قصة نبي من أنبياء الله في القرآن الكريم: نبي الله يوسف عليه السلام
تعد قصة نبي الله يوسف عليه السلام من أجمل القصص التي وردت في القرآن الكريم، فقد حملت هذه القصة في طياتها العديد من العبر والدروس التي تمس مختلف جوانب الحياة الإنسانية، وتعد واحدة من أروع قصص الصبر، والتوكل على الله، والثقة في قضائه وقدره. فقد جعل الله هذه القصة خالدة في القرآن الكريم، حيث خصص لها سورة كاملة، وهي سورة يوسف، التي تعتبر واحدة من السور المكية التي تتحدث عن قصة حياة يوسف عليه السلام منذ طفولته وحتى بلوغه مرتبة عظيمة في مصر.
نشأة يوسف عليه السلام في بيت النبوة
ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام في بيت نبي صالح، حيث كان والداه يعقوب عليه السلام وزوجته راحيل يعيشان حياة هادئة ومستقرة. كان يعقوب عليه السلام يحب يوسف حبًا شديدًا، وكان يوسف هو ابنه الوحيد من زوجته راحيل التي كانت عاقرًا لفترة طويلة قبل أن يرزقه الله بها. وبسبب هذا الحب الكبير الذي يكنه يعقوب ليوسف، كان يظهر ذلك في تعامله مع يوسف، وهو ما أدى إلى توتر العلاقة بين يوسف وأخوته، الذين شعروا بالغيرة من محبة والدهم له.
رؤية يوسف عليه السلام وتفسيرها
منذ طفولته، بدأ يوسف عليه السلام يعبر عن رؤيا غريبة، حيث رأى في المنام أنه يرى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر ساجدين له. فزع يوسف من هذه الرؤيا وأخبر بها والده يعقوب، فقال له يعقوب: “يا بني لا تقصص رؤياك على أخوتك فيكيدوا لك كيدًا”، وذلك لأنه أدرك أن هذه الرؤيا تشير إلى أمر عظيم سيحدث في المستقبل، ولكن يعقوب عليه السلام كان حذرًا من أن ذلك قد يثير الحقد في قلوب إخوته.
مكر إخوة يوسف عليه السلام
ومع مرور الوقت، بدأ إخوته يلاحظون حب والدهم ليوسف، فشعروا بالكراهية تجاهه وحسدوا هذه المحبة. فكانوا يفكرون في تدبير خطة للتخلص من يوسف، واستبعاد هذا الغريب عنهم. وفي يوم من الأيام، اجتمعوا معًا وتناقشوا في كيفية تنفيذ هذه المؤامرة. اقترح بعضهم أن يقتلوه، لكن الأكبر منهم رأى أن يسحبوه إلى بئرٍ عميق في الصحراء ويتركوه هناك ليبقى حبيسًا، ولكنهم في النهاية قرروا إلقاءه في البئر.
يوسف عليه السلام في البئر
كان يوسف عليه السلام في البداية متفاجئًا بما يفعله إخوته به، حيث أنهم أخذوه بعيدًا عن والده، وألقوه في بئرٍ مظلمٍ ضيقٍ دون رحمة أو شفقة. لكن يوسف عليه السلام كان صبورًا، ويعلم أن الله لن يتركه في هذه المحنة. فبينما كان يوسف في قاع البئر، أوحى الله إليه أنه سيكون له شأن عظيم في المستقبل. بدأ يوسف عليه السلام يدعو الله ويرجو رحمته في تلك اللحظات العصيبة.
يوسف في قصر العزيز
بعدما تركه إخوته في البئر، جاء قافلة من التجار وكانوا في طريقهم إلى مصر، فانتشلوا يوسف عليه السلام من البئر وأخذوه معهم. وعندما وصلوا إلى مصر، قاموا ببيعه إلى رجلٍ من رجال القصر، وكان يُدعى العزيز، وكان من كبار رجال الدولة في مصر. أصبح يوسف عليه السلام في قصر العزيز ووجد نفسه في بيئة جديدة مليئة بالتحديات، لكنه ظل محافظًا على تقوى الله، حتى أصبح أحد الأشخاص الموثوق بهم في القصر.
فتنة امرأة العزيز
ومع مرور الزمن، كان يوسف عليه السلام في أتم الاستقامة والطهارة، وقد أثار إعجاب زوجة العزيز التي كانت تحاول مغازلته بشتى الطرق. وبينما كان يوسف عليه السلام في أحد الأيام في بيت العزيز، فاجأته زوجته بمحاولة إغرائه. لكنها فشلت في ذلك، حيث قاوم يوسف عليه السلام فتنتها، وركض مسرعًا نحو الباب للخروج من الغرفة. عند هذه اللحظة، تمكنت امرأة العزيز من الإمساك به من خلفه وتركته مغطى بالعار، فاتهمته زورًا بالاعتداء عليها. لكن الله تعالى برأ يوسف عليه السلام من هذه التهمة، وأظهر براءته بطريقة شهد بها جميع أهل القصر، فما كان من امرأة العزيز إلا أن اعترفت بخطئها.
السجن ومدة البلاء
على الرغم من براءته، وجد يوسف عليه السلام نفسه في السجن. لكنه في السجن، استمر في الحفاظ على تقواه واعتقد أن البلاء هو اختبار من الله. وبقي يوسف في السجن لعدة سنوات، حيث التقى خلال تلك الفترة بشخصين من أعيان البلاط المصري، أحدهما كان ساقيًا والآخر خبازًا. فقصا عليهما رؤيا لكل منهما، ففسرها يوسف عليه السلام على النحو الصحيح. ومع مرور الوقت، تحقق تفسيره، مما جعله يكتسب سمعة حسنة ويزداد اهتمام الناس به.
يوسف عليه السلام وملك مصر
ثم جاء وقت أن تم استدعاء يوسف عليه السلام لتفسير رؤية الملك، الذي رآى في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات هزيلات، وكان الملك في حالة من الارتباك والضيق. استدعى الملك يوسف لتفسير الرؤيا، ففسر له الرؤيا بأنها تشير إلى سبع سنوات من الرخاء والخصب تليها سبع سنوات من الجدب والجفاف. نصح يوسف الملك بتخزين المحاصيل في سنوات الرخاء لتلبية احتياجات الناس في سنوات المجاعة.
بفضل حكمة يوسف عليه السلام، تم تعيينه في منصب كبير في المملكة، وأصبح وزيرًا للخزانة. وكان من ذلك الوقت بداية تغييرات كبيرة في حياة يوسف عليه السلام، حيث بدأ يتحقق ما جاء في رؤياه عندما أصبح له شأن عظيم في مصر.
لقاء يوسف بأخوته
مرت السنوات، وعاشت مصر سنوات من الجفاف. فذهب إخوة يوسف إلى مصر لشراء الطعام، وفي تلك اللحظة التقى يوسف بأخوته، الذين لم يعرفوه. وبعد سلسلة من الأحداث التي أظهرت كيف أن الله قد اختار يوسف لمقام عظيم، قرر يوسف أن يعترف لأخوته بهويته ويكشف لهم عن نفسه. تفاجأوا كثيرًا، وندموا على ما فعلوه به، ولكنه عفا عنهم وقال: “لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين”.
وفاة يوسف عليه السلام
بعد أن جمع الله شمل يوسف مع أهله، عاش يوسف عليه السلام في مصر حياة مليئة بالبركة والخير. وقد حكم مصر بفضل الله وحكمته، حتى وفاته، حيث كانت سيرته نموذجًا للطهارة والعدل والصبر.
