قصة سبأ عبر القرآن

سورة سبأ: ملخص شامل وتفسير مفصل لقصة السورة

سورة سبأ هي سورة مكية، نزلت في مكة المكرمة، وتتألف من 54 آية. تأتي السورة ضمن سور الجزء الثلاثين من القرآن الكريم، وتحمل في طياتها العديد من العبر والعظات التي تتناول قصة قوم سبأ، بالإضافة إلى التأكيد على قدرة الله سبحانه وتعالى، وحقانية الرسالة التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن موضوعات التوحيد، البعث، الحساب، والجزاء.

أصل التسمية وموضوعات السورة

سُميت السورة باسم “سبأ” نسبة إلى قوم سبأ الذين ورد ذكرهم في وسط السورة، حيث يروي الله تعالى قصتهم كمثال واضح على العاقبة لمن كفر بنعم الله وأعرض عن دعوات الحق. كذلك تضم السورة آيات موجهة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتثبيته في مواجهة المشركين الذين شككوا في الوحي وفي قدرته على تبليغ الرسالة.

تشمل السورة مواضيع متعددة؛ من أبرزها إثبات التوحيد، التذكير بنعم الله، وصف معجزاته، تحذير الكفار من عواقب طغيانهم، الإشارة إلى البعث والجزاء، والحث على الثبات والصبر.

قصة قوم سبأ في السورة

تُعتبر قصة قوم سبأ من أهم القصص التي تناولتها السورة، وهي مثال حي على أن الكفر والنكران لنعم الله لا يفضيان إلا إلى الهلاك.

موقع قوم سبأ وخصائصهم

كان قوم سبأ من أشهر القبائل القديمة التي عاشت في جنوب الجزيرة العربية، وتحديداً في اليمن. تميزوا بالحضارة والرقي في الزراعة والتجارة، وكانوا يستفيدون من وادي سبأ الخصيب. وقد أنعم الله عليهم بنعمة كبيرة تمثلت في سقاية واديهم بالخيرات التي وفرت لهم الزروع والثمار.

النعمة الكبرى التي أنعم الله بها على قوم سبأ

ذكر الله تعالى في سورة سبأ نعمة الرياح الموسمية التي كان الله يرسلها عليهم لتروي أراضيهم، مما أتاح لهم الزراعة والازدهار، وكان ذلك سبباً في رخاءهم. وقد ورد في الآيات قوله تعالى:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ – إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ – الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ – وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ – وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ – الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ – فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ – فَصَدَّقْنَا بِهِمُ الْعَذَابَ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ ثَمَرَاتِ الْقَرْيَةِ ۚ وَكَانُواْ قَوْمًا يَعْدِلُونَ} (سبأ: 15-17)

وقد بين الله في هذه الآيات كيف أن هذه الأمم التي أعطيت نعماً عظيمة ثم أفسدت في الأرض، كانت نهايتهم الهلاك بسبب كفرهم وطغيانهم.

كفر قوم سبأ ونكرانهم للنعم

رغم هذه النعم الجمة، إلا أن قوم سبأ لم يشكروا الله على ما أنعم به عليهم. بل انشغلوا بعبادة الأصنام ورفضوا الدعوة التي جاءتهم من النبي سليمان عليه السلام، وأظهروا الكفر والعناد. هذا الرفض جعل الله يرسل عليهم عذاباً، فقد سلب منهم النعمة التي كانوا يتمتعون بها، وأرسل عليهم ريحاً صرصر عاتية دمرت ما كانوا يمتلكونه من خيرات.

يقول تعالى:

{فَأَصْبَحُوا مِن بَعْدِ مَا أَمنُوهَا جُندًا لَّدُنْهَا وَقَالُوا لَهَا ٱلۡحَقُّ ۗ فَكَفَرُوا بِعَذَابِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ رَبِّهِمْ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ عَذَابَ رَبِّكَۥ صَبۡرًا وَنِدَامًا} (سبأ: 18)

هذا العذاب كان نتيجة حتمية لانقلابهم على نعم الله، ورفضهم لتوجيهاته، وهو إنذار لكل من يعرض عن الحق وينكر نعم الله.

