تكاثر الدجاج: دورة الحياة والأنظمة البيولوجية

يعدّ تكاثر الدجاج من العمليات البيولوجية المعقدة التي تجمع بين الجوانب التشريحية والسلوكية والبيئية لضمان استمرار النوع. ينتمي الدجاج إلى الطيور الداجنة التي تتبع رتبة الدجاجيات، ويعتبر من أهم مصادر الغذاء للإنسان سواء من حيث إنتاج البيض أو اللحوم. لفهم آلية تكاثر الدجاج بشكل دقيق، لا بد من دراسة المراحل التفصيلية التي تبدأ من التزاوج مروراً بتكوين البيضة، ثم حضانتها، وانتهاءً بفقس الصوص وتربيته حتى مرحلة البلوغ.

التركيب التشريحي لجهاز التكاثر في الدجاج

يتكون الجهاز التناسلي في الدجاج من أعضاء متخصصة لكل من الذكر (الديك) والأنثى (الدجاجة)، وكل منهما يؤدي دوراً محدداً في عملية التكاثر.

الجهاز التناسلي للديك

يحتوي الجهاز التناسلي للديك على خصيتين تقعان داخل تجويف الجسم بالقرب من الكليتين، وهما المسؤولتان عن إنتاج الحيوانات المنوية. يمتلك الديك قناة منوية تنقل الحيوانات المنوية إلى فتحة المجمع، وهي الفتحة الوحيدة التي يتم عبرها الإخراج والتزاوج. لا يمتلك الديك عضواً تناسلياً خارجياً مثل الثدييات، بل يحدث التزاوج من خلال تلامس فتحات المجمع عند الذكر والأنثى فيما يعرف بعملية “التقبيل التناسلي”.

الجهاز التناسلي للدجاجة

يتكون الجهاز التناسلي للدجاجة من مبيض وقناة بيض. عادةً ما يكون لدى الدجاجة مبيض واحد نشط على الجهة اليسرى، وهو المسؤول عن إنتاج البويضات. قناة البيض تنقسم إلى عدة أقسام وهي القمع، والجزء العلوي، والبرزخ، والرحم، والمهبل. كل جزء من هذه الأجزاء يؤدي وظيفة محددة في تكوين البيضة بدءاً من التقاط البويضة وحتى تشكيل القشرة.

عملية التزاوج عند الدجاج

تبدأ عملية التكاثر عندما يبلغ الديك والدجاجة مرحلة النضج الجنسي. عند البلوغ، يبدأ الديك في إصدار أصوات مميزة (صياح) لجذب الإناث ويؤدي بعض الحركات مثل فرد الأجنحة والقيام برقصة تزاوج لجذب الدجاجة.

عند قبول الدجاجة للديك، يقوم الديك بالقفز فوق ظهر الدجاجة ويحدث تلامس بين فتحتي المجمع لنقل الحيوانات المنوية. تستغرق هذه العملية بضع ثوانٍ، لكن يمكن أن تحتفظ الدجاجة بالحيوانات المنوية داخل قناة البيض لفترة تمتد حتى أسبوعين، مما يسمح بتلقيح عدة بويضات من تزاوج واحد.

مراحل تكوين البيضة بعد التلقيح

التقاط البويضة

تبدأ رحلة تكوين البيضة عندما يتم تحرير البويضة من المبيض ويتم التقاطها بواسطة القمع. في هذه المرحلة، إذا كانت الحيوانات المنوية موجودة، يتم تخصيب البويضة مباشرة.

تكوين بياض البيضة

في الجزء العلوي من قناة البيض، يتم إفراز طبقات البياض حول البويضة المخصبة، وتستمر هذه المرحلة لفترة قصيرة لكنها أساسية في تكوين محتويات البيضة.

تكوين الأغشية

في منطقة البرزخ، تتكون الأغشية الداخلية للبيضة التي تحيط بالبياض وتلعب دوراً في حماية الجنين.

تكوين القشرة

في منطقة الرحم، يتم تشكيل قشرة البيضة التي تحتوي على الكالسيوم وتستمر هذه العملية حوالي 20 ساعة. تعطي القشرة للبيضة صلابتها وتحمي الجنين بداخلها.

خروج البيضة

تمر البيضة بعد ذلك إلى المهبل ومنه إلى الخارج عبر فتحة المجمع، حيث يتم وضع البيضة في النهاية.

الفرق بين البيض المخصب وغير المخصب

في حالة وجود تزاوج حديث بين الديك والدجاجة، يتم تلقيح البويضة وتنتج البيضة المخصبة التي تحتوي على جنين يمكن أن ينمو إذا وُضعت في ظروف حضانة مناسبة. أما البيض غير المخصب فهو الذي تنتجه الدجاجة دون وجود تزاوج، ولا يحتوي على أي جنين، وهو البيض الأكثر شيوعاً في الأسواق التجارية.

الحضانة وتطور الجنين

بعد وضع البيضة المخصبة، تبدأ مرحلة الحضانة التي تستمر حوالي 21 يوماً حتى يفقس الصوص. يمكن أن تكون الحضانة طبيعية عبر جلوس الدجاجة على البيض وتوفير الحرارة اللازمة، أو صناعية باستخدام أجهزة الحضانة التي تضبط الحرارة والرطوبة بدقة.

مراحل تطور الجنين

1. اليوم الأول حتى الثالث: يبدأ الجنين في التشكل وتكوين الجهاز الدوري والأوعية الدموية.

