كيفية مساعدة شخص يعاني من إيذاء النفس

كيف تساعد شخصاً لديه ميل إلى إيذاء النفس؟

إن التعامل مع شخص يعاني من ميول لإيذاء نفسه يعد من أكثر التحديات النفسية التي يمكن أن يواجهها الفرد، سواء كان هذا الشخص قريباً أو صديقاً أو أحد أفراد الأسرة. يعكس هذا الميل عادة حالة من الألم الداخلي الشديد أو المعاناة النفسية التي لا يستطيع الشخص التعامل معها بشكل صحي. هذا النوع من السلوك يعبر عن رسالة غير لفظية مؤلمة حول المعاناة النفسية التي يعاني منها الشخص. ومن هنا، تصبح مسؤولية المحيطين به أساسية في مساعدته على التغلب على هذه المشاعر السلبية والتوجه نحو طرق علاجية وصحية أكثر فاعلية.

فهم الأسباب وراء الميل إلى إيذاء النفس

قبل أن نتمكن من تقديم المساعدة الفعالة لشخص يعاني من ميول إلى إيذاء النفس، يجب علينا أولاً أن نفهم الأسباب التي قد تدفعه للقيام بذلك. يعود الميل إلى إيذاء النفس في الغالب إلى مجموعة من العوامل النفسية والعاطفية والاجتماعية المعقدة. فقد يكون الشخص قد مر بتجارب مؤلمة في حياته، مثل:

• الصدمة النفسية: كحالات الاعتداء الجسدي أو الجنسي، أو فقدان شخص عزيز، أو تجربة الخيانة.

• الاكتئاب والقلق: قد يؤدي الشعور بالوحدة، وفقدان الأمل، والضغوط النفسية الكبيرة إلى التفكير في إيذاء النفس كطريقة للتخفيف من الألم الداخلي.

• الصعوبات العاطفية: مثل صعوبة التعبير عن المشاعر أو التعامل مع الفشل أو عدم تقبل الذات.

• الضغوط الاجتماعية: بما في ذلك التنمر، والعزلة الاجتماعية، أو عدم وجود دعم اجتماعي كافٍ.

من المهم أن ندرك أن الشخص الذي يعاني من هذه الميول لا يفعل ذلك بغرض الحصول على انتباه الآخرين أو الاستمتاع بالألم، بل هو عادةً وسيلة للتعامل مع الشعور العميق بالعجز أو الفقدان.

خطوات عملية لمساعدة شخص يعاني من ميول إيذاء النفس

1. الاستماع الفعّال والدعم العاطفي

أول خطوة في مساعدة شخص يميل إلى إيذاء نفسه هي الاستماع إليه بدون أحكام أو انتقادات. الشخص الذي يعاني من هذه الميول غالبًا ما يشعر بالعزلة أو الخوف من التحدث عن معاناته. لذلك، من الضروري أن تكون هناك مساحة آمنة يتحدث فيها الشخص بحرية عن مشاعره وأفكاره. يجب أن يشعر الشخص أنه مسموع وأنه ليس وحيدًا في هذه الأزمة. يمكن أن يكون الاستماع ببساطة هو أكثر ما يحتاجه الشخص في هذه اللحظات، وهو لا يتطلب منك تقديم حلول فورًا، بل فقط التواجد والدعم النفسي.

2. تجنب العبارات التي قد تؤدي إلى التفاقم

قد يكون لدى الأشخاص الذين يعانون من هذه الميول مشاعر شديدة من العجز والذنب، وقد تؤدي بعض العبارات إلى تفاقم حالتهم النفسية. على سبيل المثال، تجنب قول عبارات مثل “كيف يمكن أن تفكر في إيذاء نفسك؟” أو “أنت لا تحتاج إلى ذلك!”، حيث قد يشعر الشخص أن محاولته في التعبير عن آلامه غير مفهومة أو غير مقبولة. بدلاً من ذلك، يجب أن تُظهر التفهم والرحمة. يمكنك قول شيء مثل “أفهم أنك تشعر بالألم الآن، وأنا هنا لأساعدك” لتعكس دعمك الكامل.

3. تشجيع الشخص على البحث عن مساعدة مهنية

إن التعامل مع ميول إيذاء النفس يتطلب غالباً تدخل مختص في الصحة النفسية. الطبيب النفسي أو المستشار يمكن أن يساعد الشخص على فهم مشاعره وتعلم استراتيجيات أفضل للتعامل مع الألم الداخلي. العلاج النفسي، مثل العلاج المعرفي السلوكي، يمكن أن يكون فعالًا للغاية في مساعدة الشخص على التعرف على الأفكار المدمرة وتغييرها. إذا كان الشخص يرفض في البداية فكرة طلب المساعدة المهنية، حاول تقديم الدعم له في اتخاذ هذه الخطوة، مثل تقديم معلومات عن المتخصصين أو مرافقته إلى جلسة أولى إذا كان ذلك مناسبًا.

