كيفية التعامل مع الشخصية الحدية

الشخصية الحدية أو اضطراب الشخصية الحدية (Borderline Personality Disorder – BPD) هو اضطراب نفسي معقد يتميز بأنماط متغيرة من المشاعر، السلوكيات، والعلاقات التي تكون غير مستقرة ومتقلبة بشكل حاد. يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب من تقلبات مزاجية حادة، وصعوبة في التحكم بالعواطف، وخوف مفرط من الهجر، بالإضافة إلى سلوكيات قد تكون مدمرة أحياناً سواء لأنفسهم أو لعلاقاتهم الاجتماعية. التعامل مع الشخصية الحدية يحتاج إلى فهم عميق لطبيعة الاضطراب، والصبر، واعتماد استراتيجيات علاجية وسلوكية متخصصة تساعد على تحقيق توازن نفسي واجتماعي أفضل.

تعريف اضطراب الشخصية الحدية

اضطراب الشخصية الحدية هو حالة نفسية مزمنة تتميز بعدم استقرار المزاج، والهوية، والعلاقات الشخصية، مع وجود أنماط من السلوكيات الاندفاعية التي قد تشمل إيذاء النفس أو محاولات الانتحار. غالباً ما يبدأ الاضطراب في أواخر فترة المراهقة أو بداية سن البلوغ، ويصاحبه مشاكل في التحكم بالعواطف، وصعوبات في التكيف مع الضغوط اليومية.

تتسم الشخصية الحدية بحالة من التذبذب الحاد في المشاعر التي قد تتغير من الفرح إلى الغضب أو الحزن في دقائق معدودة. كما أن الشخص يعاني من شعور مستمر بالفراغ والتهديد الداخلي، وهو ما يدفعه إلى البحث عن طرق للتخفيف من هذا الألم النفسي عبر سلوكيات قد تكون مضرة.

أسباب اضطراب الشخصية الحدية

الأسباب الدقيقة لاضطراب الشخصية الحدية غير معروفة بشكل قطعي، إلا أن هناك عدة عوامل تلعب دوراً رئيسياً في تطور هذا الاضطراب، وهي:

• العوامل البيولوجية: تشير الدراسات إلى وجود خلل في مناطق معينة من الدماغ، خاصة تلك المسؤولة عن التحكم بالعواطف والتنظيم الذاتي. كما تلعب العوامل الوراثية دوراً في زيادة احتمالية الإصابة بهذا الاضطراب.

• العوامل النفسية: تعرض الفرد لتجارب طفولة مؤلمة مثل الإساءة الجسدية أو العاطفية، أو الإهمال، أو فقدان أحد الوالدين، أو تجارب صدمة نفسية تعزز من تطور الشخصية الحدية.

• العوامل الاجتماعية: البيئة الأسرية غير المستقرة، أو العلاقات الأسرية المضطربة، قد تزيد من خطر الإصابة.

خصائص وأعراض الشخصية الحدية

يمكن تلخيص أهم الأعراض والعلامات التي تظهر على الشخص الحدّي فيما يلي:

• تقلبات مزاجية شديدة وسريعة: يشعر المريض بتغيرات مزاجية من السعادة إلى الغضب أو الحزن خلال فترة زمنية قصيرة.

• خوف مفرط من الهجر: يظهر خوف شديد من الانفصال أو الرفض، مما يدفعه إلى بذل جهود مفرطة للحفاظ على العلاقات.

• سلوكيات اندفاعية: مثل الإسراف في الإنفاق، تعاطي المخدرات، القيادة المتهورة، أو تناول الطعام بشكل مفرط.

• علاقات غير مستقرة: تتسم بالعنف العاطفي أو التوتر، والتغير السريع بين المثالية والتقليل من قيمة الآخرين.

• الشعور بالفراغ الداخلي: يصف الكثيرون من المصابين هذا الشعور على أنه حالة من العدم أو عدم الارتباط بأي شيء.

• السلوكيات الانتحارية وإيذاء النفس: قد يلجأ البعض إلى إيذاء أنفسهم كوسيلة للتخفيف من الألم النفسي، وقد تكون هناك محاولات انتحارية.

• اضطرابات في الهوية: عدم وضوح أو استقرار الصورة الذاتية مما يؤدي إلى تغيرات متكررة في الأهداف والقيم والمعتقدات.

التحديات في التعامل مع الشخصية الحدية

تتطلب الشخصية الحدية منهجاً خاصاً للتعامل بسبب التعقيد الشديد الذي يميزها، إذ أن المصابين بهذا الاضطراب يتصرفون أحياناً بطريقة عاطفية مفرطة ومتقلبة، ويعانون من فقدان الثقة في الآخرين والخوف المستمر من الهجر. كما أن الاندفاعية قد تؤدي إلى سلوكيات مدمرة جسدياً واجتماعياً.

من الصعب على المحيطين بالشخص الحدّي التعامل معه بطريقة تقليدية، لأنه غالباً ما يكون رد فعله مبالغاً فيه تجاه مواقف قد تبدو عادية. لذلك، فإن معرفة كيفية إدارة هذه التحديات وفهمها أمر حاسم لنجاح التواصل والدعم.

استراتيجيات التعامل مع الشخصية الحدية

1. التفهم والتعاطف

يجب أن يتوفر لدى الأشخاص المحيطين بالفرد الحدّي مستوى عالٍ من التعاطف، والتفهم لطبيعة الاضطراب وعدم استعداده للسيطرة على المشاعر بسهولة. عدم الحكم على التصرفات، وتقديم الدعم العاطفي من دون إظهار الغضب أو الإحباط، يسهم بشكل كبير في تحسين العلاقة.

