كيفية إخراج زكاة الفطر

زكاة الفطر: أحكامها وإخراجها بالتفصيل

مقدمة

زكاة الفطر عبادة عظيمة ذات شأن رفيع في الشريعة الإسلامية، وهي ليست فقط مظهراً من مظاهر التكافل الاجتماعي والرحمة، بل هي أيضًا فريضة من فرائض الإسلام التي تُؤدى في نهاية شهر رمضان المبارك، لِتَطهُر الصائم من اللغو والرفث، ولِتَسدّ حاجة الفقراء والمساكين في يوم العيد. تُعد زكاة الفطر واجبة على كل مسلم قادر، صغيراً كان أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً، كما بيّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية المطهرة.

في هذا المقال المطوّل، سنتناول زكاة الفطر من كافة جوانبها الشرعية والعملية، موضحين شروطها، وحكمها، ومقدارها، وصِفتها، ووقت إخراجها، والحِكم التي من أجلها شُرعت، وكيفية توزيعها، وأبرز الأخطاء التي يقع فيها الناس عند إخراجها، مع الاستدلال بالأحاديث الصحيحة وآراء العلماء والمذاهب الفقهية المعتبرة.

أولاً: تعريف زكاة الفطر

زكاة الفطر (وتسمى أيضًا صدقة الفطر) هي صدقة واجبة على المسلم عند فطره من رمضان، وهي تختلف عن زكاة المال. وقد سميت بزكاة الفطر لأنها تتعلق بالفِطر من شهر رمضان، وقد شُرعت في السنة الثانية من الهجرة، وهي السنة نفسها التي فرض فيها صيام رمضان.

قال ابن عمر رضي الله عنهما: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى، من المسلمين» [رواه البخاري ومسلم].

ثانيًا: حُكم زكاة الفطر

زكاة الفطر واجبة على كل مسلم تجب عليه النفقة، وهي فرض عين لا تسقط عن المسلم القادر بأي حال من الأحوال، ويأثم من يتركها بغير عذر. وقد أجمع العلماء على وجوبها، واستدلوا على ذلك بما جاء في حديث ابن عمر السابق، وقوله: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر».

وهي تُخرج عن الإنسان وعن من يعولهم من زوجة وأبناء وخدم وكل من تجب عليه نفقتهم، سواءً صام رمضان أو لم يصمه، كالمريض أو الكبير في السن.

ثالثًا: الحكمة من تشريع زكاة الفطر

تتعدد الحكم التي من أجلها شُرعت زكاة الفطر، ومنها ما يلي:

1. تطهير الصائم من اللغو والرفث، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعمةً للمساكين» [رواه أبو داود وابن ماجه].

2. إغناء الفقراء يوم العيد حتى لا يضطروا إلى السؤال في هذا اليوم العظيم الذي يجتمع فيه المسلمون للفرح والسرور.

3. تحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم، وتعزيز أواصر المحبة والمودة والتراحم.

رابعًا: وقت إخراج زكاة الفطر

الوقت الأفضل لإخراج زكاة الفطر هو صبيحة يوم العيد قبل صلاة العيد، وهو الوقت الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به.

لكن يجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما: “وكانوا يُعطون قبل الفطر بيوم أو يومين” [رواه البخاري]. وهذا ما جرى عليه العمل عند جمهور العلماء.

أما تأخيرها إلى بعد صلاة العيد فهو غير جائز، ويعد من التفريط في أداء العبادة، ويأثم به المسلم، لحديث ابن عباس: «من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» [رواه أبو داود وابن ماجه].

خامسًا: مقدار زكاة الفطر

زكاة الفطر تُقاس بـ”الصاع النبوي”، وهو أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، أي ما يعادل تقريبًا 2.5 إلى 3 كيلوجرامات من غالب قوت أهل البلد.

وقد ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: “كنا نُخرج يوم الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا التمر، والشعير، والزبيب، والأقط” [رواه البخاري ومسلم].

