كيفية صلاة التسابيح

تُعد صلاة التسابيح من الصلوات التي حثّ عليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم لما لها من فضل عظيم وأجر كبير عند الله تعالى، فهي صلاة مميزة تحتوي على عدد كبير من التسابيح التي تُردد خلال الركعات الأربع. وتُعتبر صلاة التسابيح من العبادات التي تُكفِّر الذنوب وتُزيل الخطايا وتفتح أبواب الرحمة والمغفرة. وقد اهتم بها علماء الإسلام ووردت أحاديث عدة في فضلها، مما جعلها تحظى بمكانة متميزة في العبادات المستحبة. يتناول هذا المقال شرحًا تفصيليًا لطريقة أداء صلاة التسابيح، وبيان فضلها، وصحة أحاديثها، وآراء الفقهاء فيها، مع استعراض دقيق لمكوناتها وخطواتها.

تعريف صلاة التسابيح

صلاة التسابيح هي صلاة مكونة من أربع ركعات، يُقال فيها عدد معين من التسابيح في كل جزء من الصلاة، حيث يتم تكرار قول: “سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر” عددًا محددًا من المرات وفق ترتيب خاص داخل الركعة الواحدة. وقد سُميت بصلاة التسابيح لكثرة التسبيح فيها مقارنة بباقي الصلوات.

مشروعية صلاة التسابيح

وردت مشروعية صلاة التسابيح في حديث رواه ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس: “يا عباس، يا عمي، ألا أُعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك عشر خصال؟ إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك: أولُه وآخرُه، قديمُه وحديثُه، خطأُه وعمدُه، صغيرُه وكبيرُه، سرُه وعلانيتُه. عشرُ خصال: أن تُصلّي أربعَ ركعات، تقرأ في كل ركعة فاتحةَ الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمس عشرة مرة…”. وقد ذكر الحديث كيفية الصلاة وعدد التسابيح.

هذا الحديث وإن كان فيه خلاف بين العلماء من حيث صحة الإسناد، إلا أن طائفة من أهل العلم حسّنوه، كالإمام المنذري والحافظ ابن حجر، كما أن كثيرًا من الفقهاء رأوا أنه لا بأس بأداء هذه الصلاة على سبيل الاستحباب لمن أراد تحصيل هذا الفضل.

كيفية أداء صلاة التسابيح بالتفصيل

تُصلّى صلاة التسابيح أربع ركعات بأي وقت غير أوقات الكراهة، ويمكن أداؤها ركعتين ثم التسليم ثم ركعتين، أو أربع ركعات متصلة بتسليمة واحدة. فيما يلي خطوات أداء صلاة التسابيح بشكل دقيق:

1. النيّة

يُعقد القلب على نية أداء صلاة التسابيح تقربًا إلى الله تعالى وطلبًا لمغفرته ورضوانه، ولا يُشترط التلفّظ بالنية، فمحلها القلب.

2. أداء الركعة الأولى

• يُكبّر المصلي تكبيرة الإحرام.

• يقرأ دعاء الاستفتاح (إن أراد).

• يقرأ سورة الفاتحة.

• يقرأ بعدها ما تيسر من القرآن الكريم (سورة قصيرة أو عدة آيات).

• بعد الانتهاء من القراءة وقبل الركوع يقول التسبيحات التالية خمس عشرة مرة:
  
  “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”.

• يركع المصلي ثم يقول التسبيحات المأثورة في الركوع: “سبحان ربي العظيم” ثلاث مرات، ثم يقول بعد ذلك التسبيحات الأربعة عشر مرة.

• يرفع المصلي من الركوع قائلًا: “سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد”، ثم يقول التسبيحات أربعة عشر مرة.

• يسجد قائلًا: “سبحان ربي الأعلى” ثلاث مرات، ثم يقول التسبيحات الأربعة عشر مرة.

• يرفع من السجود قائلًا: “رب اغفر لي”، ويقول التسبيحات أربعة عشر مرة.

• يسجد السجدة الثانية ويقول “سبحان ربي الأعلى” ثلاث مرات، ثم يقول التسبيحات أربعة عشر مرة.

• يجلس بين السجدتين للتشهد (إن كان في نهاية الركعة الثانية أو الرابعة) أو للانتقال إلى الركعة التالية.

3. تكرار التسابيح في الركعات الأخرى

• تُؤدى الركعة الثانية والثالثة والرابعة بنفس ترتيب الركعة الأولى.

• عدد التسابيح في كل ركعة هو 75 تسبيحة موزعة كما يلي:

بذلك يكون مجموع التسبيحات في الركعة الواحدة 75 تسبيحة، وفي الأربع ركعات 300 تسبيحة.

4. التشهد والتسليم

• بعد الانتهاء من الركعة الثانية، يتشهد المصلي التشهد الأوسط.

• بعد الانتهاء من الركعة الرابعة، يتشهد التشهد الأخير.

• ثم يُسلّم المصلي عن يمينه وشماله كما في الصلوات العادية.

أوقات صلاة التسابيح

يجوز أداء صلاة التسابيح في أي وقت غير أوقات الكراهة، وهذه الأوقات هي:

• بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس.