2. وضع حدود واضحة وثابتة

الشخصية الحدية تحتاج إلى حدود واضحة لأن التذبذب في التعامل قد يزيد من شعورهم بالاضطراب وعدم الأمان. يجب أن يكون التواصل واضحاً بشأن ما هو مقبول وما هو غير مقبول مع الحفاظ على احترام الذات واحترام الطرف الآخر.

3. تقديم الدعم النفسي المستمر

الدعم النفسي من خلال المحادثات المتواصلة والاستماع الفعّال، يساعد المصاب على التعبير عن مشاعره بطريقة صحية بدلاً من الانطواء أو السلوكيات المضرة. هذا الدعم يجب أن يكون صبوراً ومتواصلاً حتى في الأوقات التي يظهر فيها الشخص الحدّي سلوكيات صعبة.

4. تجنب المواجهات الحادة

المواجهات العنيفة أو الانتقادات القاسية قد تؤدي إلى تفاقم الحالة أو إثارة نوبات الغضب. بدلاً من ذلك، من الأفضل استخدام أسلوب هادئ وموضوعي عند النقاش ومحاولة إعادة توجيه الحوار إلى نقاط إيجابية.

5. تعزيز مهارات التنظيم الذاتي

تشجيع المصاب على تعلم مهارات إدارة المشاعر مثل تمارين التنفس العميق، التأمل، واليقظة الذهنية (Mindfulness) يمكن أن يساعده على التحكم في ردود فعله وتحسين استقرار مزاجه.

6. الالتزام بالعلاج النفسي

العلاج النفسي هو الركيزة الأساسية في التعامل مع اضطراب الشخصية الحدية، وخاصة العلاج السلوكي الجدلي (Dialectical Behavior Therapy – DBT) الذي يركز على تعليم المهارات العاطفية والتنظيمية وتقنيات تقبل الذات.

7. التوعية والتعليم

معرفة طبيعة الاضطراب والبحث عن المعلومات المفيدة حوله تساعد العائلة والأصدقاء على فهم السلوكيات والتعامل معها بشكل أكثر فعالية، بعيداً عن الخوف أو الحكم المسبق.

8. الحفاظ على صحة نفسية للعائلة

مساندة شخص مصاب بالاضطراب الحدّي قد تكون مرهقة، لذلك من المهم للعائلة أو القائمين على الرعاية الحفاظ على صحتهم النفسية، سواء عبر الحصول على دعم نفسي خاص أو المشاركة في مجموعات دعم خاصة بالعائلات.

دور العلاج في التعامل مع الشخصية الحدية

العلاج النفسي هو الخطوة الحاسمة في تحسين حياة الأشخاص المصابين بالاضطراب الحدّي. وأبرز أنواع العلاج الفعالة تشمل:

العلاج السلوكي الجدلي (DBT)

يعتبر العلاج السلوكي الجدلي من أفضل العلاجات الموجهة لهذا الاضطراب، حيث يجمع بين تقنيات العلاج السلوكي والعلاج المعرفي مع مهارات اليقظة الذهنية والتقبل. يهدف هذا العلاج إلى تحسين قدرة الشخص على التعامل مع مشاعره وتحسين علاقاته الاجتماعية، كما يقلل من السلوكيات الاندفاعية والانتحارية.

العلاج المعرفي السلوكي (CBT)

يساعد هذا النوع من العلاج على تعديل الأفكار السلبية والمعتقدات المشوهة التي تساهم في تفاقم الحالة، مع التركيز على تغيير السلوكيات التي تضر بالمريض وبالآخرين.

العلاج الدوائي

لا يوجد دواء محدد لاضطراب الشخصية الحدية، لكن في بعض الحالات قد يصف الطبيب أدوية لعلاج الأعراض المرتبطة مثل الاكتئاب، القلق، أو الاندفاعية. لا يغني الدواء عن العلاج النفسي بل يكمله.

نصائح عملية للتعامل اليومي

• الاحتفاظ بهدوء الأعصاب: تجنب الدخول في نقاشات حادة أو ردود فعل سريعة قد تزيد من التوتر.

• التواصل الصريح والشفاف: التعبير عن المشاعر بوضوح وبطريقة غير جارحة.

• تشجيع الإنجازات الصغيرة: دعم أي تقدم يحققه الشخص، مهما كان بسيطاً.

• عدم الاستسلام للسلوكيات السلبية: مع الاحترام، عدم تشجيع السلوكيات التي تضر بالمريض أو من حوله.

• التعرف على نوبات التوتر: محاولة ملاحظة علامات التوتر والضغط النفسي قبل تفاقم الأوضاع.

• تنظيم الوقت والروتين: يساعد الروتين اليومي المنتظم على تقليل الاضطرابات المزاجية.

جدول توضيحي لأهم طرق التعامل مع الشخصية الحدية

الخلاصة

الشخصية الحدية اضطراب نفسي معقد يتطلب صبراً كبيراً وفهماً عميقاً من المحيطين والمختصين على حد سواء. التعامل الصحيح يتطلب مزجاً بين الدعم العاطفي والحدود الواضحة، مع تعزيز مهارات التحكم الذاتي لدى المريض والالتزام بالعلاج النفسي المتخصص. التفهم والاحترام والالتزام بأساليب العلاج الحديثة يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحسين نوعية حياة المصاب وعلاقاته الاجتماعية. كما يجب على العائلة والمرافقين الاهتمام بصحتهم النفسية لضمان استمرار تقديم الدعم بشكل فعال ومستدام.

المراجع:

1. Linehan, M. M. (1993). Cognitive-Behavioral Treatment of Borderline Personality Disorder. Guilford Press.

2. American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5). 5th Edition.