قضم الأظافر: الأسباب والعلاج

قضم الأظافر: سلوك قهري بين العادة والاضطراب النفسي

قضم الأظافر هو سلوك شائع يظهر في مختلف الفئات العمرية، ويُعرف علمياً باسم النكوفاجيا (Onychophagia)، ويُصنَّف في العديد من الأبحاث الطبية والنفسية ضمن سلوكيات العادات العصبية أو السلوكيات القهرية غير التكيفية. ورغم أنه قد يبدو سلوكاً بسيطاً أو عادياً في نظر البعض، إلا أن الدراسات تكشف عن أبعاده النفسية والصحية، فضلاً عن ارتباطه بعدد من الاضطرابات النفسية مثل اضطراب القلق واضطراب الوسواس القهري واضطرابات الطيف الوسواسي.

يمثل قضم الأظافر مثالاً لسلوك يتم اكتسابه غالباً في مرحلة الطفولة، ويتطور ويترسخ ليصبح جزءاً من روتين الفرد في حالات التوتر، القلق، الملل، أو حتى التركيز. وفي بعض الحالات، يصل الأمر إلى مراحل مَرَضية تتطلب تدخلاً نفسياً وسلوكياً شاملاً.

الانتشار والفئات المعنية

تشير الدراسات إلى أن قضم الأظافر شائع بين الأطفال والمراهقين، حيث يُقدَّر أن حوالي 30% إلى 45% من الأطفال والمراهقين يمارسون هذا السلوك بشكل منتظم. وتقل هذه النسبة تدريجياً مع التقدم في العمر، إلا أن بعض البالغين يستمرون في هذه العادة حتى الثلاثينيات من عمرهم أو أكثر. وتُظهر الإحصاءات تفاوتاً بين الجنسين، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن الذكور قد يكونون أكثر عرضة من الإناث لممارسة هذا السلوك في مرحلة الطفولة، في حين تتساوى النسبة تقريباً في سن البلوغ.

الأسباب النفسية والسلوكية لقضم الأظافر

1. القلق والتوتر:

يُعد التوتر المزمن والقلق النفسي من أبرز المحفزات لقضم الأظافر. إذ يعمل هذا السلوك كآلية للتنفيس أو تخفيف الضغط الداخلي بطريقة لا شعورية، خاصة لدى من يعانون من اضطرابات القلق العام أو اضطراب ما بعد الصدمة.

2. الملل والتحفيز الذاتي:

كثير من الأطفال والمراهقين يقومون بقضم الأظافر أثناء مشاهدة التلفاز أو أداء الواجبات أو الجلوس في الفصل الدراسي كنوع من التحفيز الذاتي أو التسلية.

3. اضطراب الوسواس القهري (OCD):

في الحالات المزمنة، قد يرتبط قضم الأظافر باضطراب الوسواس القهري، ويُعتبر حينها نمطاً قهرياً متكرراً لا يمكن للفرد السيطرة عليه بسهولة، وغالباً ما يكون مصحوباً بأعراض أخرى مثل نتف الشعر أو عض الشفاه.

4. عوامل وراثية وبيئية:

تلعب الجينات والعوامل البيئية دوراً مشتركاً في نشوء هذا السلوك. إذ تُظهر بعض الأبحاث أن الأطفال الذين ينشؤون في بيئات أسرية مضطربة أو متوترة يكونون أكثر عرضة لاكتساب هذا النوع من العادات العصبية.

5. التقليد والمحاكاة:

قد يبدأ الطفل بقضم أظافره تقليداً لشخص قريب منه، سواء أحد الوالدين أو أحد الأقران. وتكرار هذا السلوك في بيئة الطفل يعزز فرص تحوله إلى عادة دائمة.

التأثيرات الصحية لقضم الأظافر

قضم الأظافر ليس مجرد عادة مزعجة من الناحية الشكلية، بل يرتبط بمجموعة من الآثار الصحية التي قد تكون شديدة في بعض الحالات:

التأثيرات النفسية والاجتماعية

الخجل وانخفاض احترام الذات:

كثير من الأفراد الذين يعانون من هذه العادة يشعرون بالخجل من مظهر أيديهم، ويحرصون على إخفائها عن الأنظار. هذا الخجل قد يؤثر على ثقتهم بأنفسهم، ويقلل من قدرتهم على التفاعل الاجتماعي بحرية.

الشعور بالذنب والقلق:

الوعي بممارسة عادة ضارة يصاحبه غالباً شعور بالذنب والقلق، خاصة حين يكون الفرد غير قادر على التوقف عنها، رغم محاولاته المستمرة.

العزلة النفسية:

في بعض الحالات، قد يؤدي الإحراج الاجتماعي من مظهر الأظافر أو السلوكيات المصاحبة للقضم إلى العزلة الاجتماعية والانطواء.