2. اليوم الرابع حتى السابع: تتطور الأطراف وتبدأ الأعضاء الحيوية بالظهور.

3. اليوم الثامن حتى الرابع عشر: ينمو الجنين بشكل متسارع وتبدأ ملامحه في التكون بوضوح.

4. اليوم الخامس عشر حتى العشرين: يتكامل نمو الريش والأطراف ويصبح الجنين جاهزاً للفقس.

5. اليوم الحادي والعشرين: يقوم الصوص بثقب قشرة البيضة باستخدام منقاره الخاص حتى يخرج إلى الحياة.

العوامل المؤثرة في نجاح الحضانة

تتطلب الحضانة شروطاً دقيقة لضمان نجاح عملية الفقس، وتشمل هذه العوامل:

• درجة الحرارة: يجب أن تكون ثابتة عند 37.5 درجة مئوية طوال فترة الحضانة.

• الرطوبة النسبية: تتراوح بين 50-55% في بداية الحضانة وتزداد إلى 65% في الأيام الأخيرة لتسهيل عملية الفقس.

• تقليب البيض: يتم تقليب البيض يدوياً أو آلياً عدة مرات يومياً لمنع التصاق الجنين بقشرة البيضة.

• التهوية الجيدة: ضرورية لتوفير الأوكسجين والتخلص من ثاني أكسيد الكربون.

رعاية الصيصان بعد الفقس

بعد الفقس، تكون الصيصان بحاجة إلى بيئة دافئة ومستقرة لضمان نموها الصحي. يتم وضعها في أماكن تعرف باسم “التحضين” وتكون مجهزة بمصادر حرارة مثل المصابيح الخاصة.

يتم تزويد الصيصان بأعلاف خاصة غنية بالبروتين والمعادن لدعم النمو السريع، كما يجب توفير مياه نظيفة بصفة مستمرة. مع تقدم العمر، يتم تغيير النظام الغذائي تدريجياً إلى أعلاف النمو ثم أعلاف الإنتاج في حالة الإناث.

دور التربية الانتقائية في تحسين تكاثر الدجاج

مارست البشرية على مدى قرون تربية انتقائية للدجاج بهدف تحسين الصفات الإنتاجية سواء من حيث كمية البيض أو جودة اللحم. وقد أدت هذه العمليات إلى ظهور العديد من السلالات التي تتخصص في أحد الجانبين: إنتاج البيض أو إنتاج اللحم.

تسهم التربية الانتقائية أيضاً في تطوير صفات مثل سرعة النمو، مقاومة الأمراض، وحسن التأقلم مع الظروف البيئية المختلفة. كما يتم انتقاء ذكور ذات خصوبة عالية وإناث ذات قدرة بيض مرتفعة لضمان تحسين الصفات الوراثية في الأجيال القادمة.

الجدول التفصيلي لمراحل تكاثر الدجاج

العوامل الوراثية وتأثيرها على التكاثر

تلعب العوامل الوراثية دوراً جوهرياً في تحديد جودة التكاثر لدى الدجاج. هناك جينات مسؤولة عن الخصوبة، سرعة النمو، إنتاج البيض، مقاومة الأمراض، وسلوكيات الحضانة. يقوم المربون باختيار الطيور التي تحمل هذه الصفات لتحسين الإنتاجية في الأجيال القادمة.

كما أن التهجين بين السلالات المختلفة يمكن أن يعزز من التنوع الوراثي ويؤدي إلى إنتاج أفراد تتمتع بصفات محسنة تعرف باسم “قوة الهجين”، حيث يتميز الجيل الناتج بسرعة نمو أعلى وإنتاجية أفضل.

تأثير العوامل البيئية على تكاثر الدجاج

لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي تلعبه العوامل البيئية في عملية التكاثر. من أبرز هذه العوامل:

• الإضاءة: طول فترة الإضاءة اليومية يؤثر بشكل مباشر على نشاط الجهاز التناسلي للدجاج. فزيادة ساعات الضوء تحفز إنتاج البيض.

• التغذية: التغذية الجيدة التي تحتوي على نسب متوازنة من البروتين، الكالسيوم، والفيتامينات ضرورية لتحفيز التكاثر.

• درجات الحرارة: التعرض لدرجات حرارة معتدلة يعزز من كفاءة التكاثر، بينما تؤثر الحرارة المرتفعة أو المنخفضة سلباً على الأداء التناسلي.

• الضغوط البيئية: مثل التزاحم، نقص التهوية، والأمراض يمكن أن تؤدي إلى انخفاض الخصوبة وإنتاج البيض.

الخلاصة العلمية

يتكاثر الدجاج وفق نظام بيولوجي متكامل يعتمد على تفاعل معقد بين العوامل الوراثية، التشريحية، والبيئية. تبدأ الدورة من التزاوج وتلقيح البويضات، ثم تمر بمراحل تكوين البيضة، حضانتها، ونمو الجنين حتى الفقس. تحتاج هذه العملية إلى شروط دقيقة تشمل درجة الحرارة، الرطوبة، التغذية، والإضاءة لتحقيق أعلى معدلات نجاح في التكاثر. من خلال فهم تفاصيل هذه الدورة يمكن للمربين تحسين إنتاجهم والارتقاء بجودة تربية الدواجن سواء بهدف إنتاج البيض أو اللحوم.

المراجع

• كتاب علم الطيور الداجنة – د. محمد زغلول

• Poultry Science Journal – Taylor & Francis Online