كيف يكون الرجال عندما يمرضون؟
الرجال، كما هو الحال مع أي كائن بشري، يعانون من أعراض المرض ويشعرون بالضعف والحرج في مواجهة مشاعرهم الجسدية والنفسية عندما يصابون بالمرض. ولكن هناك اختلافات كبيرة بين الرجال والنساء في كيفية تعاملهم مع الأمراض. تعددت الأبحاث والدراسات التي تناولت هذا الموضوع، وتوصلت إلى العديد من النتائج المثيرة، التي تُظهر أن استجابة الرجال للأمراض لا تتوقف فقط على الأعراض الجسدية، بل تمتد إلى كيفية تأثير المرض على سلوكهم وعلاقاتهم الاجتماعية.
1. نظرة المجتمع إلى الرجل المريض
منذ فجر التاريخ، كان يُنظر إلى الرجل على أنه العمود الفقري للأسرة والمجتمع. كان الرجل يُتوقع منه أن يكون قويًا وصامدًا أمام المصاعب. لذلك، يُعتبر الرجل المريض في بعض الثقافات رمزًا للضعف، وهذا ينعكس في التوقعات الاجتماعية التي تجعل الرجل يشعر بالكثير من التوتر والضغط عند مرضه. في هذه السياقات، يُحظر على الرجل التعبير عن ضعفه أو معاناته، مما قد يؤثر في استجابته المرضية ويجعلها أكثر حدة.
2. الرجل والمرض: التفاعل الجسدي والنفسي
من المعروف أن الرجال لا يتعاملون مع الأمراض بنفس الطريقة التي تتعامل بها النساء. الدراسات تشير إلى أن الرجال قد يكونون أقل اهتمامًا بالأعراض في مراحلها المبكرة، مما يؤدي إلى التأخير في استشارة الطبيب أو العلاج. وتُظهر الأبحاث أن الرجال يُظهرون ترددًا في زيارة الطبيب بسبب الشعور بالخجل أو الخوف من السخرية، أو ببساطة لأنهم لا يرغبون في “إضاعة الوقت” في أمر يبدو لهم غير مهم.
هذا التأجيل في الذهاب إلى الطبيب أو تجاهل الأعراض يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المرض، سواء كان مرضًا جسديًا أو نفسيًا. في كثير من الحالات، عندما يصاب الرجل بمرض، خاصة إذا كان مرضًا طفيفًا، قد يُظهر سلوكًا يشير إلى أنه يبالغ في معاناته، مما يُشبه حالة تعرف بـ “مرض الرجل الزائف”. يظهر هذا عادة في الأمراض التي ليس لها أعراض خطيرة في البداية مثل البرد أو الإنفلونزا، حيث يُنظر إلى الرجل على أنه يتصرف وكأن حالته خطيرة جدًا، مما قد يُعتبر أمرًا محيرًا للأشخاص من حوله.
3. الرجل والمرض النفسي
بالنسبة للأمراض النفسية، مثل القلق أو الاكتئاب، قد يواجه الرجال تحديات إضافية تتعلق بالقبول الاجتماعي. قد يشعر الرجال بالخجل من الاعتراف بمشاعرهم الداخلية أو طلب الدعم النفسي، بسبب الموروثات الثقافية التي تربط الرجولة بالقوة العاطفية والتحمل. لذلك، كثيرًا ما يواجه الرجال صعوبة في التحدث عن مشاعرهم النفسية أو في طلب المساعدة حينما يعانون من القلق أو الاكتئاب.
في بعض الحالات، يُظهر الرجال ميلًا إلى استخدام طرق غير صحية للتعامل مع التوتر النفسي، مثل تعاطي الكحول أو المواد المخدرة، بدلاً من طلب العلاج النفسي أو الاستشارة المهنية. قد تُظهر بعض الأبحاث أن الرجال يعبرون عن القلق أو الاكتئاب بشكل مختلف عن النساء، حيث يكثر لديهم أعراض جسدية مثل الألم المزمن أو اضطرابات النوم، بدلاً من الأعراض النفسية التقليدية مثل الحزن أو الفقدان العاطفي.
4. المرض والتفاعل العاطفي عند الرجل
من المعروف أن الرجل لا يظهر عواطفه بسهولة مثل النساء. وعليه، فإن تعبيره عن الألم أو المرض غالبًا ما يكون محدودًا. قد يتجنب الرجل التحدث عن مشاعره أو عن حجم الألم الذي يشعر به، خوفًا من أن يُنظر إليه على أنه ضعيف. في كثير من الحالات، قد يفضل الرجل أن يتحمل الألم في صمت، أو ربما يبالغ في معاناته ليحظى ببعض الاهتمام والرعاية. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أنه لا يشعر بالخوف أو القلق، بل ببساطة أن لديه أسلوبًا مختلفًا في التعبير عن تلك المشاعر.
هذه الظاهرة تتجلى في العديد من الثقافات التي تمجد الخصائص “الرجولية” مثل القوة، التحمل، والقدرة على العمل تحت الضغوط. وعليه، فإن الرجل قد يتجنب التعبير عن الحاجة إلى المساعدة أو الدعم عند المرض، حتى وإن كان يعاني.
5. أثر المرض على علاقات الرجل
تؤثر الأمراض على العلاقات الاجتماعية للرجل بطرق متعددة. عندما يمرض الرجل، قد يشعر بميل للانعزال عن الآخرين بسبب حاجته للشعور بالاستقلالية. كما أن العلاقة مع الشريك قد تتأثر أيضًا، حيث قد يختار الرجل إخفاء مرضه أو تجنب الحديث عنه خوفًا من أن يُنظر إليه على أنه ضعيف أو غير قادر على الوفاء بمهامه.
من جانب آخر، يُظهر بعض الرجال ردة فعل مختلفة عند المرض، حيث يصبحون أكثر حاجة للدعم العاطفي من شريكتهم أو أفراد الأسرة، ويظهرون ذلك بطرق قد تكون غير معتادة بالنسبة لهم. هذه التحولات في السلوك يمكن أن تكون مفاجئة لأفراد العائلة، خاصةً إذا كانوا قد اعتادوا على رؤية الرجل قويًا ومستقلاً في حياته اليومية.
6. هل يعاني الرجال أكثر من النساء عندما يمرضون؟
في بعض الدراسات، أظهرت الأبحاث أن الرجال قد يعانون بشكل أكبر من النساء عند المرض، وليس فقط بسبب أعراض المرض، بل بسبب قلة الدعم العاطفي الذي يتلقونه. فبينما قد تجد النساء الدعم من الأصدقاء أو العائلة عندما يصابوا بالمرض، قد يشعر الرجال بالعزلة لعدم رغبتهم في التعبير عن ضعفهم أو طلب المساعدة. هذا يمكن أن يجعل المرض أكثر إرهاقًا لهم، من الناحية النفسية، مقارنة بالنساء.
7. الرجال والأمراض المزمنة
عندما يتعلق الأمر بالأمراض المزمنة، مثل السكري أو أمراض القلب، قد يواجه الرجل تحديات كبيرة في التكيف مع الحالة الصحية الجديدة. يصعب على بعض الرجال قبول هذه الأمراض، وقد يتجاهلون الإرشادات الطبية أو يتأخرون في اتخاذ العلاج المناسب. هذه المواقف يمكن أن تزيد من تفاقم الحالة الصحية وتؤثر على نوعية الحياة.
8. كيفية دعم الرجل أثناء المرض
إن دعم الرجل أثناء مرضه يتطلب فهمًا عميقًا لطبيعته الاجتماعية والعاطفية. لا ينبغي تجاهل مشاعره أو فرض الكثير من الرعاية عليه بشكل مفرط، بل يجب تقديم الدعم بهدوء وبدون الإشارة إلى ضعفه أو حاجة له في المساعدة. إن تقديم بيئة مريحة حيث يشعر الرجل بالقبول، دون الضغط عليه ليعبر عن مشاعره، يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير في عملية شفائه.
9. الختام
في الختام، من الواضح أن الرجال يتعاملون مع المرض بطرق معقدة ومتنوعة، تجمع بين جوانب من القوة والضعف، الرغبة في الاستقلالية والخوف من العجز. وعلى الرغم من أن الكثير من الرجال لا يُظهرون مشاعرهم بوضوح عند المرض، إلا أن ذلك لا يعني أنهم لا يحتاجون إلى الدعم والرعاية. وتُظهر الدراسات أن الرجال قد يعانون أكثر عندما لا يجدون الدعم الكافي، مما يؤكد أهمية توفير بيئة تشجعهم على التعبير عن احتياجاتهم الجسدية والنفسية.
