كيفية خروج الروح

خروج الروح من الجسد: دراسة قرآنية وعلمية متعمقة

يُعدّ موضوع خروج الروح من الجسد لحظة محورية في حياة الإنسان، بل اللحظة النهائية التي تفصل بين عالم الدنيا وعالم البرزخ، ويشكل ذلك الحدث أساسًا للعديد من التصورات الدينية والروحية والفلسفية عبر العصور. ولقد أولى الإسلام لهذه اللحظة أهمية عظيمة، حيث ربطها بالحساب والجزاء، وربط مصير الإنسان في الحياة الأخرى بطريقة خروجه من الدنيا. وفي هذا المقال المطوّل، سيتم تناول مفهوم خروج الروح من الجسد من منظور إسلامي قرآني وحديثي، مرورًا بالتفسير العقلي والروحي للعلماء، إضافة إلى الإضاءات العلمية المعاصرة التي تحاول مقاربة هذه الظاهرة الوجودية.

أولًا: ماهية الروح في التصور الإسلامي

الروح في الإسلام هي الكيان الخفي الذي يحيي الجسد ويمنحه القدرة على الفعل والإدراك. وقد ذكرها القرآن الكريم بلفظ “الروح” في عدة مواضع، وغالبًا ما ترد في سياقات تؤكد غموض كنهها وعجز الإنسان عن إدراك حقيقتها، يقول الله تعالى:

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: 85]، وهي آية محورية تؤسس لمفهوم غيبي يتعلق بالروح، فلا يمكن إدراكها بالحواس ولا بمناهج العلوم المادية الخالصة.

وقد اختلف العلماء في تحديد طبيعة الروح، ولكن أجمعوا على أنها جوهر غير مادي، خلقه الله ليجعل به الجسد حيًا. والروح ليست جزءًا من الجسد، بل كيان مستقل يسكن الجسد ويتحد به في الحياة، ثم ينفصل عنه عند الموت.

ثانيًا: الموت وخروج الروح في القرآن والسنة

الموت كحق لا مفر منه

ورد في القرآن الكريم عدة آيات تؤكد أن الموت مرحلة حتمية من مراحل الوجود الإنساني، يقول تعالى:

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: 185].

ويقول: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: 78].

خروج الروح عند المؤمن والكافر

تُفصّل النصوص الإسلامية طريقة خروج الروح عند كل من المؤمن والكافر، لتوضح الفارق بين النهاية السلمية والنهاية العنيفة بحسب عمل الإنسان.

جاء في الحديث الذي رواه البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف خروج روح المؤمن بالكلمات:

“تخرج روحه كما تسيل القطرة من فِي السقاء…”

بينما قال عن الكافر:

“تُنتزع روحه كما يُنتزع السفود من الصوف المبلول…”

وهذا الفرق بين الحالتين يرتبط بحالة النفس والطمأنينة أو القلق والعذاب التي تحيط بالشخص لحظة الموت.

ثالثًا: آلية خروج الروح كما وصفها القرآن

القرآن الكريم استخدم تعبيرات دقيقة لوصف لحظة الموت، وكأنها عملية تتداخل فيها عوامل روحية وملائكية:

1. الملائكة الحاضرة

ذكر الله عز وجل دور الملائكة في إخراج الروح في قوله تعالى:

﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام: 61]،

ويقول في موضع آخر:

﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ [النحل: 32].

وهنا نجد أن الوفاة ليست مجرد انقطاع عضوي بل عملية تتولاها ملائكة مكلفون بأمر الله، لهم مهمة محددة تتمثل في سحب الروح من الجسد.

2. الملَك الموكَّل بالموت

يوجد مَلَك خاص يسمى “ملك الموت”، وقد ورد اسمه في قوله تعالى:

﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة: 11].

ويقوم هذا الملك بانتزاع الروح، ويتعاون معه ملائكة آخرون حسب درجة الإنسان من الإيمان أو الكفر.

3. كيفية نزع الروح

جاء في تفسير ابن كثير وابن القيم أن نزع الروح يتم عبر مراحل:

رابعًا: علامات خروج الروح

يتفق العلماء والفقهاء على بعض العلامات الظاهرة التي تدل على خروج الروح، وهي علامات مادية وروحية معًا، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1. برودة الأطراف: يبدأ الجسد في فقدان الحرارة تدريجيًا من القدمين نحو الرأس.

