كتاب “كيف يشعر الطفل عندما يموت أحد الوالدين” للكاتبة جيل كريمنتز هو عمل أدبي مميز ينتمي إلى فئة كتب العلاقات الأسرية والتعامل مع الموت والحزن. صدر الكتاب لأول مرة في فبراير عام 1988 عن دار نشر كنوبف (Knopf) الأمريكية. يعالج هذا الكتاب قضية حساسة للغاية وهي فقدان الأطفال لأحد والديهم، مما يجعله مرجعاً هاماً لكل من يرغب في فهم تجربة الأطفال في مواجهة هذا النوع من الفقد.
في هذا الكتاب، تقدم الكاتبة لنا قصصًا مؤثرة لـ 18 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 7 و17 عامًا، يتحدثون بصراحة وشفافية عن تجاربهم ومشاعرهم بعد وفاة أحد والديهم. يتسم الكتاب بأسلوبه الفريد حيث يجمع بين النصوص المصاغة بكلمات الأطفال أنفسهم وصور فوتوغرافية تظهرهم في حياتهم اليومية مع الوالد الباقي على قيد الحياة ومع بقية أفراد أسرهم. هذه الصور تلعب دورًا مهمًا في تعزيز التواصل البصري بين القارئ والتجارب التي يرويها الأطفال، حيث تعطي الحياة للنصوص المكتوبة وتعكس عمق التجارب الإنسانية التي يعيشها هؤلاء الأطفال.
جاءت فكرة هذا الكتاب من الكاتبة جيل كريمنتز، التي تعد واحدة من الشخصيات المعروفة في مجال التصوير الفوتوغرافي والصحافة. من خلال هذا الكتاب، لم تكتفِ كريمنتز بنقل الكلمات، بل سعت إلى تقديم صورة شاملة ومعبرة عن حياة هؤلاء الأطفال بعد الفقدان، وهو ما جعل هذا العمل أكثر عمقاً وتأثيراً على القراء.
يتناول الكتاب مجموعة من المواضيع المحورية المتعلقة بفقدان أحد الوالدين، مثل الشعور بالحزن، الوحدة، المسؤوليات الجديدة التي قد تقع على عاتق الأطفال، وكذلك كيفية التعامل مع الذكريات والمؤسسات الاجتماعية مثل المدارس والأصدقاء. يعكس كل طفل من الأطفال المشاركين في الكتاب تجربة فريدة من نوعها، ولكنها تجمعهم جميعًا مشاعر مشتركة من الحزن والأسى، إلى جانب الرغبة في التكيف مع الوضع الجديد في حياتهم.
من خلال تقديم أصوات الأطفال أنفسهم، يتيح الكتاب للقارئ فرصة فريدة للتعمق في فهم كيف ينظر هؤلاء الأطفال إلى الموت والفقدان. إنه عمل مليء بالحساسية والإنسانية، يبرز قوة الأطفال في مواجهة أصعب المواقف التي قد تواجههم في حياتهم.
هذا الكتاب يعد إضافة قيمة في مجال الدراسات المتعلقة بالحزن والفقدان، حيث يقدم نظرة نادرة ومباشرة من قلب التجربة الشخصية للأطفال. كما أنه يعد مرجعًا هامًا للعائلات التي تمر بتجارب مشابهة، ولمقدمي الرعاية والمعلمين الذين يتعاملون مع الأطفال في هذه الظروف الصعبة.
من الناحية النقدية، تلقى الكتاب إشادات واسعة لقدرته على التعامل مع موضوع معقد وحساس بمثل هذا القدر من الصدق والشفافية. إن الأسلوب الذي اختارته كريمنتز في عرض هذه التجارب، من خلال الجمع بين النص والصورة، أضاف بعداً بصرياً قوياً للنصوص المكتوبة وجعل من السهل على القراء، سواء كانوا بالغين أم أطفالاً، فهم وتقدير المشاعر التي يعيشها الأطفال الذين فقدوا أحد والديهم.
في النهاية، يبقى “كيف يشعر الطفل عندما يموت أحد الوالدين” عملاً ملهماً ومؤثراً يسهم في فتح النقاش حول كيفية دعم الأطفال الذين يمرون بتجارب مشابهة، ويساعد في نشر الوعي حول أهمية التعاطف والاهتمام بمشاعر الأطفال في مثل هذه الظروف الصعبة.