التخلص من توهم المرض

توهم المرض أو ما يُعرف باضطراب التوهم المرضي (Hypochondriasis) هو حالة نفسية تتسم بالانشغال المفرط والمبالغ فيه بالخوف من الإصابة بمرض خطير، رغم غياب الأدلة الطبية التي تثبت وجود هذا المرض. يتسبب هذا التوهم في معاناة نفسية كبيرة للفرد، وقد يؤثر على حياته اليومية وعلاقاته الاجتماعية والعملية. يتطلب التخلص من توهم المرض فهماً عميقاً لأسبابه، وأعراضه، وآليات علاجه المختلفة، والتي تشمل الجوانب النفسية والسلوكية والطبية.

مفهوم توهم المرض وأبعاده النفسية

يُعرف توهم المرض بأنه حالة من القلق والشك المستمر حول الحالة الصحية للفرد، حيث يفسر أعراض بسيطة أو طبيعية في الجسم على أنها علامات لأمراض خطيرة وخطيرة جداً. يمكن أن يبدأ هذا التوهم نتيجة حدث نفسي معين أو بعد المرور بفترة مرض حقيقي، ولكن حتى بعد التعافي، يظل الشخص مهووساً بفكرة المرض.

توهم المرض لا يعني ببساطة القلق من المرض، بل هو حالة مرضية نفسية تتطلب اهتماماً خاصاً. يعاني الأشخاص المصابون به من اضطرابات نفسية تؤدي إلى تشويه تفسير الأعراض الجسدية. هذه الحالة قد تكون متصلة باضطرابات أخرى مثل اضطرابات القلق والاكتئاب، وأحياناً بالفوبيا الصحية.

أسباب توهم المرض

تنشأ أسباب توهم المرض من تداخل عوامل بيولوجية، نفسية، واجتماعية، وتتمثل في الآتي:

1. العوامل النفسية: القلق العام والاكتئاب واضطرابات الشخصية يمكن أن تزيد من احتمالية الإصابة بتوهم المرض. فالشخص الذي يعاني من قلق مزمن يميل إلى التركيز المفرط على الأعراض الجسدية.

2. التجارب السابقة مع المرض: مثل الإصابة بمرض خطير في الماضي أو التعرض لمرض في العائلة أو الأصدقاء، مما يترك أثرًا نفسيًا يجعل الشخص يراقب جسده بشكل مبالغ فيه.

3. البيئة الاجتماعية والثقافية: وجود مواقف أو أشخاص يشجعون على المبالغة في الاهتمام بالصحة أو أنماط الحياة الصحية بشكل مفرط قد تسهم في تكوين هذا التوهم.

4. الإعلام ووسائل التواصل: تغطية الأخبار الصحية بشكل مفرط أو غير دقيق قد تولد شعوراً بالخوف من الأمراض بين الأفراد، مما يفاقم القلق لدى المصابين بتوهم المرض.

5. عوامل بيولوجية ودماغية: أظهرت بعض الدراسات وجود علاقة بين توهم المرض واضطرابات في مناطق معينة من الدماغ تتحكم في تفسير الإشارات الحسية.

أعراض توهم المرض

تتفاوت أعراض توهم المرض من شخص إلى آخر، لكن هناك علامات مشتركة تشمل:

• القلق المستمر حول صحة الجسم.

• مراقبة مفرطة للأعراض الجسدية البسيطة مثل الصداع، ألم العضلات، تغيرات في الجلد أو في وظائف الجهاز الهضمي.

• زيارة متكررة للأطباء وطلب الفحوصات الطبية بدون أسباب واضحة.

• التشكيك في نتائج الفحوصات الطبية السلبية وعدم تصديقها.

• البحث المستمر عن معلومات طبية على الإنترنت مما يزيد من القلق.

• تجنب بعض الأنشطة أو المواقف بسبب الخوف من تفاقم المرض.

• تغيرات في المزاج مثل الاكتئاب أو الغضب نتيجة للقلق المستمر.

الأثر النفسي والاجتماعي لتوهم المرض

توهم المرض يؤثر بشكل كبير على جودة حياة الفرد، حيث يصاحبه شعور دائم بالخوف والتوتر والشك. يؤدي هذا الاضطراب إلى:

• ضعف الأداء في العمل أو الدراسة بسبب الانشغال المستمر بالمرض.

• تدهور العلاقات الاجتماعية بسبب الانعزال أو طلب الاهتمام الدائم.

• ارتفاع تكاليف العلاج بسبب الفحوصات الطبية غير الضرورية.

• تعريض النفس لمخاطر صحية ناجمة عن تناول أدوية غير مناسبة أو الإجراءات الطبية غير الضرورية.

• زيادة احتمالية الإصابة باضطرابات نفسية أخرى مثل الاكتئاب واضطرابات القلق.

