كيفية تكوّن التوأم
يعتبر الحمل بتوأم من أكثر الظواهر إثارة للدهشة في علم الأحياء، فهو يحدث عندما يتكون طفلين أو أكثر في رحم الأم في نفس الوقت. قد يثير هذا الظرف العديد من الأسئلة حول كيفية حدوثه، وما هي الأسباب التي تجعل بعض النساء يحملن بتوأم بينما لا يحدث ذلك للآخرين. في هذا المقال، سوف نتناول جميع جوانب تكوّن التوأم، بدءًا من الأنواع المختلفة للتوأم، وصولًا إلى العوامل البيولوجية والوراثية التي تؤثر في هذه الظاهرة. كما سنتناول كيفية تأثير التوائم على الأم وجنينها، وما هي التحديات الصحية المرتبطة بحمل التوأم.
1. أنواع التوأم
قبل التطرق إلى كيفية تكوّن التوأم، من المهم معرفة أن هناك نوعين رئيسيين من التوائم: التوأم الأحادي والتوأم المتعدد.
التوأم الأحادي (المتماثل):
يحدث هذا النوع من التوائم عندما يتم تخصيب بويضة واحدة بواسطة حيوان منوي واحد، ولكن في وقت لاحق من مراحل الحمل، تنقسم البويضة المخصبة إلى جزئين أو أكثر. النتيجة هي توائم متطابقة وراثيًا، بمعنى أنهم يحملون نفس الجينات، ويكون لهم نفس الجنس. يتماثل التوأم الأحادي في الشكل والتكوين البيولوجي، لكنهم قد يختلفون في بعض الجوانب مثل السمات الشخصية.
التوأم غير المتماثل (غير المتطابق):
يحدث هذا النوع عندما يتم تخصيب بويضتين مختلفتين بواسطة حيواني منويين مختلفين. التوأم غير المتطابق يشترك في البيئة الجنينية نفسها ولكنهم لا يتشابهون من حيث الجينات أو السمات البيولوجية. يمكن أن يكونوا من نفس الجنس أو مختلفين، ولا يشتركون في نفس التكوين الجيني.
2. كيف يحدث تكوّن التوأم؟
تكوّن التوأم يتأثر بعدة عوامل بيولوجية، ويمكن أن يحدث بطرق مختلفة بناءً على نوع التوأم.
التوأم الأحادي (المتماثل):
يحدث هذا النوع عندما تنقسم البويضة المخصبة بعد التخصيب مباشرة إلى جزئين، بحيث يحصل كل جزء على نفس المعلومات الجينية، مما يؤدي إلى تكوّن توأم متماثل. هذه العملية تحدث عادة خلال الأيام الأولى بعد الإخصاب، ولا توجد الكثير من العوامل التي يمكن التنبؤ بها لتحديد ما إذا كانت هذه الحالة ستحدث. العوامل التي قد تساهم في حدوث التوائم الأحادية تشمل بعض التأثيرات الجينية في العائلة، ولكن عادة ما تكون هذه الظاهرة غير متوقعة.
التوأم غير المتماثل (غير المتطابق):
هذا النوع من التوائم يحدث عندما تُخصب بويضتان مختلفتان في نفس الوقت بواسطة حيواني منويين مختلفين. بويضة واحدة قد تخرج من المبيض الأيمن، وأخرى قد تخرج من المبيض الأيسر، وفي وقت واحد، يتم تخصيب كلا البويضتين بواسطة حيوانات منوية مختلفة. وهذا يؤدي إلى حمل توائم غير متماثلة، والذين قد لا يتشابهون وراثيًا كما هو الحال مع التوائم المتماثلة. حدوث هذا النوع من الحمل يزيد مع بعض العوامل مثل عمر المرأة، والعلاج الهرموني، وتاريخ العائلة.
3. العوامل المؤثرة في تكوّن التوأم
تتعدد العوامل التي قد تزيد من فرص الحمل بتوأم، سواء كان توأمًا متماثلًا أو غير متماثل. بعض هذه العوامل يمكن التنبؤ بها، بينما البعض الآخر يعتمد على الحظ والصدفة.
العوامل الوراثية:
الوراثة لها دور مهم في تكوّن التوائم غير المتماثلة. إذا كان أحد الوالدين، خصوصًا الأم، قد أنجب توائم غير متماثلة في الماضي، فإن هناك احتمالًا أكبر لحدوث ذلك مرة أخرى. في العائلة التي تملك تاريخًا من التوائم غير المتماثلة، قد يكون لدى المرأة استعداد طبيعي لإطلاق أكثر من بويضة واحدة في نفس الدورة الشهرية.
العمر:
يعتبر العمر من العوامل المؤثرة بشكل كبير في حدوث التوائم غير المتماثلة. النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 30 و 40 عامًا أكثر عرضة للحمل بتوأم غير متماثل. في هذا العمر، يزداد إفراز هرمونات معينة مثل هرمون “FSH” (الهرمون المنبه للجريب)، مما قد يؤدي إلى تحفيز المبيضين لإنتاج أكثر من بويضة واحدة.
