يتناول كتاب “المشاريع الجديدة في الشركات: كيف تجعلها تنجح” للمؤلفين جون زونديرمان ورالف ألتروويتز قضية جوهرية تواجه العديد من الشركات الكبرى وهي كيفية التعامل مع المشاريع الجديدة التي قد لا تتناسب دائمًا مع الرسالة الأساسية للشركة الأم أو ثقافتها. غالبًا ما تواجه هذه المشاريع صعوبات في الانسجام مع هيكل الشركة الرئيسي، مما قد يؤدي إلى فشلها إذا لم تتم إدارتها بحكمة وفعالية. يسعى الكتاب إلى توجيه المدراء التنفيذيين، المخططين، ومدراء المشاريع إلى الطرق المثلى لتقييم هذه المشاريع الجديدة وتحديد ما إذا كانت تستحق الاستثمار والاهتمام.
يقدم الكتاب إطار عمل منهجي وشامل لكيفية إدارة المشاريع الجديدة، بدءًا من مرحلة التقييم الأولي للمشروع وصولًا إلى تقديم خطة العمل الشاملة. يركز المؤلفان على ضرورة أن تكون الخطة المقدمة قادرة على الإجابة على مجموعة من الأسئلة المالية والإدارية الأساسية، وأن تأخذ في الاعتبار السوق الأمريكي والمنافسة فيه، مع الحرص على بقاء المشروع ضمن حدود ثقافة الشركة الأم وقيمها.
من خلال استخدام أساليب طورها خبراء رأس المال المخاطر، يستعرض الكتاب كيفية تعزيز فرص نجاح المشاريع الجديدة. خبراء رأس المال المخاطر غالبًا ما يتعاملون مع شركات ناشئة تتطلب اهتمامًا خاصًا لتجاوز التحديات الأولية. واستنادًا إلى تلك الخبرة، يقدم الكتاب نهجًا تدريجيًا يساعد الشركات على تنمية مشاريعها الجديدة من الصفر إلى النجاح، مع التركيز على عوامل مثل التمويل، التسويق، وإدارة المخاطر.
أحد العناصر الأساسية التي يناقشها الكتاب هو إعداد خطة عمل متكاملة وشاملة. يشدد المؤلفان على أهمية أن تحتوي هذه الخطة على تحليلات دقيقة للسوق والمنافسين، وتقديرات مالية واقعية تتناسب مع حجم المشروع وطموحات الشركة. ليس فقط لتحديد ما إذا كان المشروع يستحق الاستثمار، بل أيضًا لضمان أن يبقى ضمن حدود الإمكانات والموارد المتاحة للشركة.
إحدى النقاط الجوهرية التي يعالجها الكتاب هي كيفية إدارة التوازن بين المشروع الجديد وبين الثقافة المؤسسية القائمة. يشير المؤلفان إلى أن الفشل في ربط المشروع الجديد بالقيم والممارسات التي تعمل بها الشركة الأم يمكن أن يؤدي إلى تصادمات تؤثر سلبًا على نجاح المشروع. هنا، يبرز دور الإدارة العليا في توجيه ودعم المشروع الجديد بطريقة تتماشى مع الأهداف الشاملة للشركة، مع منح الفريق المخصص له الحرية الكافية للإبداع والابتكار دون تجاوز الخطوط الحمراء.
يرى المؤلفان أيضًا أن المشاريع الجديدة تحتاج إلى “رعاية” تشبه إلى حد كبير تلك التي يقدمها أصحاب رؤوس الأموال المخاطرة للشركات الناشئة. يبدأ هذا من تقييم فكرة المشروع ومدى قابليتها للنمو والتطور، مرورًا بتقديم المشورة الإدارية، وانتهاءً بتوفير الدعم المالي اللازم في الأوقات الحرجة. هذا النهج يهدف إلى تحويل الأفكار الابتكارية إلى مشاريع ناجحة قادرة على تحقيق أرباح ومنافسة في السوق.
ويقدم الكتاب أيضًا إرشادات حول كيفية التعامل مع العقبات التي قد تواجه المشاريع الجديدة، مثل نقص التمويل، أو الافتقار إلى الخبرات اللازمة في إدارة مشروعات صغيرة ضمن هيكل كبير. ويشدد على أهمية التكيف مع التغيرات السريعة في السوق، وضمان أن يظل المشروع الجديد قادرًا على التكيف مع تلك التغيرات دون أن يفقد هويته أو مساره.
بما أن السوق الأمريكي يتسم بالتنافسية العالية، يناقش الكتاب أيضًا كيفية تحديد الشركات المنافسة وتحليل استراتيجياتها بشكل دقيق. هذا التحليل يمكن أن يكون عاملًا مهمًا في تحديد التوجهات الصحيحة للمشروع الجديد. وبتحليل نقاط القوة والضعف لدى المنافسين، يمكن للشركات أن تتبنى استراتيجيات تساعدها على تجاوز العقبات وتحقيق ميزة تنافسية في السوق.
في نهاية المطاف، يسعى الكتاب إلى تمكين الشركات من تحقيق أقصى استفادة من مشاريعها الجديدة دون أن تفقد السيطرة عليها. فالمشاريع الجديدة ليست مجرد أفكار ابتكارية، بل هي عمليات معقدة تتطلب توجيهًا دقيقًا وتخطيطًا ماليًا وإداريًا محكمًا لضمان تحقيق النجاح على المدى الطويل. يقدم المؤلفان خطوة بخطوة الطرق المثلى لتقديم المشاريع الجديدة بشكل يتماشى مع أهداف الشركة الأم، ويعطيها فرصة حقيقية للنجاح في بيئة تنافسية.
من خلال الأسلوب المنهجي والمعلومات المفصلة، يمثل هذا الكتاب دليلًا لا غنى عنه لكل من المدراء التنفيذيين وأصحاب الشركات الكبرى الذين يسعون إلى دمج مشاريع جديدة بنجاح في هياكلهم المؤسسية، وهو مرجع حيوي لكل من يعمل في مجال تخطيط وتنفيذ المشاريع الجديدة في عالم الأعمال.