استراتيجيات التخلص من توهم المرض

التخلص من توهم المرض يتطلب خطة علاجية شاملة تجمع بين العلاج النفسي، الطبي، والدعم الاجتماعي. في ما يلي أبرز الاستراتيجيات الفعالة:

1. العلاج النفسي

العلاج المعرفي السلوكي (CBT)

يعد العلاج المعرفي السلوكي من أنجح الطرق لعلاج توهم المرض، حيث يهدف إلى تعديل الأفكار الخاطئة والمعتقدات المبالغ فيها حول المرض. يشمل ذلك:

• تعليم المريض كيفية التعرف على الأفكار السلبية والمبالغ فيها.

• تدريبه على استبدال هذه الأفكار بأخرى واقعية ومنطقية.

• تقنيات مواجهة القلق مثل الاسترخاء والتنفس العميق.

• تقليل السلوكيات المرضية مثل المراقبة المستمرة للجسم أو البحث المفرط عن المعلومات الطبية.

العلاج النفسي الديناميكي

يركز هذا النوع من العلاج على فهم الجذور النفسية لتوهم المرض، مثل الصراعات الداخلية أو الأزمات العاطفية التي قد تؤدي إلى ظهور هذه الأعراض. يعزز الوعي الذاتي ويساعد على تطوير طرق أكثر صحية للتعامل مع القلق.

2. العلاج الدوائي

قد يصف الطبيب أدوية مضادة للقلق أو مضادات اكتئاب، خصوصاً مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، للمساعدة في تقليل القلق المرتبط بتوهم المرض. يجب أن يكون تناول الأدوية تحت إشراف طبي دقيق لتجنب الآثار الجانبية.

3. تعديل السلوكيات الصحية

• تقليل التحقق من الأعراض: تشجيع المريض على تقليل عدد مرات فحص الجسم أو البحث عن المعلومات الطبية.

• تنظيم المواعيد الطبية: وضع خطة زمنية محددة لزيارة الطبيب والالتزام بها لتجنب الفحوصات غير الضرورية.

• ممارسة الرياضة والنشاطات الاجتماعية: دعم الصحة النفسية والجسدية من خلال النشاط البدني والتواصل مع الآخرين.

4. الدعم الاجتماعي

تلعب الأسرة والأصدقاء دوراً مهماً في دعم المصاب، من خلال تقديم الفهم، تجنب المبالغة في التشجيع على القلق، والمساعدة في التوجه للعلاج المناسب.

التحديات في علاج توهم المرض

يتسم علاج توهم المرض ببعض الصعوبات، منها:

• مقاومة المريض لاعترافه بوجود مشكلة نفسية.

• عدم تصديق المريض للتشخيص النفسي واعتقاده بوجود مرض عضوي حقيقي.

• تأثير العوامل الخارجية مثل الضغط العائلي أو الإعلامي الذي يغذي القلق.

• تطور الأعراض أو وجود اضطرابات نفسية مصاحبة مثل الاكتئاب.

لذلك، يتطلب العلاج متابعة مستمرة وصبراً من جميع الأطراف المعنية.

دور التكنولوجيا في علاج توهم المرض

مع انتشار التكنولوجيا، أصبح الوصول إلى المعلومات الطبية سهلاً، لكن هذا قد يكون له تأثير سلبي على المصابين بتوهم المرض، حيث يؤدي إلى ما يعرف بـ “القلق الصحي الإلكتروني”. لذلك:

• يجب توجيه المريض لاستخدام مصادر موثوقة فقط.

• تطوير تطبيقات ذكية تساعد على إدارة القلق ومراقبة الأعراض بطرق علمية ومنهجية.

• استخدام برامج العلاج عن بُعد التي تتيح جلسات نفسية منتظمة وتدريب على مواجهة الأفكار المرضية.

مقارنة بين توهم المرض والقلق الصحي الطبيعي

الوقاية من توهم المرض

على الرغم من أن توهم المرض قد ينشأ نتيجة لعوامل متعددة، يمكن تقليل احتمالية الإصابة به من خلال:

• تعزيز الوعي الصحي الصحيح وعدم المبالغة في الاهتمام بالأعراض البسيطة.

• تعليم مهارات إدارة القلق منذ الصغر.

• الحفاظ على نمط حياة صحي متوازن.

• الابتعاد عن المصادر الإعلامية غير الموثوقة التي تثير القلق.

• اللجوء المبكر للعلاج النفسي في حالة الشعور بالقلق المرضي.

الخاتمة

توهم المرض حالة نفسية معقدة تستدعي تفهماً عميقاً وإجراءات علاجية متكاملة تجمع بين العلاجات النفسية والدوائية، بالإضافة إلى الدعم الاجتماعي والتنظيم السلوكي. الاهتمام المبكر بهذه الحالة يقلل من معاناة المصابين ويحسن من جودة حياتهم، ويفتح آفاقاً جديدة للعيش بصحة نفسية وجسدية متوازنة. فهم أسباب وأعراض توهم المرض هو الخطوة الأولى نحو علاجه بفعالية والحد من تأثيراته السلبية.

المصادر

• American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5).

• Warwick, H. M. C., & Salkovskis, P. M. (1990). Hypochondriasis: a cognitive-behavioural approach. Behaviour Research and Therapy.