فيروس كورونا: كيف تتعامل مع شعورك بالتوتر والقلق؟

منذ أن اجتاح فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) العالم في أواخر عام 2019، تغيرت حياة البشر بشكل جذري. بين الحجر الصحي، والقيود المفروضة على السفر، والإغلاق المؤقت للعديد من الأعمال والمؤسسات، أصبح الناس يعانون من التوتر والقلق بشكل متزايد. تلك المشاعر التي رافقت الأزمة الصحية العالمية كانت نتيجة للخوف من الإصابة بالفيروس، والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الإجراءات الوقائية، بالإضافة إلى العزلة والابتعاد عن الأصدقاء والعائلة. لقد أصبح من الضروري تعلم كيفية التعامل مع هذه المشاعر، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تزداد فيها الضغوط النفسية.

1. فهم طبيعة التوتر والقلق في ظل جائحة كورونا

قبل أن نتطرق إلى كيفية التعامل مع التوتر والقلق، من المهم أن نفهم أولًا ما الذي يحدث على المستوى النفسي. التوتر هو رد فعل طبيعي من الجسم تجاه التحديات أو الضغوط. بينما القلق يمكن أن يكون نتيجة لمشاعر الخوف من المستقبل أو من الأشياء التي قد تحدث. في ظل جائحة كورونا، تداخلت هذه المشاعر مع القلق من المرض، ومخاوف اقتصادية، فضلاً عن التحديات الاجتماعية والنفسية المرتبطة بالانعزال.

التأثيرات النفسية للجائحة:

• الخوف من الإصابة: تزايدت المخاوف من الإصابة بفيروس كورونا، خاصة مع ظهور أعراض مشابهة لنزلات البرد أو الإنفلونزا. هذه المخاوف دفعت الناس إلى مراقبة صحتهم باستمرار، مما زاد من مستويات التوتر.

• القلق الاقتصادي: في العديد من البلدان، كانت الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الجائحة أحد أكبر مصادر القلق. فقد فقد الكثير من الناس وظائفهم أو دخلهم بسبب الإغلاق المؤقت للمؤسسات والشركات، ما أثر بشكل مباشر على رفاههم المالي.

• العزلة الاجتماعية: فرضت إجراءات التباعد الاجتماعي حجراً صحياً على ملايين البشر، ما أدى إلى تدهور العلاقات الاجتماعية. انعدام التفاعل الاجتماعي الطبيعي تسبب في مشاعر الوحدة والعزلة التي أثرت على الصحة النفسية بشكل كبير.

• الإرهاق المعلوماتي: تدفق المعلومات المتناقضة حول الفيروس وطرق الوقاية منه عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كان له تأثير مزدوج. فبينما كان البعض يبحث عن الطمأنينة والمعلومات الموثوقة، كان آخرون يعانون من فوضى المعلومات التي أضافت مزيدًا من الضغط النفسي.

2. تقنيات لتقليل التوتر والقلق أثناء جائحة كورونا

بينما قد يكون من الصعب السيطرة على المواقف الخارجية التي تثير القلق، يمكن تبني عدة استراتيجيات لمواجهة تلك المشاعر المزعجة. إليك بعض الأساليب التي يمكن أن تساعد في تقليل مستويات التوتر والقلق:

1. ممارسة التأمل والتنفس العميق

من أبرز وأبسط الطرق لمواجهة القلق هو استخدام تقنيات التنفس العميق والتأمل. أظهرت العديد من الدراسات أن التنفس العميق يساعد في خفض مستويات القلق والتوتر بشكل فعال. يمكن أن يساعد التأمل أيضًا في تهدئة العقل وتحقيق حالة من الاسترخاء التام. يمكن تخصيص بعض الوقت يوميًا لممارسة التنفس العميق أو التأمل البسيط، مما يساعد في تجديد الطاقة النفسية ويقلل من الشعور بالضغط.

2. الحفاظ على روتين يومي

من الأمور التي تساعد على تخفيف القلق هي أن يحافظ الشخص على روتين يومي منظم. إن البقاء في المنزل لفترات طويلة يمكن أن يتسبب في مشاعر فوضوية، ولكن من خلال تحديد أوقات محددة للعمل، الراحة، والطعام، والأنشطة الترفيهية، يستطيع الشخص أن يشعر بقدر من السيطرة على يومه. يساعد هذا الروتين على تعزيز الشعور بالاستقرار النفسي.

3. تقليل التعرض للمعلومات السلبية

في الوقت الذي أصبح فيه الإنترنت ووسائل الإعلام المصدر الرئيسي للمعلومات، فإن هذا قد يكون له تأثير سلبي على الصحة النفسية إذا تم الإفراط في متابعة الأخبار السلبية المتعلقة بالجائحة. من الأفضل تقليل الوقت الذي يتم قضاؤه في متابعة الأخبار والتركيز على مصادر موثوقة ذات معلومات دقيقة ومحدودة. كما يُفضل اختيار أوقات معينة خلال اليوم لقراءة الأخبار بدلاً من التحقق منها بشكل مستمر طوال اليوم.

