كيف أتعامل مع شخص عنيد؟
تتسم بعض الشخصيات بالعناد، وهو صفة قد تبدو صعبة التعامل معها، خصوصاً في الأوقات التي يتطلب فيها الموقف التفاهم والتعاون. قد يسبب العناد مشاعر التوتر والقلق لدى من حول الشخص العنيد، خاصة إذا كانت المحاولات المستمرة لإقناعه تبوء بالفشل. لكن، من الممكن إدارة هذه العلاقة والتعامل مع الشخص العنيد بطريقة أكثر فعالية إذا فهمنا الأسباب التي تكمن وراء سلوكه واتباع استراتيجيات مدروسة لاحتوائه.
تعريف العناد:
العناد هو سمة من سمات الشخصية تتجلى في إصرار الفرد على موقفه أو آرائه بغض النظر عن الأدلة أو الحجج التي قد تقدم له، وفي بعض الحالات، قد يتخذ العناد شكلًا مفرطًا يؤدي إلى تصعيد الخلافات والصراعات. العناد ليس بالضرورة صفة سلبية؛ فقد يكون دليلاً على الإصرار والتمسك بالمبادئ، لكنه قد يصبح مشكلة عندما يتحول إلى رفض مطلق للنقاش أو التفاهم.
أسباب العناد:
-
الثقة بالنفس الزائدة: بعض الأشخاص العنيدين يعتقدون أن آرائهم ومعتقداتهم هي الأفضل، وبالتالي يصبحون غير قادرين على تقبل آراء الآخرين أو تغيير مواقفهم حتى في وجود أدلة قوية تدحض حججهم.
-
الخوف من الفشل: قد يكون العناد وسيلة دفاعية لدى بعض الأشخاص لمواجهة الخوف الداخلي من الفشل أو الفقدان. فهم يظنون أن التمسك برأيهم هو الطريقة الوحيدة للحفاظ على مكانتهم أو احترامهم الذاتي.
-
الرغبة في السيطرة: بعض الأشخاص العنيدين يعتقدون أن السيطرة على المواقف والأشخاص المحيطين بهم هي وسيلة لتحقيق الأمن الشخصي. قد يظهر هذا العناد في محاولاتهم المستمرة لتوجيه القرارات أو التأثير على الأحداث.
-
التجارب السابقة: الأشخاص الذين مروا بتجارب سابقة أظهرت لهم أهمية التمسك بمواقفهم قد يتطور لديهم شعور بالعناد كآلية دفاعية. فقد يعتقدون أن تعديل آرائهم سيجعلهم أكثر ضعفًا.
-
الاختلافات الثقافية أو البيئية: قد يتخذ العناد شكلًا ثقافيًا أو اجتماعيًا في بعض الحالات، إذ يكون جزءًا من الهوية الثقافية للشخص أو المجموعات التي ينتمي إليها. في هذه الحالة، يصبح العناد تعبيرًا عن الانتماء إلى مجموعة معينة.
كيفية التعامل مع الشخص العنيد:
التعامل مع الأشخاص العنيدين يتطلب الصبر، والقدرة على فهم دوافعهم، واستخدام بعض الأساليب التي تساعد في تخفيف حدة التوتر وتحقيق التفاهم. فيما يلي بعض الاستراتيجيات الفعّالة التي يمكن أن تساعد في التعامل مع الشخص العنيد:
1. التحدث بهدوء واستماع جيد:
أحد الأساليب الأساسية في التعامل مع الشخص العنيد هو التحدث بهدوء، مع تجنب التوتر أو رفع الصوت. عندما تكون في حوار مع شخص عنيد، عليك أن تبين له احترامك لوجهة نظره، وتستمع بعناية لما يقوله. الاستماع الجيد يظهر له أنك لا تسعى لإجباره على تغيير رأيه، بل أنك مهتم برؤية الأمور من وجهة نظره. هذا يفتح المجال للحوار ويقلل من المقاومة.
2. تقديم الأدلة بلطف:
عندما يناقش الشخص العنيد مسألة ما، يمكن أن يكون من المفيد تقديم الأدلة المنطقية والموضوعية التي تدعم موقفك. لكن، يجب تقديم هذه الأدلة بلطف وبدون إلحاح. من الأفضل عدم الضغط عليه لقبول هذه الأدلة في اللحظة نفسها. قد يستغرق الشخص العنيد وقتًا أطول لتغيير رأيه، وقد يحتاج إلى التفكير بعمق قبل أن يتقبل الفكرة.
