كلمة واحدة قد تدمِّر قدرة القادة على التعاطف
القادة في أي منظمة هم الركيزة الأساسية التي تضمن استمرارية ونجاح الفرق التي يقودونها. يمكن أن تكون قدرة القائد على التعاطف مع مرؤوسيه عاملًا حاسمًا في بناء بيئة عمل صحية، مؤثرة، ومبنية على التفاهم المتبادل. غير أن القدرة على التعاطف تتأثر بمجموعة من العوامل النفسية، والاجتماعية، واللغوية. من بين تلك العوامل التي قد تضعف قدرة القادة على التعاطف، هناك كلمة واحدة قد تدمِّر هذا الفهم الأساسي في العلاقة بين القائد ومرؤوسيه، وهذه الكلمة هي “لكن”.
تتمثل أهمية التعاطف في القيادة في فهم مشاعر الآخرين، والقدرة على وضع النفس في مكان الآخر. فالتعاطف ليس فقط فهم ما يشعر به الشخص، ولكن القدرة على التفاعل مع تلك المشاعر بطريقة تدعم النمو الشخصي والمهني. القائد المتعاطف يشجع بيئة عمل تدعم التفاهم، التعاون، والإنتاجية العالية. بينما تؤدي الكلمة “لكن” إلى تعطيل هذه العمليات النفسية والاجتماعية الهامة في علاقة القائد مع مرؤوسيه.
تأثير كلمة “لكن” على القدرة على التعاطف
عند استخدام القادة لكلمة “لكن” في محادثاتهم مع موظفيهم، فإنها قد تخلق فجوة في التواصل وتؤدي إلى تدمير فهم القائد لمشاعر الشخص الآخر. استخدام “لكن” في العبارات هو بمثابة حاجز نفسي يفصل بين الاستماع الفعَّال والاستجابة المساندة، ويحول الحوار من تفاعل تعاطفي إلى نوع من التصحيح أو الرفض. على سبيل المثال، إذا قال القائد: “أفهم شعورك، لكن يجب أن تنجز عملك أسرع”، فإنه في الواقع يعزز الفجوة بين ما يشعر به الموظف وما هو المتوقع منه، ويقلل من قدرة الموظف على التواصل بشكل كامل وفتح قلبه لتبادل المزيد من التفاصيل حول ما يشعر به.
الكلمة “لكن” تقوم بتقويض مشاعر الشخص الآخر، وهي بمثابة إشارة غير لفظية بأن القائد يضع مشاعره أو آرائه فوق مشاعر الموظف. وهذا يرسل رسالة مفادها أن القائد ليس متفهمًا بالقدر الذي يظهره. الموظف الذي يتلقى مثل هذه الرسالة قد يشعر بأن مشاعره غير مهمة، وأن ملاحظاته لا تُؤخذ بعين الاعتبار. هذا يؤدي في النهاية إلى تآكل الثقة بين القائد ومرؤوسيه، حيث يشعر الموظف أن القائد غير مستعد للاستماع له أو أنه يركز فقط على إصلاح الأمور بدلاً من تقديم الدعم والمساندة.
التعاطف في القيادة: أهميته وكيفية تقويته
التعاطف هو إحدى الصفات التي تجعل القائد قادرًا على بناء روابط قوية مع فريقه. عندما يشعر الموظف بأن قادته يفهمون ما يمر به، سواء كان ذلك من تحديات شخصية أو مهنية، فإن ذلك يعزز من مستوى الانتماء والإنتاجية في العمل. القائد المتعاطف لا يحكم على تصرفات الآخرين، بل يتفهم السياق الذي يحيط بها. وهذا يخلق بيئة أكثر شمولية، حيث يكون الموظفون أكثر استعدادًا للعمل بشكل تعاوني مع قادتهم ومع زملائهم.
إحدى الطرق الفعَّالة لتعزيز التعاطف هي استخدام لغة أكثر دعمًا. بدلاً من استخدام “لكن”، يمكن استخدام كلمات وعبارات مثل “أفهم تمامًا ما تشعر به”، أو “أقدر صراحتك في التعبير عن هذه الصعوبة”. هذه العبارات لا تلغي ما يقال، لكنها تظهر الاعتراف بالمشاعر وتقدير الموقف الذي يمر به الشخص الآخر. فالتعاطف الحقيقي لا يعني الموافقة على كل شيء يقوله الشخص الآخر، بل هو الاستماع العميق وتقديم الدعم العاطفي الذي يعزز العلاقة الإنسانية.
