فيلادلفيا: تاريخ عمان الروماني

الإسم الروماني لمدينة عمان: تاريخ طويل وعمق ثقافي

مدينة عمان، عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، واحدة من أقدم العواصم في العالم وأكثرها تنوعًا من الناحية الثقافية والتاريخية. على مر العصور، شهدت عمان العديد من التحولات السياسية والحضارية، مما جعلها محورًا مهمًا في تاريخ الشرق الأوسط. ومن بين هذه التحولات، كان لها دور بارز في الحقبة الرومانية التي تركت بصمة واضحة في تاريخ المدينة وأعطت لها العديد من السمات المعمارية والثقافية التي لا تزال ظاهرة حتى يومنا هذا.

عمان في العصور القديمة

قبل أن تصبح عمان عاصمة للأردن، كانت المدينة تعرف بمختلف الأسماء في العصور القديمة. في العصور الكنعانية، كانت المدينة تعرف باسم “عمّون” أو “عمان”. وقد كانت هذه المدينة مركزًا تجاريًا هامًا بفضل موقعها الجغرافي الذي يربط بين مختلف الممالك في الشرق الأوسط. واعتبرت عمان آنذاك مركزًا دينيًا أيضًا، حيث كانت تضم معابد ومقدسات لمختلف الآلهة الكنعانية.

ومع مرور الزمن، دخلت عمان تحت سيطرة العديد من الحضارات الكبرى مثل المصريين، الأشوريين، والبابليين. ومع بداية العصر الهلنستي، أصبحت المدينة جزءًا من مملكة السلوقيين، وتبعهم الرومان.

الإسم الروماني لعمان: فيلادلفيا

عندما دخلت عمان تحت الحكم الروماني، أصبحت جزءًا من الإمبراطورية الرومانية التي كانت في ذروتها في القرن الأول الميلادي. وقد أعطى الرومان المدينة اسمًا جديدًا هو “فيلادلفيا” (Philadelphia)، والذي كان يشير إلى “مدينة الأخوة” أو “مدينة المحبة”. هذا الاسم لم يكن مجرد تسمية عابرة، بل كان يعكس السياسة الرومانية في تلك الفترة التي كانت تسعى إلى نشر السلام والتفاهم بين الشعوب المختلفة تحت ظل الإمبراطورية.

تاريخيًا، كان الرومان يفضلون منح مدنًا جديدة أو مستعمرات رومانية أسماء تعكس مفهوم الأخوة والمساواة بين سكان المدينة والسكان الأصليين. في حالة عمان، يبدو أن الرومان كانوا يأملون في خلق نوع من العلاقة التعاونية مع أهل المدينة من خلال هذا الاسم، الذي يعكس الفكرة الأساسية للسلام والوئام بين مختلف الثقافات.

فيلادلفيا في العصر الروماني

أثناء فترة الحكم الروماني، شهدت فيلادلفيا (عمان) العديد من التطورات العمرانية والثقافية. كانت المدينة جزءًا من “الديار الشرقية” في الإمبراطورية الرومانية، وهي المنطقة التي ضمت العديد من المدن الكبيرة والقديمة مثل البتراء وتدمر. فكانت عمان مركزًا هامًا للتجارة بين الأراضي الرومانية الشرقية والغربية، ولا سيما بسبب موقعها الاستراتيجي الذي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والأراضي الصحراوية في الشرق.

وقد استثمر الرومان في تطوير البنية التحتية للمدينة بشكل كبير. فبنى الرومان في فيلادلفيا العديد من المعالم الرائعة التي تشهد على تقدمهم الهندسي والمعماري، مثل المسارح الرومانية، الساحات، والحمامات العامة. ولا يزال بعض هذه المعالم موجودًا إلى اليوم، مثل المسرح الروماني في عمان الذي يعتبر واحدًا من أبرز معالم المدينة السياحية والتاريخية.

المسارح والمعابد الرومانية

من أبرز المرافق التي أُقيمت في فيلادلفيا هي المسارح الرومانية. كان المسرح الروماني في عمان واحدًا من أكبر المسارح التي بنيت في تلك الحقبة في منطقة الشرق الأوسط، ويُعتبر اليوم واحدًا من أهم المعالم التاريخية التي تجذب الزوار إلى عمان. يحتوي المسرح على العديد من التفاصيل المعمارية التي تعكس براعة الرومان في تصميم الأماكن العامة، حيث يتسع لآلاف الأشخاص.