3. استخدام أسلوب “الأسئلة المفتوحة”:
الأسئلة المفتوحة، التي تستدعي التفكير والنقاش بدلاً من الإجابة القصيرة، هي أداة فعّالة في التعامل مع الشخص العنيد. من خلال هذه الأسئلة، يمكن أن تفتح المجال أمام الشخص لعرض المزيد من آرائه، وفي الوقت نفسه، تخلق بيئة من الحوار البناء بدلاً من المواجهة. على سبيل المثال، يمكن سؤاله: “كيف ترى الحل الأمثل لهذه المشكلة؟” أو “ماذا تعتقد إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى؟”.
4. تقليل المواجهات المباشرة:
في بعض الأحيان، قد تؤدي المواجهات المباشرة مع الشخص العنيد إلى تفاقم الوضع. بدلاً من محاولات الإجبار على تغيير رأيه في كل مرة، قد يكون من الأفضل تجنب الدخول في مناقشات حادة ومباشرة. احرص على الانتظار حتى يكون الشخص أكثر استعدادًا للاستماع والتفاعل بشكل بناء.
5. تعزيز العلاقة على مستوى شخصي:
إذا كنت تتعامل مع شخص عنيد بشكل مستمر (مثل الزملاء في العمل أو أفراد العائلة)، من المهم أن تعمل على تعزيز العلاقة معه على مستوى شخصي. عندما يشعر الشخص العنيد بالاحترام والتقدير في الجوانب الأخرى من الحياة، فإنه قد يصبح أكثر استعدادًا لقبول الآراء والنصائح في المواقف الصعبة.
6. تحديد الأولويات:
لا يجب أن تسعى دائمًا لإقناع الشخص العنيد في كل قضية. حدد الأولويات في المواقف التي تستدعي تدخلًا، وتجنب الخوض في مساجلات غير ضرورية على قضايا غير ذات أهمية. إذا كان النقاش لا يؤدي إلى نتيجة بنّاءة، فمن الأفضل تركه والتركيز على المواضيع التي تهمك بشكل أكبر.
7. تقديم الخيارات بدلاً من الإملاء:
في بعض الحالات، قد يساعد تقديم الخيارات للشخص العنيد بدلاً من فرض الحلول عليه. بدلاً من إخبار الشخص بما يجب فعله، يمكنك أن تعرض له عدة بدائل وتترك له الخيار في اتخاذ القرار. هذه الطريقة تعطي الشخص العنيد شعورًا بالسيطرة على الوضع، مما يقلل من تمسكه برفض الحلول المقترحة.
8. الصبر والتسامح:
أحد أهم العناصر في التعامل مع الشخص العنيد هو الصبر. في بعض الأحيان، قد يحتاج الشخص العنيد إلى وقت طويل للتفكير وتغيير رأيه. في هذا السياق، من المهم أن تكون صبورًا ومستعدًا لإعطاء الشخص الوقت الذي يحتاجه لتطوير قناعاته الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون متسامحًا في حال حدوث أي خلافات، والتزامك بالهدوء يساعد على تعزيز التفاهم والتقارب بينكما.
9. تجنب المواجهات غير الضرورية:
إذا كنت على دراية أن النقاش مع الشخص العنيد لن يؤدي إلى نتيجة إيجابية، فمن الأفضل تجنب المواجهة. أحيانًا، يكون من الحكمة عدم الانخراط في نقاشات قد تؤدي إلى تعقيد الأمور. عليك أن تختار المعارك التي تستحق العناء، وأن تركز على القضايا التي من الممكن أن تحقق فيها تفاهمًا حقيقيًا.
10. اللجوء إلى وسيط:
في بعض الحالات، قد يكون من الأفضل اللجوء إلى طرف ثالث محايد (مثل مستشار أو خبير في المجال) لحل الخلافات مع الشخص العنيد. الوسيط يمكن أن يقدم رأيًا محايدًا ويساعد في إدارة الحوار بطريقة تساهم في التوصل إلى حلول مرضية للطرفين.
خاتمة:
التعامل مع شخص عنيد يتطلب تفهمًا وصبرًا. من خلال اتباع استراتيجيات قائمة على الاحترام والمرونة، يمكن تخفيف حدة التوتر بين الطرفين والوصول إلى حلول بنّاءة. لا يمكن تغيير شخصية أحدهم بين عشية وضحاها، لكن مع الوقت والجهد المستمر، قد يتحقق تحسن في سلوك الشخص العنيد.