4. خلق بيئة داعمة وآمنة

بيئة المنزل أو العمل يمكن أن تؤثر بشكل كبير في حالة الشخص النفسية. تأكد من أن الشخص يشعر بالأمان، وأنه ليس محاطًا ببيئة سلبية أو مليئة بالضغوط. عندما يشعر الشخص بأن محيطه يدعمه ويعترف بقيمته، يمكن أن تتحسن حالته النفسية بشكل تدريجي. البيئة المريحة والهادئة يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في تقليل الميل إلى إيذاء النفس.

5. تعليم الشخص تقنيات التخفيف من التوتر

واحدة من الطرق الفعالة التي يمكن أن تساعد الشخص في التغلب على ميوله لإيذاء نفسه هي تعليم تقنيات التخفيف من التوتر والقلق. يمكن أن تشمل هذه التقنيات:

• تمارين التنفس العميق: والتي يمكن أن تساعد الشخص على التركيز وتخفيف التوتر.

• التأمل واليقظة الذهنية (Mindfulness): تساعد هذه الممارسات الشخص على التركيز على اللحظة الحالية والابتعاد عن الأفكار السلبية.

• التمارين البدنية: تعتبر الرياضة وسيلة ممتازة للتعامل مع الضغوط النفسية، إذ تساعد في إفراز الإندورفين الذي يحسن المزاج.

• كتابة المشاعر: قد يساعد التعبير عن المشاعر في دفتر يوميات على التخلص من بعض الضغوط النفسية.

6. تحديد محفزات السلوك

من الضروري العمل مع الشخص على تحديد المحفزات التي تؤدي إلى التفكير في إيذاء النفس. قد تكون هذه المحفزات مواقف معينة، أو مشاعر معينة مثل الحزن أو الغضب أو القلق. من خلال التعرف على هذه المحفزات، يمكن اتخاذ خطوات مسبقة لتجنبها أو تقليل تأثيرها. كما يمكن للشخص أن يتعلم استراتيجيات للتعامل مع هذه المحفزات بشكل أكثر إيجابية.

7. الاهتمام بالصحة الجسدية

الصحة الجسدية تلعب دورًا مهمًا في الصحة النفسية. تشجيع الشخص على تناول طعام صحي ومتوازن، والنوم بشكل كافٍ، وممارسة الرياضة بانتظام يمكن أن يساعد في تحسين المزاج والتخفيف من حدة المشاعر السلبية. الصحة الجسدية الجيدة تساهم في تعزيز شعور الشخص بالقوة والتحكم في حياته.

8. تأكيد الدعم المستمر

من المهم أن يتعرف الشخص على أنه ليس وحده في معركته مع الأفكار المدمرة. قد يحتاج الشخص إلى تأكيد مستمر من أفراد أسرته وأصدقائه بأنه يمكنه التغلب على هذه المحنة، وأنه يمتلك القدرة على الشفاء. الدعم العاطفي المستمر واللطف في التعامل يمكن أن يكون له تأثير عميق في تقليل الميل إلى إيذاء النفس.

9. مراقبة تطور الحالة

من الضروري أن تتابع تطور الحالة النفسية للشخص بشكل مستمر. في حال كانت هناك أي إشارات على تدهور الحالة أو تفاقم السلوكيات المؤذية، يجب التدخل الفوري واللجوء إلى الدعم المهني. التأكد من أن الشخص يحصل على العلاج المناسب والتوجيه يمكن أن ينقذه من التدهور نحو سلوكيات أكثر خطورة.

دور الأسرة والمجتمع في المساعدة

يجب أن يكون هناك دور جماعي من الأسرة والأصدقاء والمجتمع في مساعدة الشخص الذي يعاني من ميول إيذاء النفس. الدعم المجتمعي يمكن أن يكون له تأثير قوي على الشخص، حيث أن التفاعل الاجتماعي الجيد يمكن أن يعزز من تقدير الذات ويخفف من مشاعر العزلة. كما أن التوعية المجتمعية حول قضايا الصحة النفسية تلعب دورًا في إزالة الوصمة المرتبطة بالعلاج النفسي، مما يجعل الشخص يشعر بالأمان في طلب المساعدة.

في الختام

التعامل مع شخص لديه ميل إلى إيذاء النفس يتطلب صبرًا وتعاطفًا وعملًا جماعيًا من أجل مساعدته في تخطي هذه المرحلة الصعبة. الفهم العميق لمشاعره، والاستماع الجيد، وتشجيعه على البحث عن مساعدة مهنية، وخلق بيئة داعمة وآمنة كلها عناصر أساسية في رحلة العلاج.