كيفية طواف الإفاضة في الحج

طواف الإفاضة هو أحد أركان الحج الأساسية التي لا يصح حج المسلم إلا بها، وهو يمثل خطوة محورية في إتمام مناسك الحج، إذ يتم بعد الوقوف بعرفات، ويُعتبر بمثابة تحقق من صحة الحج وتمامه. يندرج طواف الإفاضة ضمن مناسك الحج التي يتوجب على الحاج أداؤها ضمن الزمان والمكان المحددين شرعاً، وله أحكام وشروط خاصة، تؤدي إلى إتمام الحج وصحة فريضته. في هذا المقال الموسع، سيتم تناول شرح مفصل عن كيفية طواف الإفاضة، وأوقاته، وأحكامه، مع بيان الفرق بينه وبين الطواف الآخر، إضافة إلى أهميته الدينية، مع استعراض دقيق لكل ما يتعلق بهذا الركن من أركان الحج.

مفهوم طواف الإفاضة ومكانته في الحج

يُعرف طواف الإفاضة بأنه الطواف الذي يقوم به الحاج بعد وقوفه بعرفات، وهو طواف واجب على كل حاج بعد يوم عرفة، ويُسمى كذلك بطواف الحج. يقع هذا الطواف داخل المسجد الحرام حول الكعبة المشرفة، ويتكون من سبعة أشواط تبدأ من الحجر الأسود وتنتهي به، وهو يعبّر عن التزام الحاج بالسنة المحمدية في أداء ركن الحج.

يُعد طواف الإفاضة من أركان الحج التي تُتوج بها رحلة الحج، حيث من دونه لا يكتمل الحج ولا يُعتبر صحيحًا، ولذلك فإنه يعتبر الركن الأساسي الثاني من أركان الحج بعد الوقوف بعرفات. وقد أشار القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾[البقرة: 196]، إلى وجوب إتمام مناسك الحج والطواف من ضمنها.

التوقيت المناسب لطواف الإفاضة

يبدأ الحاج بالطواف بعد أن يخرج من مِنى بعد يوم عرفة (اليوم التاسع من ذي الحجة)، ويمتد الوقت المخصص لطواف الإفاضة حتى غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهو اليوم الأخير من أيام التشريق. ويمتاز هذا الطواف بكونه لا يجب أن يُؤدى في وقت معين خلال هذه الفترة، وإنما يمكن للحاج أن يؤديه في أي وقت يناسبه ضمن هذه الأيام.

عادةً ما يبدأ الحجاج بطواف الإفاضة بعد الانتهاء من رمي جمرة العقبة الكبرى في منى يوم العيد (اليوم العاشر من ذي الحجة)، ثم يتوجهون إلى مكة لأداء الطواف، وبعده يتم تقصير الشعر أو حلقه ثم الانتقال إلى رمي الجمرات في الأيام التالية.

شروط وأحكام طواف الإفاضة

لا بد من تحقق عدة شروط في طواف الإفاضة ليكون صحيحًا ومقبولًا، وهذه الشروط تشمل:

1. الطهارة: يجب أن يكون الحاج متطهراً من الحدث الأصغر والأكبر، أي أنه لا يجوز له الطواف في حالة الجنابة إلا بعد الغسل.

2. الإحرام: يجب أن يكون الحاج في حالة الإحرام، فقد يكون محرمًا من الميقات للعمرة أو للحج، وفي طواف الإفاضة يكون الحاج قد دخل الإحرام للحج.

3. الاتجاه نحو القبلة: يجب أن يكون الطواف حول الكعبة في المسجد الحرام بحيث يبدأ من الحجر الأسود ويتجه باتجاه اليمين.

4. دخول المسجد الحرام: لابد من دخول الحاج المسجد الحرام للدوران حول الكعبة، فلا يصح الطواف من خارج المسجد.

5. الاستلام: يستحب لمس الحجر الأسود في بداية كل شوط من أشواط الطواف، أو الإشارة إليه باليد إن تعذر ذلك.

6. عدد الأشواط: يشترط في الطواف أن يكون سبعة أشواط كاملة، أي سبعة دورات كاملة حول الكعبة تبدأ وتنتهي عند الحجر الأسود.

7. الاستقبال: يجب استقبال الكعبة أثناء الطواف، بحيث يكون الحاج مواجهًا للقبلة في جميع أشواط الطواف.

8. عدم فعل ما ينهي الإحرام قبل الطواف: كالحلق أو التقصير، فهما يجب أن يتمّا بعد الطواف.

خطوات كيفية أداء طواف الإفاضة

1. النية والقلب متوجه نحو الله

يبدأ الحاج بنية خالصة في قلبه، وهي نية أداء طواف الإفاضة تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى. النية شرط في جميع العبادات، وهي من أسرار القلب، فلا يلزم التلفظ بها لكن الحاج لابد أن يستحضرها في نفسه.