التشخيص والتمييز عن الحالات المرضية الأخرى

من المهم التمييز بين قضم الأظافر بوصفه سلوكاً عادياً أو عادة مكتسبة وبين كونه مؤشراً على اضطراب نفسي أعمق. يتم ذلك من خلال التقييم النفسي المتكامل الذي يجريه اختصاصي نفسي أو طبيب نفسي، ويشمل:

• تقييم التاريخ السلوكي والعائلي.

• تحديد العوامل المحفزة للسلوك.

• فحص وجود أعراض مرافقة مثل القلق أو الوسواس القهري.

• دراسة مدى تأثير السلوك على الأداء الاجتماعي والمدرسي أو المهني.

وفي حال تبين أن السلوك مرتبط باضطراب قهري أو نفسي، يكون العلاج حينها أكثر شمولاً ودمجاً بين التدخل السلوكي والدوائي.

أساليب العلاج والتدخل

1. العلاج السلوكي المعرفي (CBT):

يُعد العلاج السلوكي المعرفي من أكثر الأساليب فعالية في علاج قضم الأظافر، خصوصاً عندما يكون هذا السلوك مرتبطاً بالتوتر أو الوسواس القهري. يهدف هذا النوع من العلاج إلى:

• التعرف على الأفكار والمحفزات المرتبطة بالسلوك.

• تطوير استراتيجيات بديلة وغير ضارة للتعامل مع القلق.

• تدريب الفرد على تقنيات التحكم الذاتي والملاحظة الذاتية.

2. تقنية العكس السلوكي (Habit Reversal Training):

وهي تقنية متخصصة ضمن العلاج السلوكي، تشمل:

• مراقبة السلوك بدقة.

• تحديد السياقات والمحفزات التي تدفع الشخص إلى القضم.

• تعليم استجابات بديلة مثل ضغط اليد أو إمساك كرة مطاطية.

• استخدام التعزيز الإيجابي عند الامتناع عن السلوك.

3. استخدام العلاجات الموضعية:

يتم في بعض الحالات استخدام مواد مريرة أو طلاء أظافر ذو مذاق مزعج، ما يثبط الرغبة في القضم تدريجياً. رغم أنها ليست علاجاً جذرياً، لكنها أداة مساعدة فعالة في البداية.

4. العلاج الدوائي:

في الحالات الشديدة المرتبطة باضطرابات قهرية أو قلق عام، قد يتم استخدام مضادات الاكتئاب من فئة SSRIs تحت إشراف طبيب مختص، لتخفيف الأعراض النفسية وتحقيق استجابة سلوكية أفضل.

5. الدعم الأسري والاجتماعي:

يلعب الأهل دوراً مهماً في تعديل سلوك الأطفال والمراهقين من خلال:

• خلق بيئة هادئة وآمنة.

• عدم استخدام العنف أو التوبيخ المفرط عند ملاحظة السلوك.

• تعزيز الثقة بالنفس والتشجيع الإيجابي على التغيير.

الوقاية والتدخل المبكر

تُعد الوقاية والتدخل المبكر من أهم استراتيجيات الحد من تحول قضم الأظافر إلى عادة مزمنة أو اضطراب نفسي. وتشمل أساليب الوقاية:

• ملاحظة العلامات المبكرة للسلوك لدى الأطفال.

• توجيههم نحو وسائل أخرى للتنفيس عن التوتر.

• تعليمهم مهارات التعبير عن المشاعر والانفعالات.

• تقديم بدائل سلوكية إيجابية وفعالة.

• تقليل التوتر الأسري والمدرسي.

التثقيف المجتمعي وأهمية الوعي

من المهم نشر الوعي حول قضم الأظافر ليس فقط كعادة سيئة وإنما كسلوك يستحق الفهم والدعم والمعالجة، خاصة حين يتجاوز النطاق الطبيعي ويتحول إلى اضطراب نفسي. ويمكن للمؤسسات التعليمية والطبية أن تلعب دوراً توعوياً فعالاً من خلال:

• حملات تثقيفية موجهة للأهالي والمربين.

• إدراج موضوعات الصحة النفسية في المناهج الدراسية.

• تدريب المعلمين والمشرفين على ملاحظة السلوكيات القهرية لدى الطلاب.

• توفير دعم نفسي مجاني أو ميسر في المدارس والمراكز المجتمعية.

الخلاصة

قضم الأظافر ليس مجرد سلوك عابر أو عادة سيئة يمكن تجاهلها، بل هو تعبير سلوكي عن ضغوط داخلية أو اضطرابات نفسية تحتاج إلى فهم شامل وتدخل علمي مدروس. ومن خلال الجمع بين الوعي، والدعم النفسي، والتدخل السلوكي المبكر، يمكن الحد من هذا السلوك وتحسين جودة الحياة النفسية للفرد على المدى البعيد.

المراجع:

1. Williams, T. I., Rose, R., & Chisholm, S. (2007). What is the function of nail biting: An analog assessment study. Behaviour Research and Therapy, 45(5), 989-995.

2. American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5®). Arlington, VA: American Psychiatric Publishing.