الدروس المستفادة من قصة سبأ

تكشف القصة في سورة سبأ عن عدد من الدروس والعبر التي يمكن الاستفادة منها، ليس فقط على المستوى الديني، بل كذلك في حياة الإنسان وعلاقته بربه ومجتمعه.

1. الامتنان للنعم: إن قصة سبأ تبرز أهمية شكر الله على نعمه وعدم الإعراض عنها أو التكبر عليها، لأن الكفر بهذه النعم يؤدي إلى فقدانها.

2. العاقبة لمن يكفر: تثبت القصة أن العاقبة السيئة تحل بمن يكفر ويعاند الحق، وأن الله سبحانه وتعالى لا يترك الظالمين دون عقاب.

3. حتمية الإيمان والتوحيد: تؤكد السورة أن توحيد الله والإيمان به أساس السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.

4. العبرة من التاريخ: تذكّر القصة بأن الأمم السابقة التي أفسدت في الأرض قد دُمرت، وهذا تحذير للأجيال القادمة لكي تتجنب ذات المصير.

محاور أخرى في سورة سبأ

إلى جانب قصة سبأ، تتضمن السورة عدة محاور مهمة:

1. الإثبات القطعي لوحدانية الله وقدرته

تبدأ السورة بالتأكيد على أن الله هو الواحد الأحد، القادر على كل شيء، وهو الذي يعلم ما في السماوات والأرض، لا شريك له.

{حمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير} (سبأ: 1)

هذا التمهيد يهيئ القارئ ليدرك عظمة الله وقدرته المطلقة.

2. الرد على المشككين بالوحي

تأتي السورة رداً على الذين شككوا في حقيقة الوحي، وأمروا النبي بعدم إظهار ما أوحى الله به. فتبين السورة أن الله هو الذي يلهم رسوله، وأن ما جاء به من عند الله هو الحق.

3. البعث والجزاء

تناقش السورة مسألة البعث والجزاء، وتؤكد أن يوم القيامة واقع لا محالة، وأنه يوم يجازي فيه الله كل نفس على عملها.

{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِنَ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ ۖ فَوْجٌ إِلَيْهِمْ لَا يَنتَصِرُونَ} (سبأ: 28)

هذا التذكير يعزز الإيمان بالآخرة ويحث على العمل الصالح.

4. الأنبياء والرسل

تتحدث السورة عن النبيين الذين أرسلوا إلى أقوامهم، وكيف كان مصير الأقوام التي كذبتهم، مؤكدة على أن الله ينصر رسله.

الجدول التالي يوضح أهم محاور سورة سبأ

الخاتمة

سورة سبأ تقدم نموذجاً كاملاً لعبرة الأمم السابقة التي أنكرت نعم الله وعصت رسله، مما أدى إلى هلاكها وعقابها. القصة التي وردت عن قوم سبأ تحمل في طياتها تحذيراً صريحاً من مغبة الكفر، ونكران النعم، وأهمية الثبات على الإيمان والتوحيد. إلى جانب القصة، تتناول السورة موضوعات مهمة مثل توحيد الله، والرد على المشككين في الوحي، وتأكيد البعث والجزاء، ما يجعلها من السور التي تضفي فهماً عميقاً لدين الإسلام ولحكمته في إنزال القرآن.

المراجع

• القرآن الكريم (تفسير الطبري، تفسير ابن كثير)

• الدر المنثور في التفسير بالمأثور – السيوطي

• قصص القرآن – محمد متولي الشعراوي

هذه المصادر توضح سياق السورة وتفسير آياتها مع التركيز على قصة قوم سبأ والرسائل الدينية والتربوية التي تحملها السورة.