قصة هاروت وماروت في القرآن

هاروت وماروت: قصتهما ومكانتهما في التراث الديني

تعتبر قصة هاروت وماروت من القصص المثيرة للجدل في التاريخ الديني، حيث تشكل جزءاً مهماً من التراث الإسلامي، خصوصاً في تفسير بعض الآيات القرآنية التي تتعلق بالفتنة والاختبار. وتدور القصة حول شخصين من الملائكة كانا في البداية من المقربين لله سبحانه وتعالى، لكنهما تعرضا لاختبار إلهي عظيم، ليتحول هذا الاختبار إلى حكاية تحمل معاني عميقة في مجالات عديدة، منها الفتنة، السحر، والانحراف عن الطريق المستقيم. يروي القرآن الكريم في سورة البقرة قصة هاروت وماروت بشكل مبهم، ما جعل العديد من العلماء والمفسرين يتناولون هذه القصة بتفسيرهم الخاص، وتعددت الروايات حولها.

1. القصة القرآنية

تُذكر قصة هاروت وماروت في القرآن الكريم في سورة البقرة، وتحديداً في الآية 102، حيث يذكر الله سبحانه وتعالى:

“واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا، يُعلّمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر، فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون.”

شرح الآية:
في هذه الآية، يتحدث الله عن السحر الذي كان يُعلمه الشياطين للناس، وهو ما يتصل بقصة هاروت وماروت. هاروت وماروت كانا ملكين أرسلهما الله إلى الأرض كاختبار للناس. وهما يعلّمان الناس السحر ولكن في إطار من التحذير الواضح بأن السحر فتنة كبيرة ويجب تجنبها، حتى أن الملكين كانا يقولان للناس قبل تعليمهم: “إنما نحن فتنة فلا تكفر”.

من خلال هذه الآية، يتضح أن السحر الذي كان يُعلم في بابل لم يكن مجرد أداة للتسلية أو للترفيه، بل كان وسيلة لإحداث الفتن والتفرقة بين الناس، سواء بين الأزواج أو بين الأفراد بشكل عام. وهذه إشارة إلى خطورة السحر وتداعياته على المجتمع، إذ يُستخدم كأداة لتدمير الروابط الإنسانية.

2. أسباب وجود القصة في القرآن

الحديث عن هاروت وماروت في القرآن جاء ليحذر الناس من مغبة الانخراط في السحر واتباع الشياطين في هذا المجال. الله سبحانه وتعالى في هذه الآية يوضح أن السحر ليس مجرد وسيلة ضارة ولكن له عواقب دينية عظيمة، حيث لا يؤدي إلا إلى الكفر. وبهذا، يصبح السحر من الكبائر التي لا يُغفر لها إلا بالتوبة الصادقة.

هاروت وماروت يمثلان بداية سلسلة من الاختبارات التي جُعلت للإنسان عبر التاريخ. مثلما كان آدم عليه السلام أول من خُلق واختُبر في الجنة، كان هاروت وماروت جزءاً من اختبار إلهي للبشر في زمن بعيد.

3. الروايات والتفسير التاريخي

تعددت الروايات حول هاروت وماروت بشكل كبير، وتباينت تفسيرات العلماء لها. تتحدث بعض الروايات في كتب الحديث والتفسير عن أن هاروت وماروت كانا ملكين في السماء أرسلهما الله إلى الأرض كاختبار للإنسانية، بحيث كانا يعيشان بين الناس في بابل ويُعلّمان السحر كفتنة، لكن بشرط ألا يقوموا بتعليم أي شخص إلا بعد تحذيره من عواقب تعلم هذا العلم. كانت المسألة تكمن في أن السحر قد يضر الإنسان بشكل كبير، ويؤدي إلى التفرقة بين الناس ويُشجع على الانحراف عن الطريق المستقيم.

لكن بعض المفسرين ذهبوا إلى أن هاروت وماروت لم يكونا من الملائكة، بل كانا من الجن الذين أُرسلوا في هذه المهمة. وتعددت الروايات حول كيفية امتحانهما، إذ يُقال أنهما لم يُدركا خطورة السحر إلا بعد تعلمه واستخدامه، وعندما شعرا بعواقب أفعالهما، كان العقاب الإلهي حتمياً.

4. الدروس المستفادة من القصة

إن قصة هاروت وماروت تُعلم المسلم العديد من الدروس والعبر المهمة، ومنها:

• خطورة السحر: السحر في الإسلام يُعتبر من الكبائر التي تؤدي إلى الكفر. لذلك فإن تعلم السحر أو استخدامه من قبل الأفراد أمر محرم بشدة.

• الاختبارات الإلهية: الله سبحانه وتعالى يضع البشر في اختبارات مختلفة ليميز من يثبت ومن يضل. هاروت وماروت كانا جزءاً من هذا الاختبار.

• الحذر من الفتنة: الإنسان يجب أن يحذر من الفتن التي قد تطرأ عليه في حياته. السحر في هذه القصة يمثل الفتنة التي قد تجذب الإنسان بعيداً عن الطريق المستقيم.

• التحذير قبل المعصية: قبل أن يُعلّم هاروت وماروت السحر للناس، كانا يحذرانهم بأن هذا العلم فتنة ويجب تجنبه، وهو ما يعكس ضرورة التحذير من فعل المعصية قبل الانخراط فيها.

5. التأثير الثقافي والديني

كان لقصتي هاروت وماروت تأثير كبير على الفهم الشعبي والديني للعديد من القضايا، خصوصاً في ما يتعلق بتفسير ظواهر السحر. في العديد من الثقافات، كان هناك إيمان قوي أن السحر هو قوة خارقة تمارس تأثيراً عميقاً على الإنسان، وأنه مرتبط بالشرور والفتن. هذه القصة تُعتبر تحذيراً مهماً ضد هذه الممارسات، وتجسد التوازن بين القوى السماوية والشرير.

6. الاختلاف بين التفاسير الدينية والتاريخية

بينما يتفق العديد من العلماء على أن هاروت وماروت كانا جزءاً من اختبار إلهي، فقد اختلفوا في بعض التفاصيل. فبعضهم يرى أنهما كانا من الملائكة الذين خُلقوا خصيصاً لهذه المهمة، بينما يعتقد آخرون أنهما من الجن الذين تم إرسالهم لاختبار البشر. في جميع الحالات، تتفق التفاسير على أن هدف الله من هذه الحكاية هو تحذير الناس من الانخراط في السحر واتباع طريق الفتنة.

7. الختام

قصة هاروت وماروت تعد واحدة من القصص التي تعكس التحديات التي يواجهها البشر في اختبارهم في هذه الحياة، حيث يتم اختبارهم بإغراءات كثيرة، سواء من الجن أو الشياطين، التي تدفعهم بعيداً عن الطريق القويم. هذه القصة تحمل رسالة واضحة للمؤمنين بضرورة تجنب المعاصي والسحر والفتن، والتركيز على العبادة والطاعة لله تعالى. وبالرغم من غموض بعض جوانب هذه القصة في القرآن، إلا أنها تبقى جزءاً مهماً من التراث الديني الذي يتعلم منه المسلمون ضرورة الاحتراس من الفتن والشرور التي قد تجرهم إلى الضلال.