2. انخفاض نبض القلب: حتى يتوقف نهائيًا.

3. ثقل اللسان: يعجز المحتضر عن الحديث في اللحظات الأخيرة.

4. تحديق العينين وارتفاع البصر: ورد في الحديث:

   “إن الروح إذا قبض تبعه البصر”.

5. تغيّر في لون البشرة: تبدأ علامات الزرقة أو الشحوب في الظهور.

6. إغماءة نهائية: تتزامن مع خروج النفس الأخير، وغالبًا ما تكون مصحوبة بشهقة الموت المعروفة.

خامسًا: خروج الروح في علم النفس والتجارب القريبة من الموت

اهتمت البحوث النفسية والعلمية في العقود الأخيرة بما يسمى “تجارب الاقتراب من الموت” Near Death Experiences (NDEs)، وهي الحالات التي يتعرض فيها الأفراد لتجربة موت سريري ثم يعودون إلى الحياة، وغالبًا ما يصفون أمورًا مشابهة:

• الإحساس بالخروج من الجسد

• رؤية ضوء قوي

• المرور في نفق مظلم

• رؤية أشخاص من الأقارب المتوفين

• الشعور بالسلام أو الرهبة

وقد حاولت هذه الأبحاث تفسير هذه الظواهر من خلال النشاط العصبي، خصوصًا في الفص الصدغي، أو بسبب تدفق الإندورفين في الدماغ عند التوقف القلبي، لكن لا يوجد تفسير علمي قاطع لهذه الظواهر، مما يعزز وجهة النظر الدينية التي ترى الروح ككيان غير مادي.

سادسًا: الروح بعد الخروج: الانتقال إلى البرزخ

بمجرد خروج الروح، تنتقل إلى عالم البرزخ، وهو المرحلة الفاصلة بين الحياة الدنيا والآخرة. وقد تحدث القرآن عن هذا العالم في قوله:

﴿وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: 100].

وفي البرزخ، تتلقى الروح الجزاء الأولي بحسب حالها في الدنيا، فيكون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، كما ورد في الأحاديث.

سابعًا: اختلاف خروج الروح بين البشر

يؤكد علماء العقيدة والفقه أن عملية خروج الروح تختلف حسب ديانة الإنسان، ومستوى إيمانه، وصفاء نيته. فنزاع الروح بالنسبة للشهيد أو الزاهد يختلف عن الظالم أو الكافر.

وقد جاء في الحديث الشريف:

“من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.”

وقد تكون لحظة خروج الروح مليئة بالطمأنينة أو ممتلئة بالهول، حسب قرب الإنسان من الله تعالى أو بعده عنه.

ثامنًا: الاستعداد لخروج الروح

الإنسان العاقل الذي يوقن أن لحظة الموت آتية لا محالة، يستعد لها بالتقوى والعمل الصالح، وتصفية قلبه من الحقد والذنوب، لأن طريقة خروجه من الدنيا ستكون انعكاسًا لحياته.

ويُوصى دائمًا بالإكثار من ذكر الموت، امتثالًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:

“أكثروا من ذكر هادم اللذات.”

كما يُوصى المسلم بأن يموت على طهارة، وأن يبيت دائمًا وهو على وضوء، وأن يكثر من قول: “اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها.”

الخلاصة

خروج الروح هو الحدث المفصلي الذي يفصل الإنسان عن عالم الحياة الدنيا، وهو انتقال ليس فقط عضويًا بل روحيًا عميقًا له آثار ممتدة في مصير الإنسان الأخروي. وقد بيّن القرآن والسنة هذا الحدث بدقة، مشيرَين إلى أنه لحظة عظيمة تتولاها ملائكة، وتختلف باختلاف حالة الإنسان العقدية والروحية.

وقد حاول العلم أن يفسر هذه الظاهرة لكنه لم يستطع سبر أغوارها بالكامل، مما يؤكد ما ورد في القرآن من أن الروح من “أمر ربي”.

إن اللحظة التي تخرج فيها الروح من الجسد، هي خاتمة الدنيا وبداية الأبدية، لذلك فإن الاستعداد لها هو أعظم ما يجب أن يشغل بال الإنسان في حياته.

المصادر:

1. ابن القيم، “الروح”، دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق: مصطفى البغا.

2. صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب في خروج الروح.