• عند استواء الشمس في كبد السماء قبل الظهر.

• بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس.

ويُستحب أداؤها في جوف الليل لما في ذلك من الخشوع والقرب إلى الله. كما يجوز أداؤها في أي يوم من أيام الأسبوع، ولكن بعض العلماء فضّلوا أن تُصلّى مرة كل يوم، أو مرة كل أسبوع، أو مرة كل شهر، أو مرة كل سنة، أو مرة واحدة في العمر على الأقل، وكل ذلك جائز.

فضل صلاة التسابيح

صلاة التسابيح من الصلوات التي ورد في فضلها مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات، وقبول التوبة. ومن أهم فضائلها ما يلي:

1. مغفرة الذنوب

في الحديث الشريف، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من صلى صلاة التسابيح تُغفر له ذنوبه كلها، ما تقدم منها وما تأخر، ما أُعلن منها وما أُسر، الصغير منها والكبير، الخطيئة والعمد.

2. نيل رضا الله

تُعد صلاة التسابيح من العبادات التي تُرضي الله عز وجل، لما فيها من الإكثار من ذكره وتمجيده وتسبيحه، وهي من وسائل التقرب إلى الله وطلب رحمته.

3. شمول الذكر في جميع أركان الصلاة

يتميز أداء هذه الصلاة بتوزيع الذكر والتسبيح في جميع حركات الصلاة: القيام، الركوع، السجود، والجلوس، مما يجعل القلب حاضرًا ومتصلًا بالله طوال مدة الصلاة.

4. تربية النفس على الخشوع

صلاة التسابيح تُساعد المسلم على تعويد النفس على الخشوع والإطالة في الصلاة والتدبر في التسبيح والذكر، فهي تدريب عملي على كيفية تحقيق معاني العبودية الكاملة لله.

آراء العلماء في صلاة التسابيح

اختلف العلماء في مشروعية صلاة التسابيح بناءً على الخلاف حول صحة الحديث الوارد فيها. يمكن تلخيص آراء المذاهب على النحو التالي:

1. المذهب الشافعي

يرى الشافعية استحباب صلاة التسابيح، ويُستحب أداؤها ولو مرة واحدة في العمر. وقد ذكر الإمام النووي أن الحديث الوارد فيها حسن.

2. المذهب الحنبلي

يرى الحنابلة أن صلاة التسابيح مستحبة بناءً على الحديث، وقد ذكر الإمام ابن قدامة في “المغني” أن صلاة التسابيح حسنة لما ورد فيها من فضل.

3. المذهب الحنفي

عند الحنفية، الحديث لم يبلغ عندهم درجة الصحة التي يُبنى عليها عمل خاص، لكن بعض علماء الحنفية أجازوا أداءها تطوعًا ولا يُنكر على من صلاها.

4. المذهب المالكي

المالكية يميلون إلى ضعف الحديث ولا يستحبون صلاة التسابيح، لكنهم لا يُحرّمونها إذا صُليت بنيّة التطوع العام.

5. رأي المحدثين

بعض المحدثين كالإمام الألباني ضعّف الحديث وقال بعدم ثبوته، لكن في المقابل، علماء كبار كالحافظ ابن حجر والمنذري والسبكي رجحوا الحديث وقبلوه.

وبناءً على ذلك، يرى جمهور العلماء المعاصرين أن صلاة التسابيح مستحبة في الجملة، ولا يُشدّد على من تركها ولا يُمنع من أداها.

ملاحظات مهمة عند أداء صلاة التسابيح

• ينبغي على المصلي أن يحافظ على ترتيب التسابيح كما ورد في الحديث ولا يُقدّم بعضها على بعض.

• لو نسي المصلي بعض التسابيح في موضعها يُستحب له أن يُكملها في بقية المواضع.

• يجوز أداء صلاة التسابيح منفردًا أو في جماعة لكن الأفضل أن تُصلّى فرادى لما فيها من طول.

• يستحب الخشوع والتدبر أثناء الصلاة وعدم الإسراع فيها.

• من الأفضل أن يقرأ المصلي سورًا خفيفة حتى يتيسر له أداء التسابيح بعد القراءة.

ملخص خطوات صلاة التسابيح في جدول

خاتمة

صلاة التسابيح من الصلوات ذات الأثر الروحي العميق، التي تُربّي القلب على الإكثار من ذكر الله، وتُكفِّر الذنوب، وتُقرّب العبد من ربه. وعلى الرغم من الخلاف بين العلماء حول صحة الحديث، إلا أن جمهور الفقهاء يرون استحبابها ويحثّون على إحيائها بين الحين والآخر لما فيها من خير عظيم وأجر جزيل. كما أن المداومة على هذه الصلاة تزرع في النفس الطمأنينة وتُعين المسلم على الثبات في الطاعات. وأداء هذه الصلاة ولو مرة في العمر كافٍ لنيل بركتها وفضلها، فهي من الهبات العظيمة التي أوصى بها النبي لعمه العباس رضي الله عنه.

المصادر

• ابن قدامة، “المغني”، دار الفكر.

• النووي، “المجموع شرح المهذب”، دار الفكر.