كيفية صلاة الجنازة

عنوان المقال: كيفية صلاة الميت

تُعدُّ صلاة الجنازة من أعظم الشعائر الإسلامية التي تبرز تلاحم المجتمع المسلم، وتعبّر عن تكافله في لحظات الفقد والموت. وهي فرض كفاية على المسلمين، إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، أما إن لم يصلِّ أحد على الميت أثم الجميع. وتتميز صلاة الميت عن غيرها من الصلوات بأنها لا تشمل ركوعاً ولا سجوداً، بل تُؤدى قياماً فقط، ولها صفة مخصوصة وهيئة معينة وردت في السنة النبوية الشريفة.

هذا المقال الموسع يتناول صلاة الميت من جوانبها الفقهية والشرعية، مستنداً إلى الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية، مع بيان كيفية أدائها، وأهم الأحكام المتعلقة بها، وحكمها، ومكانتها في الإسلام، بالإضافة إلى آراء المذاهب الفقهية في تفاصيلها، والآداب التي ينبغي مراعاتها أثناءها.

أولاً: تعريف صلاة الميت

صلاة الميت أو صلاة الجنازة هي صلاة تُؤدى على المسلم بعد وفاته، وتكون جماعية غالباً، وتهدف إلى الترحم على المتوفى والدعاء له بالمغفرة والشفاعة. وهي لا تشتمل على أركان الصلاة المعهودة كالسجود والركوع، وإنما تتكون من أربع تكبيرات تُقرأ فيها أدعية مخصوصة.

ثانياً: حكم صلاة الجنازة ودليل مشروعيتها

الحكم الفقهي:

صلاة الجنازة فرض كفاية بإجماع الفقهاء. فإذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإذا لم يُصلِّ أحد عليها أثم جميع المسلمين في ذلك المجتمع.

الدليل من القرآن:

قول الله تعالى:

﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ [التوبة: 103].

الدليل من السنة:

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:

«من شهد الجنازة حتى يُصلَّى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان»، قيل: وما القيراطان؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين».

ثالثاً: فضل صلاة الجنازة

1. أجر عظيم للمصلين:
   
   الحديث السابق يوضح أن من شهد الجنازة حتى صُلِّي عليها فله أجر عظيم، يعادل قيراطاً من الحسنات، وهذا القيراط شُبِّه بالجبل العظيم.

2. الشفاعة للميت:
   
   عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال:
   
   «ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة، كلهم يشفعون له، إلا شُفعوا فيه» (رواه مسلم).

رابعاً: شروط صلاة الجنازة

1. الطهارة: يجب أن يكون المصلّي على طهارة، طاهراً من الحدثين الأصغر والأكبر.

2. ستر العورة: كسائر الصلوات، يجب ستر العورة فيها.

3. استقبال القبلة: لا بد من التوجه إلى القبلة أثناء الصلاة.

4. النية: النية شرط لصحة الصلاة.

5. وجود الميت أو غيبته: الأصل أن يصلى على الميت وهو حاضر، لكن تجوز صلاة الغائب كما فعل النبي ﷺ مع النجاشي.

خامساً: كيفية أداء صلاة الميت بالتفصيل

عدد التكبيرات

اتفق العلماء على أن عدد التكبيرات أربع تكبيرات، وهو الثابت من فعل النبي ﷺ. وقد ورد في بعض الروايات خمس أو ست تكبيرات، لكنها ليست هي المعتمدة عند جمهور العلماء.

ترتيب الخطوات:

1. القيام: يُصلى على الميت قياماً بلا ركوع ولا سجود.

2. النية: ينوي المصلي أداء صلاة الجنازة.

3. التكبير الأولى:

   • بعد التكبيرة يقول دعاء الاستفتاح مثل:
     
     «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك»، أو يكتفي بقراءة الفاتحة.

   • وبعض العلماء أوجبوا الفاتحة في هذا الموضع فقط.

4. التكبير الثانية:

   • يُصلي على النبي ﷺ كما في التشهد:
     
     «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم…».

5. التكبير الثالثة:

   • يُدعى للميت، ومن أشهر الأدعية:
     
     «اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد…» إلى آخر الدعاء المعروف.

     وإذا كان الميت أنثى: يُقال “اللهم اغفر لها…”
     
     وإذا كانوا جمعاً: يُقال “اللهم اغفر لهم…”

6. التكبير الرابعة:

   • يُدعى للمسلمين جميعاً، وللحاضرين، ومن الأدعية:
     
     «اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده، واغفر لنا وله».

