كيفية الطهارة من الحيض

الطهارة من الدورة الشهرية: خطواتها، أحكامها، وشروطها الشرعية

تُعدّ الطهارة من الدورة الشهرية أحد الأحكام الفقهية الأساسية التي ترتبط بعلاقة المرأة بعباداتها، خاصةً الصلاة والصيام والطواف بالبيت، إذ لا تصح هذه العبادات إلا بعد تحقق الطهارة الكاملة من الحيض. فالحيض حدث طبيعي يمر به جسد المرأة، لكن الشريعة الإسلامية نظّمت أحكامه بتفصيل دقيق، بدءًا من مدته، مرورًا بأحكامه، وانتهاءً بطريقة الطهارة منه. ويشكل فهم كيفية الطهارة من الحيض ضرورة فقهية لكل امرأة مسلمة؛ لما يترتب عليه من آثار شرعية مباشرة تتعلق بعلاقتها بالله تعالى، وبمحيطها الأسري والاجتماعي.

الحيض: تعريفه ومدته الشرعية

الحيض في اللغة هو السيلان، وفي الاصطلاح الفقهي هو الدم الخارج من قعر الرحم في وقت مخصوص، من غير سبب كولادة أو مرض، ويكون لونه غالبًا أسود ثخينًا له رائحة معروفة. ويعد الحيض من علامات البلوغ عند المرأة.

وقد اختلف الفقهاء في الحد الأدنى والحد الأقصى لمدته، ولكن أغلب الأقوال الفقهية المعتبرة تذهب إلى أن:

• أقل الحيض: يوم وليلة (24 ساعة).

• أكثر الحيض: خمسة عشر يومًا.

• غالب الحيض: ستة أو سبعة أيام.

ولا يُعدّ الدم الخارج من المرأة حيضًا إلا إذا استوفى هذه الشروط من حيث الوقت والصفة. وما زاد عن خمسة عشر يومًا يُعتبر استحاضة، ويُعامل بحكم الطاهر.

متى يجب الغسل من الحيض

يجب على المرأة أن تغتسل بعد انقطاع دم الحيض، أي بعد تيقنها من انتهاء الدورة الشهرية بشكل تام. وتظهر علامات الطهر من الحيض على صورتين رئيسيتين:

1. الجفوف التام: وهو إدخال قطعة قطنية أو منديل في الفرج فتخرج جافة لا لون فيها.

2. القَصَّة البيضاء: وهي سائل أبيض يُفرز من الرحم في نهاية الحيض، يدل على انتهاء الدورة.

ويجب على المرأة أن لا تتعجل الغسل إلا بعد تيقنها من الطهر، لأن الصلاة لا تصح في حال استمرار نزول الدم، حتى وإن قلّ أو اختلف لونه.

شروط الطهارة من الحيض

لا يكفي الغسل الظاهري لأداء العبادات، بل لا بد أن تتحقق شروط الطهارة من الحيض، وأهم هذه الشروط:

• انقطاع الدم بشكل كامل، فلا تبقى آثاره ولو كانت نقطًا يسيرة، ما لم تكن استحاضة.

• نية الطهارة: ويقصد بها نية الاغتسال لرفع الحدث الأكبر.

• تعميم الجسد بالماء، بما في ذلك الشعر والبشرة، ويجب إزالة كل ما يمنع وصول الماء، كطلاء الأظافر أو الكريمات السميكة.

• استعمال الماء الطهور: وهو الماء الطاهر في نفسه، المطهر لغيره، كالماء الجاري أو ماء البئر أو ماء الصنبور غير المتغير بمواد نجسة.

كيفية الغسل الصحيح من الحيض

الغسل من الحيض ينقسم إلى نوعين: غسل مجزئ (واجب فقط) وغسل كامل (سنة وواجب معًا). ويستحب للمرأة أداء الغسل الكامل.

أولًا: الغسل الكامل (المسنون)

1. النية القلبية للطهارة من الحيض.

2. التسمية: بقول “بسم الله” سرًّا أو جهرًا.

3. غسل اليدين ثلاثًا.

4. غسل الفرج وما حوله جيدًا مع إزالة الأذى.

5. الوضوء الكامل مثل وضوء الصلاة.

