الصلاة جالساً: أحكامها وأسبابها وأسلوبها
تُعتبر الصلاة أحد أركان الدين الإسلامي، وهي الوسيلة التي يتواصل بها المسلم مع خالقه خمس مرات يومياً. تختلف أساليب الصلاة باختلاف الأوضاع الجسمانية التي قد يمر بها المسلم، ومنها الصلاة جالساً. تعتبر الصلاة جالساً حالة استثنائية، إذ يلجأ إليها المسلمون في حالات صحية معينة، مثل الأمراض المزمنة أو العجز الجسدي الذي يصعب معه أداء الصلاة في وضع الوقوف أو الركوع أو السجود. في هذا المقال، سنسلط الضوء على الصلاة جالساً، بدءاً من أحكامها الشرعية وصولاً إلى كيفية أدائها بالشكل الصحيح، بالإضافة إلى الأسباب التي قد تؤدي إلى اللجوء إليها.
مفهوم الصلاة جالساً في الإسلام
الصلاة جالساً تعني أداء المسلم للصلاة في وضع الجلوس، سواء على الأرض أو على كرسي أو أي دعم مناسب في حالة العجز عن القيام بالصلاة بشكل طبيعي. ويعد هذا الوضع من الأوضاع الاستثنائية التي يتم اللجوء إليها في حالة عدم القدرة على أداء الصلاة في الأوضاع الطبيعية، مثل الوقوف أو الركوع أو السجود. وقد شرع الإسلام الصلاة جالساً كبديل لحالات العجز، حيث رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب” (رواه البخاري).
متى يجوز الصلاة جالساً؟
إن الصلاة جالساً تُعتبر جائزة في حالات معينة تتعلق بالعجز الجسدي أو المرض. على المسلم أن يؤدي الصلاة جالساً إذا كان غير قادر على القيام بالأوضاع الطبيعية للصلاة، وفيما يلي بعض الحالات التي يجوز فيها الصلاة جالساً:
-
المرض المزمن: عندما يعاني الشخص من مرض مزمن يُصعب عليه أداء الصلاة في الوضع الطبيعي (كالركوع أو السجود)، فيجوز له أن يصلي جالساً.
-
الإعاقة الجسدية: إذا كان الشخص يعاني من إعاقة جسدية تمنعه من الوقوف أو الركوع أو السجود بشكل طبيعي، فيمكنه أن يصلي جالساً.
-
التقدم في السن: بعض كبار السن قد يعانون من صعوبة في الحركة أو القدرة على الحفاظ على توازن الجسم خلال الصلاة، وبالتالي يحق لهم أداء الصلاة جالساً.
-
الضعف العام أو التعب الشديد: في حالة كان الشخص ضعيفاً للغاية بسبب التعب أو الحمل الزائد على جسده، فيستحب له أن يؤدي الصلاة جالساً.
كيفية الصلاة جالساً
1. النية:
عند الشروع في الصلاة جالساً، يجب على المسلم أن ينوِّع نية الصلاة جالساً من أجل تيسير الفريضة التي يؤديها في هذا الوضع. النية في الصلاة تكون من داخل القلب، أي يجب أن ينوي الشخص بأنه يصلي جالساً بسبب عجزه أو مرضه.
2. التكبير:
كما هو الحال في الصلاة الطبيعية، يبدأ المسلم الصلاة بتكبيرة الإحرام “الله أكبر”، ويقوم بالتحرك قليلاً إذا لزم الأمر، ولكن لا يجب عليه الوقوف.
3. القيام:
في الصلاة جالساً، لا يُلزم المصلي بالقيام، فإذا كان قادراً على القيام ولو قليلاً في بداية الصلاة، يفضل أن يقف قليلاً ثم يجلس بعد ذلك، ولكن إن كان الجلوس هو الوضع الوحيد الذي يستطيع أداء الصلاة فيه فلا حرج.
4. الركوع:
في حالة الصلاة جالساً، يتم تعويض الركوع من خلال إمالة الرأس قليلاً إلى الأسفل، لكن بدون الحاجة إلى انحناء الجسم الكامل كما في الركوع التقليدي. ويتم ذلك حسب قدرة المصلي على الإمالة بشكل مريح.
5. السجود:
يتم السجود جالساً عن طريق إمالة الرأس إلى أسفل، كما في الركوع، ولكن يتم إضافة تحريك الجسم قليلاً باتجاه الأسفل، بحيث يتم السجود في أرفع نقطة يستطيع الشخص أن يصل إليها في وضع الجلوس. قد يستخدم البعض وسادة أو دعم لجعل السجود أسهل.