7. السلام: يُسلَّم تسليمة واحدة عن اليمين، وبعض العلماء قالوا تسليمتين.

سادساً: مكان إقامة الصلاة

• الأفضل أن تُصلى في المسجد، وهو ما فعله النبي ﷺ، وإن صليت في المقبرة فلا بأس بذلك.

• صلاة الجنازة على القبر جائزة لمن فاتته الصلاة على الميت قبل دفنه، وقد فعل النبي ﷺ ذلك كما ثبت في الحديث الصحيح.

سابعاً: من يُقدَّم في الصلاة؟

• الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة: هو وصيّ الميت إن عُرف، ثم الأب، ثم الجد، ثم الأقرب فالأقرب من العصبة.

• ويجوز تقديم الأعلم أو الأقرأ عند الحاجة.

ثامناً: من يُصلى عليه ومن لا تُصلى عليه

من يُصلى عليهم:

1. كل مسلم بالغ أو غير بالغ.

2. المرأة المسلمة، سواء كانت حاملاً أو لا.

3. الطفل المولود حياً ثم مات.

من لا تُصلى عليهم:

1. الكافر والمشرك.

2. المرتد عن الإسلام.

3. قاتل نفسه عند بعض الفقهاء، وإن كان الأرجح أن يُصلى عليه ولا يُمنع الناس من الدعاء له.

تاسعاً: صلاة الغائب

صلاة الغائب هي الصلاة التي تُقام على ميت في بلد لم يُصلَّ عليه فيه، أو تعذّر وجوده. والدليل عليها صلاة النبي ﷺ على النجاشي ملك الحبشة كما في الصحيحين.

شروطها:

• أن لا يكون قد صُلِّي عليه في بلده.

• أن يكون من المسلمين.

• أن تكون بعد وفاته بزمن قريب.

عاشراً: الفرق بين صلاة الجنازة وسائر الصلوات

الحادي عشر: أخطاء شائعة في صلاة الميت

1. ترك الفاتحة بعد التكبيرة الأولى رغم أن جمهور العلماء على استحبابها.

2. الإكثار من الكلام أثناء تجهيز الجنازة بما يشوش على الخشوع.

3. عدم الدعاء للميت بصدق وخشوع.

4. تأخير الصلاة حتى يتجمع عدد كبير من الناس مما يؤدي إلى تأخير الدفن.

الثاني عشر: صلاة الجنازة في المذاهب الأربعة

المذهب الحنفي:

يرى أن قراءة الفاتحة ليست فرضاً وإنما يُكتفى بالثناء، ويُشترط عدم الحدث أثناء الصلاة.

المذهب المالكي:

يشترطون النية والتكبير والدعاء، والفاتحة عندهم ليست فرضاً بل تُستحب.

المذهب الشافعي:

يرى وجوب قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى، والصلاة على النبي ﷺ بعد الثانية، والدعاء للميت بعد الثالثة، ثم التسليم.

المذهب الحنبلي:

يرى أن أركان الصلاة هي: النية، والتكبيرات الأربع، وقراءة الفاتحة، والصلاة على النبي ﷺ، والدعاء للميت، والتسليم.

الثالث عشر: آداب صلاة الميت

• الوقار والخشوع أثناء أداء الصلاة.

• الإخلاص في الدعاء للميت.

• تجنب الضوضاء والمظاهر غير اللائقة.

• الحرص على إقامة الصلاة فور الوفاة دون تأخير.

الرابع عشر: مسائل متعلقة بصلاة الميت

1. المرأة إذا حضرت صلاة الجنازة: يجوز لها أن تصلي، لكن الأفضل أن لا تتولى التقديم.

2. صلاة الجنازة على غير المسلم: لا تجوز باتفاق الفقهاء.

3. صلاة الجنازة في الحرم المكي أو المدني: لا بأس بها، وهي من السنن المعمول بها هناك يومياً.

4. تكرار الصلاة على الميت: لا يُشرع تكرار الصلاة على الميت الواحد إلا إذا دُفن ولم يُصل عليه سابقاً.

المصادر والمراجع

1. الفقه الإسلامي وأدلته – وهبة الزحيلي

2. المغني – ابن قدامة الحنبلي

بهذا العرض المفصل لصلاة الميت، تكتمل الصورة الشرعية والفقهية لهذه الشعيرة العظيمة التي تحفظ للمسلمين التكافل والتراحم في أعظم لحظات الفقد، وتؤكد أن الموت ليس نهاية، بل هو بداية طريق إلى الآخرة، والمسلمون شهود الله في أرضه حين يصلون على موتاهم ويدعون لهم بالرحمة والمغفرة.