2. الاستعداد بالطهارة والملابس

قبل الدخول إلى المسجد الحرام، يستحب أن يتوضأ الحاج ويتطيب إذا أمكنه ذلك، ويجب أن يكون متطهراً من الحدث، مرتدياً ملابس الإحرام (إزار ورداء للرجال، ولباس محتشم للنساء).

3. الدخول إلى المسجد الحرام من باب يمكن من خلاله الوصول إلى الكعبة

يفضل دخول المسجد الحرام من باب باب الملك عبد العزيز أو أحد الأبواب القريبة من الكعبة، ليتيسر وصوله إلى الحجر الأسود بسهولة.

4. البدء من الحجر الأسود

يبدأ الطواف بالاقتراب من الحجر الأسود، ويميل إلى استلامه أو الإشارة إليه باليد مع قول: “بسم الله، والله أكبر”. لو تعذر اللمس أو الاستلام بسبب الزحام، يكفي الإشارة إليه بيد الحاج وهو متجه نحوه.

5. الدوران باتجاه اليمين

يتجه الحاج إلى اليمين ويبدأ بالدوران حول الكعبة سبع مرات كاملة، ويحافظ على استقبال القبلة طوال الطواف. يُفضل التسريع في الأشواط الثلاثة الأولى (ويُسمى ذلك “الركض”) لمن استطاع، ثم يبطئ في الأشواط الأربعة المتبقية.

6. الدعاء والذكر أثناء الطواف

خلال الطواف، يستحب أن يكثر الحاج من الدعاء والذكر والاستغفار، ويمكنه قراءة ما يشاء من الأدعية القرآنية أو الأذكار النبوية.

7. الانتهاء من الطواف عند الحجر الأسود

عند انتهاء الأشواط السبعة، يلتفت الحاج إلى الحجر الأسود ويُسلم عليه أو يشير إليه.

8. صلاة ركعتين بعد الطواف

بعد الانتهاء من طواف الإفاضة، يستحب أن يصلي الحاج ركعتين في مقام إبراهيم أو في أي مكان داخل المسجد الحرام، مع قراءة سورة الكافرون في الركعة الأولى وسورة الإخلاص في الركعة الثانية، ثم يشرب ماء زمزم.

الفرق بين طواف الإفاضة والطواف الآخر في الحج

يوجد نوعان رئيسيان من الطواف المرتبطين بالحج، وهما:

• طواف القدوم: وهو الطواف الذي يقوم به الحاج عند وصوله إلى مكة قبل الإحرام للحج، ويُسمى طواف الاستقبال، وهو سنة مؤكدة وليس من الأركان.

• طواف الإفاضة: وهو الطواف الواجب على الحاج بعد يوم عرفة، وهو ركن من أركان الحج، ويُعد أهم الطواف في مناسك الحج.

الفرق الجوهري هو أن طواف الإفاضة هو ركن واجب يجب أداؤه بعد الوقوف بعرفات، وإلا لا يُكمل الحج، بينما طواف القدوم سنة وليس بواجب.

أهمية طواف الإفاضة في إتمام مناسك الحج

يمثل طواف الإفاضة علامة الانتهاء من المواقف الرئيسية للحج، ويؤكد على تحقق إتمام فريضة الحج. فهو يرمز إلى طهارة الحاج وتنقيته من الذنوب التي كانت عليه قبل الحج، إذ ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

يُعتبر هذا الطواف علامة دخول الحاج في مرحلة الخروج من إحرامه، فلا يجوز للحاج حلق رأسه أو تقصير شعره قبل إتمام هذا الطواف. كذلك فإنه يرمز إلى التقرب إلى الله والاعتراف بجلالته وقدرته، في حضور المسلمين من مختلف بقاع الأرض.

الطواف بعد الإفاضة

بعد إتمام طواف الإفاضة، يُباح للحاج أن يحلق أو يقصر شعره، وهو من شعائر الحج، ويعتبر ذلك نهاية الإحرام في معظم أحكام الفقهاء، ويبدأ الحاج بعدها في رمي الجمرات في أيام التشريق، وهي الخطوة التالية في مناسك الحج.

جدول توضيحي لمراحل طواف الإفاضة وأوقاته وأهم أحكامه

خاتمة

يمثل طواف الإفاضة الركن الحاسم الذي يُكمل به الحاج مناسك الحج بعد الوقوف بعرفات، وهو من الأفعال التي تتسم بالخشوع والتعبد، ويجسد الالتزام الشرعي والروحي في أداء الفريضة. هذا الطواف له أهمية كبيرة في منظومة الحج، فلا يُعتبر حج الحاج صحيحًا دون إتمامه. وفي أدائه يتجسد التوحيد والرجوع إلى الله تعالى خالصاً، وهو تأكيد على الخضوع الكامل لأمر الله عز وجل. من الضروري على كل حاج أن يلتزم بأحكام الطواف وشروطه، مع التقيد بأوقاته لضمان صحة الحج وتمام أجره.

المصادر

• كتاب “فقه الحج والعمرة” للدكتور وهبة الزحيلي.

• موقع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية.