كيف تتوقف عن تعدد المهام؟

تعدّد المهام هو أحد السلوكيات التي أصبح الكثير من الناس يمارسونها في حياتهم اليومية، سواء في العمل أو في الحياة الشخصية. فالكثيرون يعتقدون أن القدرة على القيام بعدة مهام في وقت واحد هو دليل على الكفاءة والفعالية. إلا أن الحقيقة العلمية تشير إلى أن تعدّد المهام قد يؤدي إلى تراجع الأداء والتركيز، ويزيد من مستوى التوتر والإجهاد. وبالتالي، أصبح من الضروري فهم كيف يمكن التوقف عن تعدد المهام والتركيز على إنجاز مهمة واحدة بكفاءة عالية. في هذا المقال، سوف نستعرض الأسباب التي تجعل التوقف عن تعدد المهام أمراً ضرورياً، وكيفية القيام بذلك بطرق علمية وعملية.

1. لماذا نميل إلى تعدد المهام؟

إن الإنسان بطبيعته يحب التحديات ويسعى لإثبات قدراته على التعامل مع عدة مهام في وقت واحد. ومع تقدم التكنولوجيا، أصبح الوصول إلى المعلومات وتنفيذ الأنشطة المتعددة في نفس الوقت أمراً سهلاً. يمكن لأي شخص أن يعمل على كتابة تقرير في الوقت الذي يرد فيه على رسائل البريد الإلكتروني، أو يشاهد التلفاز بينما يتناول الطعام، أو يشارك في محادثات متعددة عبر تطبيقات مختلفة في نفس الوقت.

لكن رغم هذه القدرة على تعدد المهام، أظهرت الدراسات أن الدماغ البشري لا يستطيع التركيز بشكل فعّال على أكثر من مهمة واحدة في الوقت ذاته. وعندما نظن أننا ننجز أكثر من شيء في وقت واحد، في الواقع نكون فقط نقوم بتبديل التركيز بين المهام بشكل سريع، مما يؤثر سلباً على الكفاءة ويزيد من احتمالية الأخطاء.

2. الآثار السلبية لتعدد المهام

يؤدي تعدد المهام إلى عدة مشاكل صحية وعقلية، من أبرزها:

• فقدان التركيز والإنتاجية: عندما تحاول القيام بعدة مهام في وقت واحد، يتم تشتيت انتباهك، ما يجعل من الصعب إتمام أي مهمة بكفاءة. في النهاية، قد تجد أنك لم تنجز أي شيء بشكل كامل.

• الإجهاد العقلي: ينتج عن تعدد المهام إجهاد ذهني كبير بسبب الجهد المتواصل في التحول بين المهام المختلفة. هذا يؤدي إلى زيادة التوتر والضغط العصبي.

• التأثير على الذاكرة: تعدد المهام قد يؤثر على قدرتك على تذكر المعلومات. فقد وجدت الدراسات أن الأشخاص الذين يكثرون من تعدد المهام يعانون من انخفاض في الذاكرة طويلة المدى.

• تدهور جودة العمل: بسبب تقسيم التركيز بين المهام المختلفة، تصبح جودة العمل في كل مهمة أقل مقارنة لو كنت قد خصصت وقتاً كاملاً لكل واحدة.

3. كيف يمكن التوقف عن تعدد المهام؟

القرار بالتوقف عن تعدد المهام هو خطوة هامة نحو تحسين الإنتاجية والصحة النفسية. وفيما يلي بعض الطرق التي يمكن أن تساعد في تقليل هذه العادة:

3.1 تبني نهج التركيز الكامل (Single-tasking)

أولى خطوات التوقف عن تعدد المهام هي تبني مبدأ التركيز على مهمة واحدة فقط في كل مرة. يعني ذلك أنه عليك تخصيص وقت محدد للقيام بكل مهمة على حدة، دون تشتيت الانتباه بأي نشاط آخر. يمكن أن يكون استخدام تقنيات مثل “تقنية بومودورو” مفيداً هنا، حيث تعمل على مهمة واحدة لمدة 25 دقيقة، تليها فترة استراحة قصيرة.

3.2 إعداد بيئة العمل المناسبة

إذا كنت تعمل في بيئة مليئة بالمشتتات، فإن فرص نجاحك في تقليل تعدد المهام تصبح أقل. قم بتحديد مساحة عمل خالية من الانقطاعات، مثل إغلاق إشعارات البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي أثناء العمل. كما يُنصح باستخدام سماعات رأس عازلة للضوضاء إذا كنت تعمل في مكان غير هادئ.

3.3 استخدام الأدوات التكنولوجية بحذر

في الوقت الذي تسهل فيه التكنولوجيا حياتنا، فهي قد تكون أيضاً مصدرًا للمشتتات. استخدم التطبيقات التي تساعد على تحسين الإنتاجية بدلاً من تلك التي تشتت انتباهك. على سبيل المثال، يمكنك استخدام تطبيقات مثل “Forest” أو “Focus@Will” للمساعدة في الحفاظ على تركيزك.

3.4 إعطاء الأولوية للمهام

تحديد الأولويات هو أحد المفاتيح لتقليل تعدد المهام. بدلاً من محاولة إتمام جميع المهام في وقت واحد، قم بتحديد أهم المهام التي تحتاج إلى إتمامها أولاً، ثم قم بتخصيص الوقت الكافي لها. يجب أن تضع مهامك في ترتيب تنازلي بناءً على الأولوية، سواء كان ذلك وفقاً للمواعيد النهائية أو الأهمية.

3.5 ممارسة الوعي الذاتي (Mindfulness)

تعتبر تقنيات الوعي الذاتي مثل التأمل والتنفس العميق من الطرق الفعّالة في تقليل التوتر الناتج عن تعدد المهام. ممارسة الوعي الذاتي يمكن أن تساعدك في تحديد اللحظات التي تميل فيها إلى الانشغال بالعديد من الأمور في وقت واحد، ومن ثم تعلم كيفية العودة إلى المهمة التي تقوم بها.

3.6 التعامل مع الفوضى الداخلية

غالباً ما يكون تعدد المهام ناتجاً عن القلق أو الشعور بأن هناك الكثير من الأشياء التي يجب القيام بها في وقت واحد. تعلم كيفية التعامل مع الفوضى الداخلية وتنظيم الأفكار يمكن أن يساعد في تقليل رغبتك في الانشغال بالعديد من الأمور. يمكنك استخدام تقنيات مثل الكتابة أو وضع قائمة مهام لتوضيح أولوياتك بشكل أفضل.

3.7 التعامل مع المسؤوليات بشكل واقعي

قد يكون جزء من الدافع وراء تعدد المهام هو الشعور بأنك مطالب بالقيام بالكثير من الأشياء في وقت واحد. لتجنب هذا، يجب أن تكون واقعيًا في تقديرك للوقت والموارد المتاحة لديك. لا تتردد في تفويض المهام التي يمكن للآخرين القيام بها، ولا تشعر بالذنب إذا لم تتمكن من إتمام كل شيء في نفس الوقت.

3.8 الراحة والتوقف عن العمل

من أهم الأمور التي يجب مراعاتها هي أخذ فترات راحة. يعمل الكثير من الناس في بيئات مليئة بالتوتر والمطالب، ولكن التوقف عن العمل بين الحين والآخر هو جزء أساسي من القدرة على إنجاز الأعمال بفعالية. تذكر أن العقل يحتاج إلى استراحة من وقت لآخر، وبالتالي فإن أخذ قسط من الراحة يساعد في تجديد الطاقة والتركيز.

4. التوقف عن تعدد المهام: رحلة نحو الإنتاجية الفعّالة

إيقاف عادة تعدد المهام لا يحدث بين عشية وضحاها. يتطلب الأمر تدريباً مستمراً وممارسة لزيادة الوعي الذاتي. من خلال تحديد الأولويات، توفير بيئة عمل مناسبة، واستخدام تقنيات التركيز، يمكن للمرء أن يحقق توازناً بين إنتاجيته وراحته النفسية. فالتوقف عن تعدد المهام لا يعني تقليل الإنجاز بل يعني إتمام المهام بشكل أكثر فعالية وجودة.

على الرغم من أن تعدد المهام قد يكون جزءاً من ثقافة العمل الحديثة، إلا أن الأبحاث تشير إلى أن التركيز على مهمة واحدة في كل مرة هو أكثر فاعلية من محاولة القيام بكل شيء في نفس الوقت. مع الالتزام بهذه الاستراتيجيات والوعي بمزاياها، يمكن لأي شخص التوقف عن تعدد المهام وتعزيز إنتاجيته بشكل أكثر استدامة.