كما أن الفهم العميق للمشاعر لا يتم فقط من خلال الكلمات، بل من خلال السلوك والمواقف التي يعبر عنها القائد. عندما يُظهر القائد اهتمامًا حقيقيًا بحالة مرؤوسيه العاطفية والنفسية، فإنه يعزز الشعور بالأمان لديهم، مما يزيد من انفتاحهم وثقتهم في القائد.
تأثير كلمة “لكن” على علاقات العمل في الشركات
تتأثر بيئة العمل بشكل كبير باستخدام القادة لهذه الكلمة البسيطة ولكن المؤثرة. القادة الذين يستخدمون كلمة “لكن” بشكل مستمر في تفاعلاتهم مع الموظفين قد يخلقون بيئة تشعر فيها الفرق بالعجز والإحباط. هذا السلوك يعزز الحواجز بين القائد والفريق، مما يحد من قدرة الموظفين على التعبير عن أنفسهم بشكل كامل.
في الشركات الحديثة، التي تعتمد على التنوع والابتكار، من الأهمية بمكان أن يتمكن القادة من التواصل مع فرقهم بطريقة تشجع على الحوار المفتوح والشفاف. إذا كان القائد لا يظهر التعاطف الكافي، فإن الموظفين قد يشعرون بعدم الاحترام والتجاهل، مما يؤدي إلى تقليل ولائهم وإنتاجهم. أكثر من ذلك، قد تبدأ هذه الثقافة في التأثير على باقي أعضاء الفريق، حيث يتبنى الآخرون أيضًا نفس السلوكيات القاسية أو الغير متعاطفة.
كيف يمكن للقادة تحسين تعاطفهم؟
أول خطوة لتحسين التعاطف هي الوعي الذاتي. يجب على القائد أن يكون مدركًا لأسلوبه في التواصل مع الآخرين، ويتفحص مدى تأثير كلماته على فريقه. التحدث إلى الموظفين باستخدام لغة إيجابية وداعمة يساهم في تحسين العلاقات داخل الفريق، ويعزز من شعور الأمان والرغبة في تحقيق الأهداف المشتركة.
ثانيًا، يجب أن يكون القائد مستعدًا للاستماع بكل انتباه. لا يتعلق الاستماع الجيد فقط بالإنصات للكلمات، بل بإظهار الاهتمام بما يُقال من خلال لغة الجسد والردود المناسبة. القائد الذي يضع نفسه في مكان الموظف ويستمع إلى مشكلاته وأفكاره دون فرض آرائه عليه يكون أكثر قدرة على اتخاذ قرارات تعكس فهمًا عميقًا للوضع.
ثالثًا، ينبغي أن يتعلم القائد تقنيات جديدة لتحفيز الحوار الفعَّال. يمكن استبدال كلمة “لكن” بكلمات مثل “فهمت”، “أقدر”، “نعم، وأعتقد أن هناك أيضًا أبعاد أخرى قد نأخذها بعين الاعتبار”. هذه العبارات تفتح المجال لتواصل أكثر فاعلية وتساعد القائد على الاستمرار في تقديم الدعم للموظف دون إغلاق الباب أمام الفهم الكامل للموقف.
الخاتمة
من المؤكد أن القادة الذين يمتلكون القدرة على التعاطف يحققون بيئة عمل أكثر توازنًا وتفاهمًا. استخدام كلمة “لكن” يمكن أن يدمِّر هذا العنصر الأساسي من العلاقة بين القائد والموظف، حيث يحد من القدرة على التواصل الفعَّال ويؤدي إلى تآكل الثقة. القادة الذين يتبنون أسلوب التواصل القائم على التعاطف، ويستمعون بعناية، ويتجنبون استخدام الكلمات التي تقوِّض مشاعر الآخرين، يخلقون بيئة منظمة أكثر إنتاجية، وتعاونًا، وتفاهمًا.