العلاج الهرموني وأدوية التخصيب:
تلعب العلاجات الهرمونية دورًا في زيادة فرص الحمل بتوأم غير متماثل. مثلًا، الأدوية التي تُستخدم في علاج العقم، مثل الأدوية المنشطة للتبويض، يمكن أن تزيد من احتمالية إطلاق أكثر من بويضة واحدة في نفس الدورة الشهرية. كما أن التخصيب في المختبر (IVF) قد يؤدي إلى حمل بتوأم، خاصة إذا تم نقل أكثر من جنين إلى رحم المرأة.
الوزن والطول:
وفقًا لبعض الدراسات، تشير بعض الأبحاث إلى أن النساء الأطول والأثقل وزنًا قد يكن أكثر عرضة لإنجاب التوائم غير المتماثلة. يعتبر ذلك ناتجًا عن العلاقة بين مستوى الهرمونات والوزن والطول في الجسم.
عدد الولادات السابقة:
النساء اللاتي سبق لهن الحمل والولادة، خصوصًا اللواتي أنجبن أكثر من طفل واحد في المرات السابقة، قد يكن أكثر عرضة للحمل بتوأم. كلما زاد عدد الولادات السابقة، زادت احتمالية الحمل بتوأم.
الأصل العرقي:
تشير الدراسات إلى أن النساء ذوات الأصل الإفريقي يملكن أكبر فرصة للحمل بتوأم غير متماثل، بينما تقل هذه الاحتمالية لدى النساء الآسيويات.
4. تأثير الحمل بتوأم على الأم وجنينها
على الرغم من أن الحمل بتوأم يعتبر تجربة مثيرة، إلا أن له بعض التأثيرات على صحة الأم والجنين. الحمل بتوأم عادة ما يتطلب رعاية طبية خاصة، نظرًا للضغوط الإضافية على الجسم.
تحديات صحية للأم:
من أبرز التحديات التي تواجهها الأم خلال الحمل بتوأم هي الزيادة الكبيرة في وزن الجسم والضغط على الأعضاء الداخلية. كما قد تكون هناك زيادة في خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، السكري الحملي، والولادة المبكرة. غالبًا ما يتطلب الحمل بتوأم متابعة طبية دقيقة، وقد يحتاج الأطباء إلى اتخاذ تدابير وقائية لضمان صحة الأم والجنين.
التوائم والمخاطر الصحية للجنين:
بينما يمكن أن يكون الحمل بتوأم مثيرًا، فإن التوائم يحملون أيضًا بعض المخاطر. من أبرز هذه المخاطر الولادة المبكرة، حيث أن الرحم قد لا يكون قادرًا على دعم نمو اثنين من الأجنة في نفس الوقت. كما يمكن أن يواجه التوائم مشاكل في النمو داخل الرحم، مما يستدعي رعاية خاصة بعد الولادة.
5. التوأم عبر التاريخ وفي الثقافات
الحمل بتوأم ليس مجرد ظاهرة بيولوجية، بل له أيضًا أبعاد ثقافية وتاريخية في العديد من المجتمعات. في بعض الثقافات، يُنظر إلى التوائم على أنهم رمز للحظ السعيد أو رموز خاصة. في الثقافات الأخرى، يعتبرون رمزًا للقوة أو القدر. من جانب آخر، فإن بعض الشعوب تعتبر الحمل بتوأم أمرًا نادرًا ويحتفلون به كحدث مميز.
6. التقدم العلمي في دراسة التوائم
خلال العقود الأخيرة، ساعدت التقدمات العلمية في فهم آلية تكوّن التوأم بشكل أكبر. من خلال دراسات الوراثة والبيولوجيا الجزيئية، تمكن العلماء من اكتشاف المزيد عن الأسباب الكامنة وراء الحمل بتوأم. أدت هذه الدراسات إلى تطوير طرق جديدة في التخصيب الصناعي والرعاية الطبية للأمهات الحوامل بتوأم، مما ساعد على تحسين النتائج الصحية للأم والجنين.
7. الخاتمة
تعتبر ظاهرة تكوّن التوأم واحدة من أعظم الألغاز الطبيعية في علم الأحياء. إن فهم كيفية تكوّن التوأم يتطلب دراسة معقدة لعوامل بيولوجية ووراثية تؤثر في هذا الحمل الفريد. مع تقدم العلم، أصبح من الممكن معرفة المزيد عن الأسباب التي تؤدي إلى حدوث التوائم، وتقديم رعاية أفضل للأمهات والأجنة. تبقى التوائم ظاهرة فريدة تحمل في طياتها الكثير من الأسرار التي لا يزال العلماء يكتشفونها يوماً بعد يوم.
