“هل لا مكان لي على الأرض؟” هو عنوان الكتاب الذي ألّفته سوزان شيهان، والذي يُعدّ من بين أبرز الأعمال الصحفية التي تعنى بدراسة تجارب الأفراد مع الأمراض النفسية. نُشر هذا الكتاب لأول مرة في مايو عام 1983 عن دار النشر “فينتاج”، ويُعدّ مثالاً على الإلتزام الصحفي العميق في معالجة قضايا الصحة النفسية بطريقة إنسانية وواقعية.
يتناول الكتاب رحلة مؤلمة ومعقدة لشابة ذكية تُدعى سيلفيا فرومكين، التي بدأت تعاني من مرض الفُصام (الشيزوفرينيا) في سن المراهقة. تعمقت شيهان في دراسة حالتها على مدار سنة تقريباً، حيث تابعت مسيرتها في مختلف المؤسسات النفسية، وجعلت من سيلفيا موضوعاً لدراستها الصحفية العميقة. يشمل العمل تسجيلات وملاحظات دقيقة حول تجارب سيلفيا، بما في ذلك حواراتها مع الأطباء، ومراقبة حالاتها اليومية، وحتى مبيت شيهان بجانبها في إحدى المؤسسات النفسية.
وصف النقاد الكتاب بكونه عملاً صحفياً غير مسبوق، حيث قدمت شيهان دراسة مفصلة تسبر أغوار النظام الذي يتعامل مع المرضى النفسيين، متسلحةً بذكاء وثبات غير عاديين. كتب ويلارد جايلين في صحيفة “ذا نيو ريبابليك” مشيداً بعمل شيهان قائلاً: “إنها كرونولوجيا موثقة ببراعة لنضال شابة مع الفُصام.” وأشاد أيضاً ميغ غرينفيلد في صحيفة “واشنطن بوست” بعمل شيهان قائلًا: “لقد ارتكبت سوزان شيهان عملاً صحفياً استثنائياً… حيث أنها تلقي نظرة ذكية ومتواصلة على حالة معينة، وهو نوع من الممارسة الصحفية التي تؤدي دائمًا إلى رؤى جديدة ومزعجة حول تلك البديهيات والتعصب الذي نحمله معنا.”
تتميز شيهان بقدرتها على نقل معاناة سيلفيا بواقعية ودون تلاعب عاطفي، مما يعكس التحديات التي يواجهها المرضى في المؤسسات النفسية. كما قالت والتر كليمنس في “نيوزويك”: “شيهان مثابرة، ملاحظة وغير عاطفية. تاريخ مريض واحد يقودنا إلى متاهة من المؤسسات ذات الموارد المحدودة، والارتباك البيروقراطي، والعلاج التجريبي، وسوء الفهم العائلي. رغم أن شيهان تحافظ على حضورها غير مرئي، إلا أن تعاطفها واضح.”
يُقدّم الكتاب رؤية واضحة وصادقة للواقع الذي يواجهه المرضى النفسيون وعائلاتهم، ويسلط الضوء على نقاط الضعف في النظام الصحي النفسي. من خلال متابعة شيهان لحالة سيلفيا، يتمكن القارئ من التعرف على التحديات والصعوبات التي يواجهها هؤلاء الأفراد وكيفية تعامل المجتمع والنظام الصحي معهم.
يمكن اعتبار هذا الكتاب مصدراً مهماً لفهم جوانب معقدة من الشيزوفرينيا والأنظمة النفسية، كما أنه يساهم في إلقاء الضوء على قضايا تتعلق بالعلاج النفسي والرعاية الصحية، والتعامل مع الحالات النفسية في المؤسسات. يتناول الكتاب القضايا التي تظل في طي النسيان في الغالب، مقدماً بذلك مساهمة كبيرة في النقاشات حول الصحة النفسية والرعاية الإنسانية للمرضى.
“هل لا مكان لي على الأرض؟” ليس مجرد سرد لرحلة فردية، بل هو دعوة للتفكير والتأمل في كيفية تحسين أنظمتنا ومعاملتنا للمرضى النفسيين، ويظل بمثابة مرجع مهم في الأدب الصحفي المتعلق بالصحة النفسية.