بالإضافة إلى المسارح، كان للرومان تأثير كبير في بناء المعابد. كان هناك العديد من المعابد المخصصة لعبادة آلهة رومانية مختلفة، مثل معبد زيوس ومعابد أخرى مكرسة لأبولو وأفروديت. كانت هذه المعابد تمثل مراكز دينية وثقافية في المدينة، وتعد جزءًا من الهوية الرومانية التي سعى الرومان لترسيخها في مختلف المدن التي خضعت لسلطتهم.

التحولات الاجتماعية والاقتصادية في فيلادلفيا

خلال فترة الحكم الروماني، تطورت فيلادلفيا أيضًا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية. كانت المدينة مركزًا تجاريًا حيويًا، حيث كان يتم تبادل البضائع بين المناطق الزراعية في الأردن وبين المناطق الأخرى في الإمبراطورية الرومانية. كما كانت المدينة مركزًا للثقافة الرومانية، حيث انتشرت اللغة اللاتينية والفلسفة الرومانية بين السكان المحليين.

لقد أدى هذا التبادل الثقافي إلى ظهور طبقة اجتماعية جديدة من المواطنين الذين تمتعوا بالحريات الرومانية، بما في ذلك الحق في المشاركة في الحياة السياسية والإدارية للإمبراطورية. وعلى الرغم من أن السكان المحليين كانوا في الغالب من العرب أو الأنباط، إلا أن تأثير الثقافة الرومانية كان كبيرًا، وقد تأثروا بالكثير من ممارسات الرومان في الحياة اليومية.

موقع فيلادلفيا في الديار الشرقية للإمبراطورية الرومانية

من الناحية الإدارية، كانت فيلادلفيا جزءًا من المقاطعة الرومانية “سوريا-فينيقية” التي كانت تعتبر من أهم المقاطعات في الإمبراطورية الرومانية الشرقية. مع مرور الوقت، أصبحت المدينة تتمتع بحكم شبه مستقل، مما سمح لها بتطوير هويتها الخاصة في ظل الهيمنة الرومانية.

كما ساعدت فيلادلفيا في ربط الأراضي الرومانية في الشرق الأوسط بنظام الطرق الرومانية الممتد عبر المنطقة. وكان هذا النظام جزءًا أساسيًا من قوة الإمبراطورية الرومانية، حيث كان يسمح بتنقل الجنود والتجارة بين مختلف المناطق بسرعة وفعالية.

فيلادلفيا في العصور الإسلامية

على الرغم من سقوط الإمبراطورية الرومانية في الشرق وظهور الخلافة الإسلامية، إلا أن آثار فيلادلفيا لم تختف تمامًا. فعندما فتح المسلمون عمان في القرن السابع الميلادي، وجدوا العديد من المباني الرومانية التي كانت لا تزال قائمة، ومنها المسارح والحمامات. وقد تأثر الفن المعماري الإسلامي في المنطقة بشكل غير مباشر بالأساليب الرومانية، خاصة في استخدام الأعمدة والقبب.

في العصر الأموي، تم تطوير المدينة بشكل أكبر تحت حكم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، وأصبحت مركزًا دينيًا وتجاريًا هامًا في الشام. لكن اسم فيلادلفيا بدأ يتلاشى تدريجياً ليحل محله اسم “عمان” الذي هو الاسم القديم للمدينة.

أثر الإسم الروماني على هوية عمان الحديثة

اليوم، وعلى الرغم من مرور قرون على سقوط الإمبراطورية الرومانية، لا تزال آثار مدينة فيلادلفيا حاضرة في مدينة عمان الحديثة. يمكن رؤية تأثيراتها في المعمار، في الأسماء التاريخية للمناطق، وفي الذاكرة الثقافية للمدينة. على الرغم من أن عمان الحديثة تتمتع بهوية عربية وإسلامية قوية، إلا أن المدينة تظل شاهدة على تنوع حضاراتها وتأثيراتها المتعددة عبر العصور.

إن الإسم الروماني “فيلادلفيا” ليس مجرد جزء من الماضي البعيد، بل هو رمز لتاريخ طويل ومعقد تشابكت فيه الثقافات المختلفة، تاركة وراءها إرثًا حضاريًا غنيًا يسهم في تشكيل الهوية الحالية لمدينة عمان.