أنواع الطعام المخرَج: يجوز إخراج زكاة الفطر من أي نوع من الطعام المعتاد عند الناس في بلدهم، مثل: القمح، الأرز، الدقيق، الذرة، التمر، الزبيب، العدس، وغير ذلك.

سادسًا: هل يجوز إخراج القيمة نقداً؟

اختلف العلماء في جواز إخراج زكاة الفطر نقداً بدلاً من الطعام:

• رأي الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة): لا يجوز إخراج زكاة الفطر نقداً، بل يجب أن تكون من الطعام كما ورد في النصوص الشرعية.

• رأي أبي حنيفة وبعض العلماء المعاصرين: يجوز إخراجها نقداً إذا كان ذلك أنفع للفقير وأيسر للدافع، وخاصة في المجتمعات الحضرية.

وفي العصر الحديث، يُفتي كثير من العلماء والمؤسسات الفقهية بجواز إخراج القيمة نقداً مراعاة لمصلحة الفقير وسهولة التوزيع، بشرط أن تساوي أو تزيد عن قيمة الصاع المقدر من الطعام.

سابعًا: على من تجب زكاة الفطر؟

تجب زكاة الفطر على كل مسلم يملك قوت يومه وليلته ويزيد عنده ما يكفي عن حاجاته الأساسية ونفقة من يعولهم.

الفئات التي تشملها زكاة الفطر:

1. الزوج يخرج عن زوجته وأبنائه.

2. الوالد يخرج عن أولاده الصغار.

3. السيد يخرج عن عبيده.

4. الإنسان يخرج عن نفسه إذا لم يكن له من يعوله.

ولا تجب على الجنين الذي لم يولد قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان، ولكن يُستحب إخراجها عنه عند بعض أهل العلم.

ثامنًا: لمن تُعطى زكاة الفطر؟

تُعطى زكاة الفطر للفقراء والمساكين كما ورد في حديث ابن عباس: «وطُعمة للمساكين». ولا توزع على بقية مصارف الزكاة الثمانية كما في زكاة المال، لأن الهدف منها هو سدّ حاجة الفقير في يوم العيد.

الفقير: من لا يملك كفايته وكفاية من يعول ليوم العيد.

المسكين: من يملك بعض حاجته، ولكن لا يكفيه تمامًا.

ولا تعطى لغني ولا لقوي مكتسب. كما لا يجوز إعطاؤها للكافر، ولا للأصل (الوالدين) ولا للفرع (الأبناء) ممن تلزم نفقته شرعاً.

تاسعًا: أبرز الأخطاء عند إخراج زكاة الفطر

1. تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد، وهذا يخرجها من كونها زكاة إلى صدقة عادية.

2. إخراجها من غير الطعام في المجتمعات التي تحتاج للطعام، دون اعتبار لحاجة الفقير.

3. عدم تقدير الكمية بشكل صحيح عند إخراجها بالكيلوغرام، مما يؤدي إلى إنقاص المقدار الواجب.

4. توزيعها على غير مستحقيها كمن لا تنطبق عليهم صفة الفقر أو المسكنة.

5. عدم إخراجها عن جميع من تجب عليهم من العائلة أو من هم تحت الكفالة.

عاشرًا: أحكام خاصة بزكاة الفطر

خاتمة

زكاة الفطر عبادة جليلة تجتمع فيها مقاصد الشريعة من تطهير للنفس، وتحقيق للعدالة الاجتماعية، ومواساة للضعفاء، وتعبير عملي عن التراحم بين المسلمين. وهي فرصة سنوية لإعادة التوازن في المجتمع ومساعدة المحتاجين على مشاركة الجميع فرحة العيد. والواجب على كل مسلم أن يحرص على إخراجها في وقتها المحدد وبالطريقة الصحيحة، تقرّبًا إلى الله تعالى، وامتثالًا لهدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

المراجع:

• الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي.

• المغني، ابن قدامة الحنبلي.