6. غسل الرأس ثلاثًا، ويجب أن يصل الماء إلى أصول الشعر وفروة الرأس.

7. غسل سائر الجسد، ويبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر، مع التأكد من وصول الماء إلى جميع الأعضاء بما في ذلك ما بين الأصابع وتحت الإبطين وخلف الأذنين.

ثانيًا: الغسل المجزئ (الواجب فقط)

ويتحقق بمجرد النية وتعميم الجسد بالماء دون الترتيب أو الغسل التفصيلي السابق، ويصح هذا الغسل لكنه لا ينال أجر الغسل الكامل المسنون.

الفرق بين الطهارة من الحيض والجنابة

رغم أن كلاً من الحيض والجنابة يوجب الغسل، إلا أن هناك فروقًا فقهية بينهما:

ما يُحرم على الحائض حتى تغتسل

في حال وجود الحيض، تُمنع المرأة من القيام ببعض العبادات حتى تطهر وتغتسل، وهذه المحظورات تشمل:

• الصلاة: فلا تُؤدى بأي شكل، ولا تُقضى بعد الطهر.

• الصيام: لا يصح الصوم أثناء الحيض، لكنه يُقضى لاحقًا.

• الطواف بالكعبة: محرم على الحائض حتى تطهر.

• مسّ المصحف: لا يجوز للمرأة الحائض أن تمس المصحف مباشرة.

• دخول المسجد: جمهور الفقهاء يمنعون دخول المسجد أثناء الحيض إلا لحاجة وبدون تلويث.

• الجماع: يحرم جماع الزوج لزوجته أثناء فترة الحيض بنص القرآن.

قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: 222]

هل يجب إزالة الشعر وقص الأظافر قبل الغسل؟

من المستحب أن تُزيل المرأة ما زاد من شعر الإبط والعانة وتُقلم أظافرها قبل الغسل، ولكن ليس شرطًا لصحة الطهارة. فهذه سنن الفطرة ولا تُرتبط مباشرةً بقبول الغسل، بل هي نظافة مستحبة مطلوبة شرعًا بشكل دوري.

الحيض والطهارة في ضوء المذاهب الأربعة

المذهب الحنفي:

يُشترط في الطهارة تعميم الجسد بالماء، ويكفي الغسل المجزئ مع النية دون الحاجة إلى الترتيب أو المضمضة والاستنشاق.

المذهب المالكي:

يشترط كذلك تعميم الجسد، ويُستحب التدليك عند الغسل، والنية عند ابتداء الغسل.

المذهب الشافعي:

يرى وجوب النية وتعميم الجسد بالماء، ويشترط إزالة كل ما يمنع وصول الماء، ويُستحب الترتيب.

المذهب الحنبلي:

يؤكد على النية وتعميم الجسد بالماء، ويستحب الوضوء الكامل قبل الغسل.

أحكام خاصة مرتبطة بطهارة الحيض

1. نزول الإفرازات البيضاء بعد الغسل: إذا ظهرت بعد تأكد الطهر، فليست من الحيض.

2. عودة الدم بعد الطهارة: إذا عاد الدم قبل مرور 15 يومًا من بداية الحيض، فهو حيض ويجب إعادة الغسل.

3. الاغتسال في مكان عام أو محدود الماء: يصح الغسل في أي مكان شريطة توفر الماء الطهور وتعميم الجسد به.

الخلاصة الفقهية

الطهارة من الدورة الشهرية عبادة تتطلب مراعاة النية، وتعميم الجسد بالماء، والتحقق من الطهر التام. وتُعد هذه الطهارة مدخلًا أساسيًا لعودة المرأة إلى عباداتها اليومية، ولا تصح العبادات إلا بها. وقد اعتنت الشريعة الإسلامية بهذا الجانب من الطهارة عناية كبيرة، حفظًا لصحة المرأة الجسدية والنفسية، وتنظيمًا لحياتها التعبدية والزوجية.

المراجع:

1. ابن قدامة، المغني، دار الفكر – المجلد الأول، كتاب الطهارة.

2. النووي، المجموع شرح المهذب، دار الفكر – كتاب الطهارة، باب الغسل.