4. التفاعل مع الأصدقاء والعائلة

قد يؤدي التباعد الاجتماعي إلى شعور بالوحدة، ولكن التكنولوجيا الحديثة يمكن أن تساعد في التغلب على هذه العزلة. التواصل عبر مكالمات الفيديو أو حتى المكالمات الصوتية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على صحتك النفسية. من المهم أن تبقى على اتصال مع الأصدقاء والعائلة، حتى لو كان ذلك عن بُعد.

5. ممارسة الرياضة بانتظام

النشاط البدني له تأثير كبير على الصحة النفسية. فهو يساعد على تحسين المزاج، وزيادة مستويات الطاقة، وتقليل التوتر والقلق. سواء كان ذلك من خلال التمارين الرياضية الخفيفة مثل المشي أو اليوغا، أو التمارين الأكثر شدة مثل الجري أو رفع الأثقال، فإن الحركة تُعد من أقوى الطرق لتقليل الشعور بالضغوط النفسية.

6. الاسترخاء والهوايات الشخصية

تخصيص وقت للهوايات الشخصية أو الأنشطة التي تمنحك الراحة النفسية هو أمر بالغ الأهمية. يمكن أن تشمل هذه الأنشطة القراءة، الكتابة، الطهي، أو أي نوع آخر من الفنون التي تجلب لك السعادة. تساعد هذه الأنشطة في تقليل التوتر وتحسين الصحة النفسية بشكل عام.

3. التعامل مع القلق بشكل عقلاني

أحيانًا، يحتاج الشخص إلى التفكير بشكل عقلاني لتقليل القلق المرتبط بالأوضاع الصعبة. عندما يكون القلق مفرطًا وغير مبرر، يمكن استخدام بعض الطرق المنطقية لمواجهته:

1. تقييم المخاوف

من الجيد أن يقوم الشخص بتقييم مخاوفه بشكل عقلاني. هل هناك دليل حقيقي يثبت أن تلك المخاوف قابلة للتحقق؟ هل الوضع يتطلب هذه الكمية من القلق؟ في كثير من الحالات، يمكن أن يكون القلق مبنيًا على افتراضات غير دقيقة أو على معلومات ناقصة.

2. تحديد أولويات المشاعر

يجب على الشخص أن يدرك أن القلق هو رد فعل طبيعي في مواقف غير مألوفة، مثل جائحة كورونا. لكن هذا لا يعني أن الشخص يجب أن يسمح لهذه المشاعر بالتحكم في حياته بشكل كامل. بدلاً من ذلك، يمكن للإنسان أن يحدد أولويات المشاعر التي يجب التعامل معها أولاً، مثل المخاوف الصحية أو الاقتصادية، والتعامل مع كل جانب على حدة.

3. تقبل المجهول

من الأمور التي يزيد القلق بشأنها هو عدم اليقين حول المستقبل. من المهم تقبل أن هناك العديد من العوامل التي لا يمكن السيطرة عليها. التعامل مع المجهول يتطلب الصبر والمرونة النفسية. يمكن أن يكون من المفيد أيضًا التفكير في كيفية التغلب على التحديات المستقبلية بدلاً من الانشغال الدائم بالقلق منها.

4. أهمية الدعم النفسي في مواجهة التوتر والقلق

في حالة استمرار مشاعر القلق بشكل مزمن، قد يكون من المفيد التوجه إلى مختصين في الصحة النفسية. يمكن أن تساعد جلسات العلاج النفسي، مثل العلاج المعرفي السلوكي، في تعديل التفكير السلبي وتعليم أساليب فعّالة لإدارة التوتر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون الدعم الجماعي أو التوجيه من خلال الأصدقاء والعائلة عاملاً مهماً في المساعدة على الشعور بالراحة.

5. تعزيز الرفاهية النفسية بعد الجائحة

على الرغم من أن الجائحة فرضت العديد من التحديات النفسية، فإنها أيضًا قد تكون فرصة لتحسين رفاهيتنا النفسية على المدى الطويل. تعلم كيفية التكيف مع القلق، وممارسة العناية الذاتية، والعمل على تطوير الوعي الذاتي يمكن أن يعزز من مرونتنا في مواجهة الأزمات المستقبلية. إن الاعتناء بصحتنا النفسية لا يقتصر على مواجهة الأزمات، بل هو أمر ضروري للحفاظ على جودة حياتنا في الأوقات العادية أيضًا.

من خلال تبني هذه الاستراتيجيات، يمكن للإنسان أن يواجه التوتر والقلق الناتج عن فيروس كورونا بشكل أكثر هدوءًا وتوازنًا.