كيفية التغلب على التشتيت العقلي

العقلية التي نحتاجها للتغلب على التشتيت

يعتبر التشتيت من أكبر التحديات التي تواجه الأفراد في العصر الحديث، حيث أصبح من السهل جداً أن يفقد الشخص تركيزه بسبب تداخل العديد من المؤثرات التي تشتت الانتباه. في عصر يتسم بالتطور التكنولوجي المستمر، أصبح الهاتف الذكي، وسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت مصادر رئيسية للتشتيت. ولكن لا يقتصر التشتيت على هذه العوامل الخارجية فقط، بل يمتد ليشمل حالات داخلية تتعلق بحالة الذهن والمشاعر والأفكار المتقلبة. وللتغلب على هذه الظاهرة، يحتاج الإنسان إلى بناء عقلية قوية قادرة على مقاومة هذه الملهيات، وتحقيق التركيز المستمر في مواجهة هذه التحديات اليومية.

1. فهم التشتيت وأسبابه

في البداية، من المهم أن نفهم التشتيت بشكل عميق. التشتيت ليس مجرد انشغال ذهني عرضي، بل هو حالة ذهنية تتسم بتوزيع الانتباه على أكثر من مهمة في وقت واحد، مما يؤدي إلى فقدان التركيز الكامل على المهمة الرئيسية. ويظهر التشتيت نتيجة لعدة أسباب رئيسية:

• الملهيات التكنولوجية: الهواتف الذكية، إشعارات البريد الإلكتروني، رسائل وسائل التواصل الاجتماعي، كلها أمور تساهم في تشتيت الانتباه. وعادة ما يكون الشخص في حالة من التفاعل الدائم مع هذه الملهيات بدلاً من التركيز على الأنشطة الرئيسية.

• التفكير الزائد (Overthinking): من الأسباب النفسية للتشتيت هو القلق الزائد والمشاعر السلبية التي قد تستهلك الذهن. عندما يشعر الشخص بالضغط أو القلق بشأن المستقبل أو الماضي، يصبح من الصعب عليه التركيز على الحاضر.

• الضغوطات الخارجية: يمكن أن تؤدي الضغوط الاجتماعية أو المهنية إلى التشتت الذهني، حيث يصبح الشخص منشغلاً بالقلق بشأن كيفية التعامل مع هذه الضغوطات بدلاً من التركيز على أداء المهام اليومية.

2. عوامل العقلية التي تساعد على التغلب على التشتيت

العقلية الانضباطية

واحدة من أهم الأسس العقلية التي تساعد في التغلب على التشتيت هي الانضباط الذاتي. الانضباط ليس مجرد مجموعة من القواعد، بل هو نمط تفكير يمنح الفرد القدرة على التحكم في أفعاله وردود أفعاله أمام الملهيات. تعني هذه العقلية القدرة على تحديد الأولويات، وضبط النفس عند الحاجة، وعدم السماح للانحراف عن الأهداف.

تستند هذه العقلية على ثلاث ركائز أساسية:

• التحكم في النفس: القدرة على تجنب الملهيات والانحرافات.

• تنظيم الوقت: وضع مواعيد محددة لتنفيذ المهام مع تخصيص أوقات للراحة.

• التقييم المستمر: مراقبة الأداء وتحديد الأماكن التي يمكن تحسينها.

العقلية القوية تجاه الفشل

من الضروري أن نكون مستعدين للفشل أو التحديات التي قد نواجهها في طريقنا لتحقيق التركيز. يتطلب ذلك بناء عقلية قوية قادرة على تقبل الفشل كجزء طبيعي من عملية التعلم والنمو. إذا كانت لدينا القدرة على قبول الفشل بشكل إيجابي، فإننا نكون أكثر قدرة على العودة إلى المسار الصحيح دون أن نتأثر بالتشتت الناتج عن الأخطاء.

العقلية المركزة على الهدف

العقلية التي تركز على الهدف هي القدرة على تحديد الأهداف بوضوح والعمل بشكل مستمر على تحقيقها. هذه العقلية تساعد الشخص في استبعاد الملهيات والتركيز على تحقيق غاياته الشخصية أو المهنية. عند تحديد الأهداف بشكل دقيق، يصبح من الأسهل على العقل أن يبقى مركّزاً على الطريق الذي يؤدي إلى تلك الأهداف.

العقلية المتعاطفة مع الذات

من السهل أن نكون قساة مع أنفسنا عندما نفشل في الحفاظ على التركيز، مما قد يؤدي إلى زيادة التشتيت. لكن العقلية المتعاطفة مع الذات تمنح الفرد مرونة ذهنية، حيث يستطيع أن يتقبل إخفاقاته دون إلقاء اللوم على نفسه. هذه العقلية تجعل الشخص أكثر قدرة على التعافي من الفترات التي يفقد فيها التركيز.

