كيف يرفع الله البلاء؟
البلاء هو اختبار من الله تعالى للعباد، وهو جزء من سنن الحياة التي لا مفر منها. قد يأتي البلاء في صور عديدة، سواء كانت مصائب شخصية، اجتماعية، اقتصادية، أو صحية. قد يكون البلاء فتنةً للإنسان، أو محنةً، أو امتحاناً من الله لزيادة الإيمان واليقين، أو فرصة لتطهير النفس ورفع الدرجات. لكن السؤال الذي يظل يطرح نفسه لدى كثير من المسلمين: كيف يرفع الله البلاء؟ وما هي السُبل التي يمكن للعبد أن يسلكها لرفع البلاء؟ في هذا المقال، سوف نتناول مفهوم البلاء في الإسلام، وكيف يرفع الله البلاء، استنادًا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، والأدوات التي يقدمها الدين لتجاوز هذه المحن.
مفهوم البلاء في الإسلام
البلاء في الإسلام لا يرتبط فقط بالأزمات أو الكوارث أو الشدائد، بل يتعدى ذلك ليشمل أي نوع من الاختبار الذي قد يواجهه الإنسان. قد يكون البلاء في الصحة، مثل المرض والأوجاع، أو في المال، كالفقر أو الخسارة المالية. يمكن أن يكون أيضًا في العلاقات الاجتماعية، مثل الخلافات الزوجية أو الأزمات العائلية. علاوة على ذلك، قد يكون البلاء في النفس، مثل الصراع الداخلي، الشكوك، أو القلق.
الله سبحانه وتعالى ذكر البلاء في القرآن الكريم في آيات متعددة، مثل قوله تعالى:
“وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” (الأنبياء: 35)
أي أن البلاء يمكن أن يكون في الشدة أو في الرخاء، في الصحة أو المرض، وفي الغنى أو الفقر، وكل ذلك من باب الامتحان.
أسباب البلاء في حياة المسلم
منذ أن خلق الله الإنسان، جعله في هذا العالم دار ابتلاء واختبار، وقال سبحانه وتعالى:
“الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا” (الملك: 2)
أي أن الحياة الدنيا هي بمثابة اختبار للإنسان، فلا يوجد فرد يعيش بدون بلاء، فكل شيء في الحياة هو محك له، لكن البلاء يتفاوت بين الناس، وقد يختلف على حسب إيمانهم، طاعتهم لله، وحكمته في القضاء والقدر.
من بين الأسباب التي قد تؤدي إلى البلاء:
-
الابتلاء من أجل تطهير الذنوب: كما في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم:
“ما يصيب المسلم من همٍّ ولا حزنٍ، ولا نصبٍ، ولا وصبٍ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّرَ الله بها من خطاياه” (رواه البخاري)
هذا يدل على أن البلاء قد يكون تطهيرًا للإنسان من الذنوب والخطايا، وقد يأتي لتعليم الإنسان أن يراجع نفسه ويستغفر الله. -
ابتلاء لرفع درجات المؤمن: قد يرفع الله درجات المؤمنين في الجنة من خلال البلاء، كما ورد في الحديث النبوي:
“إذا أحب الله قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط” (رواه الترمذي) -
ابتلاء من أجل اختبار قوة الإيمان والصبر: الله سبحانه وتعالى يختبر المؤمنين في صبرهم على البلاء، وقد ورد في القرآن الكريم:
“وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” (الشعراء: 80)
في هذا البلاء، لا يكون المقصود إلحاق الأذى بالعبد، بل هو اختبار لصبره، ويكون هذا البلاء في العادة موقوفًا على فترة من الزمن، ثم يرفعه الله.
كيف يرفع الله البلاء؟
الله سبحانه وتعالى هو الذي يرفع البلاء ويقلب الأمور لصالح عباده الذين يخلصون له في الدعاء، ويصبرون على اختباره. هنا سنتناول بعض السُبل التي تساهم في رفع البلاء بناءً على القرآن الكريم والسنة النبوية:
-
التوبة والرجوع إلى الله:
من أهم الطرق التي يرفع الله بها البلاء هي العودة إلى الله والتوبة الصادقة. إذا تعرض المسلم لبلاء معين، وكان هذا البلاء نتيجة ذنب اقترفه، فإن التوبة والاستغفار هي السبيل الأول للرفع عن هذا البلاء. الله تعالى يقول:
“وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” (الأنفال: 33)
هذه الآية تشير إلى أن استغفار المسلمين يقينًا يؤدي إلى رفع العذاب. -
الدعاء والتوكل على الله:
الدعاء هو من أعظم الأسباب التي ترفع البلاء، فقد ورد في الحديث الشريف:
“لا يُغَيِّرُ قَدَرًا إِلَّا الدُّعَاءُ” (رواه مسلم)
يمكن للعبد أن يلجأ إلى الله بالدعاء في أي وقت، والتوكل عليه في جميع أموره. الله سبحانه وتعالى قريب من عباده، ويحب أن يجيب دعوتهم. لذلك، الدعاء بنية صافية واللجوء إلى الله بإخلاص من أعظم الوسائل لرفع البلاء. -
الصبر على البلاء:
الصبر هو من الصفات التي يحبها الله سبحانه وتعالى. فقد ورد في القرآن الكريم:
“وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” (البقرة: 155)
الصبر على البلاء لا يعني الاستسلام له، بل هو الثبات على المبدأ، واليقين بأن هذا البلاء لا يدوم، وأنه يحمل في طياته حِكمًا عظيمة. المسلم الصابر يرى في كل محنة فرصة للتقرب إلى الله. -
الصدقة والتكافل الاجتماعي:
واحدة من الأسباب التي ترفع البلاء هي إخراج الصدقة. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“داووا مرضاكم بالصدقة” (رواه الترمذي)
إن التصدق ليس فقط وسيلة للتهدئة من آثار البلاء، بل هو أيضًا مصدر من مصادر رفع البلاء عن الإنسان والمجتمع. الصدقة تعكس الرحمة والإحسان، وبهما يرفع الله عن العبد الشدائد. -
العمل الصالح واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم:
من الطرق التي ترفع البلاء عن المسلم هو السير على النهج النبوي والتمسك بأعمال الخير. الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم يقول:
“إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ” (الصف: 4)
العمل الصالح له تأثير بالغ في رفع البلاء عن المسلم، إذ يُقَيِّمُ الإنسان دينه من خلال أفعاله، وبتلك الأعمال المباركة يرفع الله عنهم ما يلاقون من صعوبات.
الدعاء من أجل رفع البلاء
الدعاء هو إحدى الوسائل العظيمة التي يرفع الله بها البلاء. فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف:
“ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة” (رواه الترمذي)
ويمكن للمسلم أن يدعو بأدعية مأثورة في مثل هذه الأوقات، مثل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الشدائد:
“اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل”
أو الدعاء الذي ورد في القرآن:
“رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَاوَأَخْطَأْنَا” (البقرة: 286)
في النهاية
البلاء في حياة الإنسان ليس نهاية الطريق، بل هو بداية جديدة للعودة إلى الله، لتطهير النفوس، وزيادة الإيمان. المسلم الذي يواجه البلاء بالصبر والتوبة والدعاء يرفع الله عنه ما يلقاه من شدائد، ويجعل له من كل همّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا.
