسنن، التي حثت على التأهب وعدم التهاون في الاستعداد له.

مظاهر يوم التروية

في يوم التروية، يبدأ الحجاج بالتوجه من مكة إلى منى، وهي منطقة تبعد حوالي خمسة كيلومترات شرقي المسجد الحرام. في منى يقيم الحجاج هناك استعدادًا للوقوف بعرفة في اليوم التالي. ويتميز هذا اليوم بالعديد من الأعمال التي تشمل التلبية وقراءة الأدعية، بالإضافة إلى رمي الجمرات الثلاث الصغيرة في منى إن كان الحاج قد بدأ أداء رمي الجمرات مبكرًا.

يحرص الحجاج على توفير المياه في جرارهم أو قواريرهم، ويأخذون معهم الطعام الخفيف الذي يساعدهم على تحمل مشقة الأيام القادمة. كما يتميز هذا اليوم بالخشوع والتأمل، حيث يكون الحاج في حالة ترك الدنيا قليلاً والتركيز على مناسك الحج وما تعنيه من تجديد للإيمان وتقوية للعلاقة بالله.

الجدول التالي يوضح الفرق بين يوم التروية وأيام الحج الأخرى:

الجانب الروحي من يوم التروية

يمثل يوم التروية فرصة لتصفية النفس من شوائب الدنيا والاستعداد لتجربة روحية عميقة في عرفة. فالتركيز في هذا اليوم ليس فقط على التحضير المادي، بل يمتد إلى التأمل في معاني الحج وأهميته كركن من أركان الإسلام. إذ يكون الحاج في حالة تقرب من الله، يعيد فيه ترتيب أولوياته ويستعد لمغفرة ذنوبه وحسنات أعماله.

وقد وصف العلماء هذا اليوم بأنه “يوم التهيئة الروحية”، حيث ينفصل الحاج عن مشاغل الحياة الدنيا ويبدأ مرحلة جديدة من الانخراط في العبادات، مما يعزز لديه الإيمان والطمأنينة.

التطور التاريخي ليوم التروية

على مر العصور، ظل يوم التروية كما هو، يحمل معناه الأساسي في تحضير الحجاج. ولكن مع تطور وسائل السفر والإعداد، تغيرت وسائل التحضير من حمل الماء في الجرار إلى وسائل نقل حديثة تشمل الشاحنات والمركبات التي تنقل الماء والزاد، مما سهل على الحجاج هذه المرحلة، لكن المعنى ظل ثابتًا.

كما أصبح يوم التروية يشمل بعض الطقوس المعاصرة التي تحافظ على الجانب الروحي من الحج، مثل تنظيم المحاضرات الدينية والذكر الجماعي، مما يعزز من استشعار الحجاج لأهمية هذا اليوم وتجديدهم لعهدهم مع الله.

خلاصة

إن تسمية يوم التروية لم تأتِ من فراغ، بل هي تسمية محورية تحمل في طياتها حكمة عظيمة ترتبط بتحضير الحجاج نفسيًا وجسديًا للركن الأعظم في الحج، وهو يوم عرفة. فالتروية ليست مجرد شرب ماء، بل هي استعداد شامل بكل ما يتطلبه أداء هذه الفريضة الكبرى التي تتطلب القوة البدنية والصفاء النفسي. ويوم التروية يبقى علامة بارزة في رحلة الحج، يحمل بين طياته معنى التهيئة والتجهيز، التي تُرشد الحاج نحو أداء حج كامل متكامل.

المراجع

• الفقه الإسلامي وأحكام الحج، د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، 2008.

• مناسك الحج والعمرة، د. عبد الله بن محمد المصلح، مكتبة الرشد، 2015.