3. تقنيات عملية لتطبيق هذه العقلية في الحياة اليومية

إدارة الوقت بذكاء

واحدة من أفضل الطرق لتحسين التركيز هي تنظيم الوقت وتحديد أولويات العمل. يمكن أن يساعد وضع جدول زمني محكم وتنظيم المهام إلى تقسيم اليوم إلى فترات زمنية محددة مخصصة لكل نوع من الأنشطة. ينصح بالتركيز على مهمة واحدة في وقت واحد، وتجنب تعدد المهام الذي يشتت الانتباه.

إحدى التقنيات الفعالة هي تقنية “بومودورو”، التي تعتمد على العمل لمدة 25 دقيقة متواصلة تليها فترة راحة قصيرة، ثم العودة للعمل مجددًا. هذه الطريقة توفر توازنًا بين العمل والراحة مما يزيد من القدرة على التركيز.

تقليل الملهيات التكنولوجية

تتعدد الأدوات التي يمكن استخدامها للتقليل من التشتيت التكنولوجي. على سبيل المثال، يمكن تفعيل وضع “عدم الإزعاج” على الهاتف الذكي أثناء فترات العمل أو الدراسة. كما يمكن تخصيص أوقات معينة لفتح تطبيقات التواصل الاجتماعي أو فحص البريد الإلكتروني، بدلاً من السماح لتلك التطبيقات بالسيطرة على وقتك بشكل عشوائي.

الذهن الواعي (Mindfulness)

تقنيات الذهن الواعي تساعد في التغلب على التشتيت الداخلي والخارجي على حد سواء. من خلال تمارين التأمل والتنفس العميق، يمكن للفرد أن يعيد ربط ذهنه باللحظة الحالية، مما يساعده على الحفاظ على التركيز لفترات أطول. إن تعلم أن تكون حاضرًا في اللحظة، وعدم السماح للأفكار المتسارعة بالاستحواذ على ذهنك، يعد خطوة أساسية نحو التغلب على التشتيت.

التخلص من بيئات التشتيت

من الضروري أيضاً أن يتم التحكم في البيئة المحيطة بالمستفيد من تركيزه. على سبيل المثال، خلق بيئة عمل خالية من الفوضى والملهيات يمكن أن يسهم بشكل كبير في تعزيز الانتباه. قد يشمل ذلك إزالة العناصر التي تسبب التشتيت من المكتب أو المنزل، مثل إيقاف تشغيل التلفاز أو تقليل الضوضاء.

تعلم الاستراحة الصحية

عند محاولة الحفاظ على التركيز لفترات طويلة، يصبح من المهم أن يأخذ الشخص فترات راحة منتظمة. هذه الراحة لا تعني التوقف عن العمل تمامًا، بل تعني منح الدماغ وقتًا للاستشفاء، مما يزيد من قدرتك على العودة للعمل بشكل أكثر نشاطًا وتركيزًا. يوصى بالابتعاد عن الشاشة خلال فترات الراحة، والقيام بنشاطات خفيفة مثل المشي أو التمدد.

4. تغيير العقلية: التحول من التفكير السلبي إلى الإيجابي

من التحديات الكبيرة في التغلب على التشتيت هو التعامل مع التفكير السلبي الذي يصاحب الشخص في أوقات التشتت. عندما يشعر الشخص بأن الأمور ليست على ما يرام، أو أنه غير قادر على الحفاظ على التركيز، قد يزداد التشتيت بشكل أكبر. في هذه الحالة، يعد التحول إلى التفكير الإيجابي والتأكيدات الذاتية أحد الوسائل التي تساعد في إعادة توجيه العقل.

إن تحويل الأفكار السلبية إلى أفكار إيجابية يتطلب ممارسة ووعيًا مستمرين. على سبيل المثال، بدلاً من التفكير “أنا لا أستطيع التركيز”، يمكن للفرد أن يفكر “أنا قادر على السيطرة على تركيزي، وسأبذل قصارى جهدي”. هذه التعديلات البسيطة في التفكير يمكن أن تساهم بشكل كبير في تعزيز القدرة على التركيز والتحمل.

5. خاتمة

إن التغلب على التشتيت يتطلب بناء عقلية مرنة وملتزمة، قادرة على الصمود في وجه الملهيات. يعتمد النجاح في هذا المجال على مزيج من الانضباط الذاتي، التفهم العميق للذات، وتطبيق تقنيات عملية لتحسين التركيز. مع مرور الوقت، يمكن للفرد أن يطور عادة ذهنية تُمكّنه من الحفاظ على تركيزه في عالم مليء بالتشتيت.