سيدنا يوسف عليه السلام: قصة الإيمان والصبر
يعد سيدنا يوسف عليه السلام واحدًا من الأنبياء الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم، حيث خصه بذكر طويل في سورة يوسف، وهي السورة الثانية عشرة في القرآن، والتي تعد من السور المكية. قصة سيدنا يوسف تعتبر من أروع القصص التي أوردها القرآن الكريم، فهي ليست مجرد قصة إنسانية عن الفتنة والحسد والألم، بل هي أيضًا قصة عن الصبر والثبات على الإيمان، وتوجيهات عظيمة حول كيفية التعامل مع المحن والابتلاءات.
نسب سيدنا يوسف
يوسف عليه السلام هو ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. ينحدر نسبه من أسرة أنبياء وأولياء، حيث كان جده إسحاق ابن نبي الله إبراهيم عليهما السلام. عاش يوسف عليه السلام في بيئة دينية مستقيمة حيث تربى في بيت يعقوب، الذي كان من أنبياء الله. كان يعقوب عليه السلام محاطًا بالكثير من المصائب التي لم تمنع إيمانه، وكان يُشفق على يوسف بشكل خاص، لما رآه فيه من طهارة ونقاء قلب.
بداية قصة يوسف
بدأت قصة يوسف عليه السلام عندما كان صغيرًا، حيث أحبته والدته، وكان له مكانة خاصة في قلب والده يعقوب عليه السلام، وهذا ما أثار حسد إخوته منه. وفي يوم من الأيام، أخبر يوسف عليه السلام والده برؤيا رأى فيها أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له. هذه الرؤيا كانت بمثابة بشارة له بعزٍّ ورفعة في المستقبل، لكنها كانت في الوقت ذاته سببًا في زيادة حسد إخوته الذين شعروا بالغيرة من حب والدهم ليوسف.
المؤامرة ضد يوسف
حقد إخوته على يوسف بسبب الحب الكبير الذي كان يكنه له والده، فقرروا التخلص منه. في البداية، قالوا لوالدهم أنهم يريدون اصطحاب يوسف للعب معهم في الخارج، ولكن يعقوب عليه السلام كان على علم بما يحيكه أبناؤه، فرفض أن يذهب معهم خوفًا عليه من الضرر. رغم ذلك، أصروا على إقناعه بأن يوسف سيكون في أيدٍ أمينة، فأذن لهم في النهاية.
ثم اجتمعوا على أن يلقوا يوسف في غيابة الجب بعيدًا عن أعين الناس، فأخذوه وقاموا بإلقائه في بئر عميق. لكنهم خافوا من عواقب فعلتهم، فاجتمعوا ليضعوا خطة أخرى، وهي أن يلطخوا قميص يوسف بدم كذب، ثم يذهبوا إلى والدهم ليخبروه أن الذئب قد أكله. وفعلاً، عادوا إلى والدهم بعد ذلك وهم يظنون أنهم تخلصوا من يوسف إلى الأبد.
يوسف في بيت العزيز
بينما كان يوسف عليه السلام في البئر، مرّت قافلة تجارية من مصر، فاستخرجوه من الجب وأخذوه معهم. وباعوه في السوق لآل العزيز، أحد كبار الوزراء في مصر. اشتراه العزيز، وكان لديه زوجة تُدعى زليخا، التي بدأت تراوده عن نفسه بعدما كبر يوسف. كانت زليخا قد أُعجبت بجماله، فحاولت إغواءه، لكنه كان أسمى من أن يرضخ لمحاولاتها. رفض يوسف عليه السلام أن يطيعها، وبهذا أظهر ثباته على الإيمان، حتى إنه هرب منها متوجهًا إلى الباب، إلا أن زوجة العزيز لاحقته وأمسكت به، فاتهمته زليخا ظلماً بمحاولة الاعتداء عليها.
حاول العزيز الدفاع عن يوسف، وأمر بإيداعه السجن، ولكن الله كان يكرم يوسف بحماية خاصة، فقد كان في السجن مع بعض الفتيان الذين مروا معه بتجارب كانت بداية للمرحلة التالية من حياته.
