كيف مات شكسبير؟
ولدت العديد من الأساطير حول وفاة وليام شكسبير، الكاتب الإنجليزي الشهير، الذي يُعتبر واحداً من أعظم الأدباء في التاريخ. كانت حياته مليئة بالنجاحات والإبداع، وكذلك كانت وفاته محاطة بالكثير من الغموض والتكهنات. وبينما عُرف عن شكسبير تاريخه الأدبي الرائع من خلال أعماله التي تشكل حجر الزاوية للأدب الإنجليزي والعالمي، فإن تفاصيل وفاته لم تُكتشف إلا بعد مرور عدة قرون من الزمن، مما أضاف مزيداً من الإثارة والتساؤلات حول حياته وعلاقته بالعالم الأدبي والسياسي في عصره.
ولكي نفهم كيف مات شكسبير، يجب أن نعيد النظر في بعض المعلومات المتوفرة عن حياته في أواخر سنواته في مدينة ستراتفورد أبون آفون، التي كانت مسقط رأسه، وكيف يمكن أن تفسر هذه التفاصيل ظروف وفاته.
1. الحياة الأخيرة لشكسبير:
في السنوات الأخيرة من حياته، كان شكسبير قد تراجع عن المسرح، ويقال إنه عاد إلى ستراتفورد في أواخر 1613، بعد فترة من النشاط المكثف في لندن، حيث كان يكتب ويعرض مسرحياته ويشارك في أعمال مسرحية كأحد الممثلين والكتاب. وتوفي في 23 أبريل 1616، وهو نفس اليوم الذي يُعتقد أنه وُلِد فيه، ما يضيف بعداً رمزيّاً إلى قصته.
خلال السنوات الأخيرة من حياته، ترك شكسبير بصمته في العديد من الأعمال الأدبية والمسرحية الشهيرة، لكنَّ حالته الصحية كانت قد بدأت في التدهور. لا يوجد دليل قاطع على ما إذا كانت صحته قد تدهورت فجأة أو على مدى فترة طويلة، لكن من خلال الروايات المختلفة، يعتقد المؤرخون أن شكسبير كان يعاني من حالة صحية متدهورة.
2. الأسطورة الشهيرة حول وفاته:
تتداول الكثير من القصص حول وفاة شكسبير، وأكثرها شهرة هي تلك التي تقول إن وفاته كانت نتيجة لمرض ناتج عن سُكر مفرط. إذ يُقال إنه مرض إثر تناول طعام مفرط في ليلة واحدة. تُستند هذه الأسطورة إلى حدث نادر في الأدب الإنجليزي القديم، حيث تُشير بعض المصادر إلى أن شكسبير وقع ضحية لحمية غير صحية من المشروبات الكحولية خلال حفلة أو اجتماع اجتماعي، وأصيب بعدها بحمى شديدة أدت إلى وفاته.
لكن الحقيقة هي أن هذه القصة غير مثبتة، ولا تُعتبر أكثر من مجرد إشاعة. من غير الممكن الجزم بما إذا كانت هذه الحكاية قد كانت صحيحة، إذ أنه في الواقع لا توجد وثائق دقيقة تشير إلى سبب وفاته أو تفاصيل حالته الصحية في الأيام الأخيرة.
3. التفسير الأكثر قبولاً لوفاته:
في المقابل، يعتقد بعض المؤرخين أن وفاة شكسبير كانت نتيجة لمجموعة من الأمراض الشائعة في تلك الفترة. كان نظام الصحة في القرن السابع عشر في إنجلترا أقل تطوراً بكثير مقارنة بما هو عليه الحال اليوم، وكان هناك العديد من الأمراض المعدية التي تسببت في وفيات مفاجئة للكثيرين.
من بين الأسباب المحتملة التي تتناسب مع فترة حياة شكسبير، يمكن أن يكون التهاب الرئة أو الحمى من بين الأسباب التي تسببت في وفاته. من المعروف أن الأمراض التنفسية كانت شائعة في ذلك العصر، وكان كثير من الناس يموتون بسببها، خصوصاً في بيئة لندن الملوثة والتي كانت تفتقر إلى الرعاية الصحية المتطورة.
إضافة إلى ذلك، يُعتقد أن شكسبير كان قد أصبح ضعيفاً بسبب التقدم في العمر. تشير بعض السجلات إلى أنه كان في سن الـ52 عند وفاته، وهو العمر الذي يمكن أن يشهد بداية تدهور الصحة في ذلك الوقت. إذا أخذنا في الاعتبار أن شكسبير قد عاش فترة طويلة نسبياً بالنسبة للمعايير الصحية في القرن السابع عشر، فقد تكون هذه الوفاة مرتبطة بعوامل عمرية طبيعية أكثر من كونها ناتجة عن مرض مفاجئ أو حادث.
4. التحقيقات والملاحظات حول وصيته:
من بين الأدلة المتاحة حول وفاة شكسبير، هناك وصيته التي كتبت في العام 1616، أي قبل وفاته مباشرة. في هذه الوصية، لا توجد إشارات واضحة إلى مرضه أو حالته الصحية، لكن بعض المؤرخين يعتقدون أن تخصيصه لثروته بطريقة غريبة – مثل ترك معظم ممتلكاته لزوجته آن هاثاوي – قد يشير إلى أنه كان في حالة صحية متدهورة بالفعل. كما يُحتمل أن وفاة شكسبير قد حدثت بسرعة دون أن يكون هناك وقت كافٍ لتنظيم أموره الشخصية بشكل كامل.
هذه الوصية، على الرغم من أنها لا تقدم أدلة قاطعة عن سبب وفاته، قد تكون واحدة من الأدلة التي تبين أنه كان يواجه مشكلات صحية مستمرة في أواخر سنواته.
5. دور الثقافة الشعبية في تكوين الأساطير:
كما هو الحال مع العديد من الشخصيات التاريخية البارزة، أصبحت وفاة شكسبير محاطة بالكثير من الأساطير والتفسيرات الشعبية. فبينما يعزو بعض المؤرخين وفاته إلى الأسباب الطبية البسيطة، يروج آخرون لقصص غريبة عن ظروف وفاته. تساهم هذه الأساطير في تشكيل صورة غامضة للمبدع الكبير، الأمر الذي يدفع القراء والمهتمين بالشعر الإنجليزي إلى مواصلة البحث عن تفاصيل غير معروفة حول وفاته.
6. ختامًا:
على الرغم من أن تفاصيل وفاته تبقى غامضة، فإن إرث وليام شكسبير الأدبي ما زال يعيش في عصرنا الحالي. من خلال أعماله التي لا تزال تُدرَس وتُعرض في جميع أنحاء العالم، يظل شكسبير رمزًا للعبقرية الأدبية والتفكير العميق في قضايا الإنسان والمجتمع. فحتى إذا كانت الظروف الدقيقة لوفاته غير معروفة بشكل دقيق، فإن تأثيره لا يزال قائمًا في الأدب والمسرح والثقافة الشعبية.
إن وفاة شكسبير، مثل حياته، تظل مسألة تثير الفضول وتفتح المجال للعديد من التكهنات، ولكن الشيء المؤكد هو أن مكانته كأعظم كتاب مسرحيين في التاريخ تظل ثابتة.
