فيلم Quién te cantará: الهوية والذاكرة

مراجعة فيلم “Quién te cantará”: دراما عن الذاكرة والهوية من إخراج كارلوس فيرمت

في عام 2018، قدم المخرج الإسباني كارلوس فيرمت فيلمه الدرامي “Quién te cantará”، الذي يدمج بين عناصر من الإثارة النفسية والدراما الإنسانية. يُعتبر هذا الفيلم رحلة معقدة في عالم الذاكرة، الهوية، والفقدان، حيث يلعب دور البطولة فيه مجموعة من الممثلين الموهوبين مثل ناجوى نمري، إيفا لوراش، كارمي إلياس، وناتاليا دي مولينا. تتشابك قصصهم الشخصية في إطار فيلم يتمحور حول مفهوم العودة، وكيفية مواجهتنا للذكريات المفقودة.

قصة الفيلم:

تدور أحداث “Quién te cantará” حول مغنية مشهورة من التسعينات تدعى “ليدا”، التي تتعرض لحادث غرق كاد أن يودي بحياتها، ويتركها فاقدة للذاكرة. بعد الحادث، تجد “ليدا” نفسها في حالة من العجز التام، حيث تصبح غير قادرة على تذكر تفاصيل حياتها السابقة أو حتى كيفية الغناء. في محاولة لاستعادة حياتها المهنية، تتخذ قرارًا غير تقليدي: تعيين مغنية كاريوكي تدعى “فاليريا”، قادرة على تقليد صوتها بشكل مذهل. ومن خلال تدريبها على الأغاني القديمة، تبدأ “ليدا” في محاولة العودة إلى المسرح والجمهور، لكن هذا الطريق يصبح معقدًا عندما تتداخل الحياة الخاصة بكل من “ليدا” و”فاليريا” في عالم واحد مشترك.

الهوية والذاكرة في “Quién te cantará”:

إحدى القضايا الأساسية التي يعالجها الفيلم هي مفهوم الهوية وكيف يمكن أن يتغير عندما نُفقد جزءًا كبيرًا من ذاكرتنا. “ليدا”، التي كانت يومًا ما نجمًا ساطعًا في عالم الموسيقى، تجد نفسها في مواجهة مع تاريخها المهني والشخصي، ولا تعرف كيف تُحيي هذه الذكريات. في المقابل، “فاليريا” هي شخصية مختلفة تمامًا؛ فهي ليست فقط مغنية كاريوكي، بل هي شخص طموح تحاول أن تجد مكانًا لها في العالم، حتى وإن كانت على حساب هويتها الشخصية.

يمكن أن يُنظر إلى الفيلم على أنه دراسة دقيقة للمقارنة بين الحاضر والماضي، وكيف يُعيد البشر بناء أنفسهم عندما يتعرضون لحالة من الفقدان. في ظل الحادث المروع الذي تعرضت له “ليدا”، يكشف الفيلم أيضًا كيف يمكن أن تؤثر الذاكرة على قدرة الشخص على اتخاذ القرارات والتفاعل مع الآخرين.

أداء الممثلين:

تتألق نجوى نمري في دور “ليدا”، حيث تمكّنت من نقل صراع الشخصية الداخلي بصدق وقوة. بالإضافة إلى ذلك، تقدم إيفا لوراش دور “فاليريا” بشكل مميز، حيث تعكس التوتر بين الطموح الشخصي والواقع القاسي. التفاعلات بين الشخصيتين تُظهر بشكل واضح الفجوة النفسية بين شخصيتين محطمتين تسعيان إلى استعادة شيء من الماضي.

أما كارمي إلياس وناتاليا دي مولينا فهما يضيفان طبقات أخرى للشخصيات الثانوية التي تدور حول “ليدا” و”فاليريا”، مما يجعل كل المشهد مكتملًا ومعقدًا.

الأسلوب الإخراجي:

يستفيد فيرمت من أسلوب إخراجي مميز يعكس المزيج بين الإثارة النفسية والدراما الإنسانية. من خلال استخدامه لألوان باردة وإضاءة خافتة في العديد من المشاهد، يخلق جوًا مليئًا بالغموض والتوتر، مما يعزز من الشعور بالضياع الذي يشعر به الأبطال. تكمن عبقرية الفيلم أيضًا في اختياره الموسيقى، والتي تلعب دورًا محوريًا في سرد القصة، فهي ليست مجرد خلفية بل هي عنصر مؤثر في بناء الأحداث والشخصيات.

التحديات النفسية للذاكرة:

يُعد الفيلم دراسة غنية حول الآثار النفسية التي يتعرض لها الشخص عندما يفقد جزءًا كبيرًا من هويته بسبب حادثة مفاجئة. لا تقتصر المعضلة على “ليدا” فقط، بل تشمل “فاليريا” أيضًا، التي تجد نفسها تتسلق الجبال لتُعيد بناء حياتها المهنية، رغم كونها شخصًا آخر في عالم يسيطر عليه النجاح والشهرة.

الختام:

فيلم “Quién te cantará” هو أكثر من مجرد قصة عن العودة إلى الفن والشهرة. هو قصة عن الذاكرة، الهوية، والصراع النفسي الذي يحدث عندما تُنزع أجزاء كبيرة من حياتنا. إنه فيلم مليء بالتحديات والخيارات الصعبة، حيث تتشابك خيوط الماضي مع الحاضر بطريقة مثيرة. من خلال أداء مميز من الممثلين وإخراج ذكي من فيرمت، يتحقق للفيلم مكانة بارزة في السينما الإسبانية المستقلة، ويمنح المشاهدين فرصة للتفكير في كيف يمكن أن تكون الذاكرة هي ما يعيد بناء هويتنا أو يدمّرها.

المصادر:

• مصادر أكاديمية حول علم النفس المتعلق بفقدان الذاكرة.
• مقابلات مع المخرج كارلوس فيرمت وبعض ممثلي الفيلم.