تفسير رؤيا الملك
في السجن، استطاع يوسف عليه السلام أن يُفسر حلمين لفتيين كانا في السجن، ثم جاء حلم للملك نفسه يراه في منامه، فكان من أحلامه أن يرى سبع بقرات سمان وأخرى هزيلات، إضافة إلى سبع سنبلات في منامه. فبمجرد أن علم يوسف بحلم الملك، طلب من أحد الفتيان أن يُخبر الملك أن هناك شخصًا في السجن يعرف تفسير الأحلام.
بالفعل، قام يوسف بتفسير حلم الملك، حيث أوضح أن مصر ستواجه سبع سنوات من الخصوبة والرخاء، ثم سبع سنوات من المجاعة، وأنه من الأفضل أن يتم تخزين الحبوب في السنوات السمان حتى يتمكنوا من العيش خلال سنوات المجاعة.
تكريم يوسف في مصر
بعد أن تحقق ما قاله يوسف عليه السلام بخصوص سنوات الرخاء والمجاعة، أصبح يوسف عليه السلام وزيرًا في مصر. وساعد في إدارة الأزمة التي حدثت بسبب المجاعة، حتى صار لديه مكانة عظيمة في البلاد. ومع مرور الوقت، بدأت القصة تُكتب من جديد عندما جاء إخوته إلى مصر لطلب الطعام بسبب المجاعة.
لقاء يوسف بإخوته
تواجه يوسف مع إخوته الذين لم يعرفوه، لكنه عرفهم فورًا. وعندما بدأ يختبرهم لمعرفة ما إذا كانوا قد تابوا من فعلتهم السابقة معه، طلب منهم أن يأتوا بأخيهم الأصغر، بنيامين. وعندما جاءوا به، أعد يوسف خطة لإبقاء بنيامين معه، حيث وضع كأسه في حقيبته ليظنوا أنهم سرقوه. وعندما جاءوا يتهمونه بالسرقة، أعلن يوسف نفسه لهم. في تلك اللحظة، اعترف إخوته بخطئهم وأعربوا عن توبتهم.
كشف يوسف عن هويته، وعفا عنهم قائلاً: “لا تثريب عليكم اليوم”. ثم دعاهم إلى الإيمان بالله، وأمرهم بالعودة إلى والدهم يعقوب ليخبروه بأنه لا يزال حيًا وأنه في مصر.
لقاء يوسف بوالده
بعد مرور سنوات طويلة من الفراق، عاد يوسف عليه السلام إلى والدته وأخوته في مصر، وأقبلوا إليه جميعًا، فرفع يوسف أباه إلى عرشه، كما كانت الرؤيا قد أخبرته في صغره. وفي هذا اللقاء، تحقق الوعد الإلهي الذي كان قد بشره به في الرؤيا في صغره.
دروس من قصة يوسف عليه السلام
قصة يوسف عليه السلام تحمل في طياتها العديد من الدروس والعبر التي يمكن أن يستفيد منها المسلمون في مختلف جوانب حياتهم. من أبرز هذه الدروس:
-
الصبر في مواجهة المحن: يوسف عليه السلام صبر في بئر الجب، وفي السجن، وواجه جميع التحديات بإيمان وطمأنينة. لم يرضَ باليأس أو الاستسلام، بل كان يثق في أن الله سيخرجه من محنته.
-
التوكل على الله: رغم أن يوسف كان في السجن، إلا أنه لم ينسَ أن يتوكل على الله في كل خطوة من خطواته، وأدى رسالته بإخلاص، مما جعل الله يرفع مقامه.
-
التسامح والتوبة: بعد أن عفى يوسف عن إخوته الذين ظلموه، أصبح نموذجًا في التسامح. تعلمنا القصة أن الله يحب التوبة والرحمة.
-
حسن الظن بالله: عندما رأى يوسف في صغره الرؤيا، كان يظن أن الله سيرفعه في المستقبل. هذه الرؤيا كانت دلالة على أن الله قدّر له الفضل والرفعة، وحقق وعده في النهاية.
-
الأمانة والصدق: في بيت العزيز، رفض يوسف عليه السلام أن يغدر ويخون الأمانة. وكانت النتيجة أن الله أكرمه في الدنيا والآخرة.
خاتمة
لقد كانت حياة سيدنا يوسف عليه السلام مليئة بالتحديات، لكنه لم يتخلَّ عن إيمانه بالله، وواجه كل الابتلاءات بالصبر والتوكل عليه. فقصته تعدّ مصدرًا عظيمًا للأمل والإلهام لكل من يواجه صعوبة أو محنة في حياته.