6. التشهد والتسليم:
يتم أداء التشهد في نفس الوضع، مع التأكد من التوجه نحو القبلة إذا كان ذلك ممكنًا. بعد الانتهاء من الصلاة، يُسلم المصلي في وضع الجلوس أيضاً.
7. استخدام الدعائم:
في بعض الحالات التي يواجه فيها المصلي صعوبة في الجلوس المستقيم لفترة طويلة، يمكنه استخدام كرسي أو وسادة لدعمه، وهذا لا يُعد انتهاكاً للشروط الشرعية في الصلاة.
حكم الصلاة جالساً في الإسلام
إن حكم الصلاة جالساً مبني على قاعدة الضرورة في الشريعة الإسلامية، حيث يُعتبر الإنسان في حالة عجز أو مرض إذا لم يستطع أداء الصلاة في الوضع المعتاد. وقد ورد في الحديث النبوي الشَّريف ما يدل على جواز الصلاة جالساً في حالات المرض أو العجز الجسدي. فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “إذا مرض العبد أو سافر، كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً” (رواه البخاري ومسلم).
هذا الحديث يشير إلى أن الإسلام قد رخص للمسلم في أداء العبادات عندما يعجز عن أدائها في الوضع المعتاد بسبب ظروف صحية، مما يجعل الصلاة جالساً جائزة.
الصلاة جالساً عند المرضى وكبار السن
فيما يخص المرضى وكبار السن، فقد أشار الفقهاء إلى ضرورة أن يؤدي المسلم الصلاة جالساً إذا كان ذلك أكثر راحة له. وتُعتبر الصلاة جالساً في هذه الحالات من باب التيسير على المسلمين، حيث رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُشجع على التخفيف عن المسلمين في حالات الضعف أو المرض.
أظهرت دراسات فقهية أن الشخص الذي يعاني من مرض طويل الأمد، أو من إصابة جسدية، يجوز له أن يؤدي الصلاة جالساً دون أن يترتب عليه أي ذنب أو مخالفة للشريعة الإسلامية. كما أن كبار السن الذين يعانون من ضعف العضلات أو مشاكل في المفاصل يمكنهم أيضاً الصلاة جالسين إذا لم يستطيعوا أداء الصلاة بالطريقة المعتادة.
الصلاة جالساً عند الحمل
المرأة الحامل، خاصة في المراحل المتقدمة من الحمل، قد تجد صعوبة في أداء الصلاة بشكل كامل. في هذه الحالة، يُسمح لها بالجلوس أثناء الصلاة إذا شعرت بألم أو تعب بسبب الحمل. يظل حكم الصلاة جالساً في هذه الحالة موافقاً للشرع، حيث يُعتبر هذا الوضع خياراً للتخفيف على الحامل.
أهمية الصلاة في حال العجز
الصلاة جالساً تمثل جانباً مهماً من تيسير العبادة على المسلمين في حالات العجز. فهي تتيح للمريض أو من يعاني من ضعف القدرة الجسدية أن يؤدي الصلاة بشكل صحيح ومقبول شرعاً. إن أداء الصلاة جالساً لا يُعتبر تراجعاً عن أداء العبادة، بل هو استمرار للتمسك بالتزام المسلم تجاه ربه، رغم التحديات الجسدية أو الصحية.
إن الشريعة الإسلامية تهدف إلى تسهيل العبادات على المسلمين دون إرهاق أو مشقة، ولذلك تعتبر الصلاة جالساً واحدة من التيسيرات التي يوفرها الإسلام للمسلمين في حالات الضرورة. فقد روى الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب”، وهذا الحديث يوضح أن الشريعة تراعي حال الإنسان وتفرض تيسير العبادة عليه بما يتناسب مع حالته الصحية أو الجسدية.
الخلاصة
الصلاة جالساً هي حالة استثنائية يُسمح بها للمسلمين في حالات العجز أو المرض، وتُعد وسيلة للتيسير على المسلمين في حالة عدم القدرة على أداء الصلاة في الوضع الطبيعي. تعد هذه الصلاة جزءاً من التيسير الذي جاء به الإسلام، حيث يسمح للشخص الذي يعاني من المرض أو العجز الجسدي بأن يؤدي عبادته في الوضع الذي يريح جسمه. في النهاية، تبقى الصلاة جالساً كما هي في جميع الحالات الأخرى، عبادة لها أجرها ومكانتها عند الله سبحانه وتعالى.
