فوائد واستخدامات نبات الأرطة

نبات الأرطة: كنز نباتي من صحراء الجزيرة العربية

تُعدّ النباتات الصحراوية من أبرز المكونات الطبيعية التي تميز البيئات القاحلة، حيث تتكيف مع ظروف مناخية قاسية شحيحة بالماء وعالية الحرارة. ومن بين هذه النباتات، يبرز نبات “الأرطة”، الذي يحتل مكانة هامة في منظومة الحياة الصحراوية في شبه الجزيرة العربية، لاسيما في المملكة العربية السعودية. يتميز هذا النبات بقدرته الاستثنائية على البقاء في بيئة شديدة التقلب، ويشكل عنصرًا حيويًا في التوازن البيئي، فضلاً عن استخداماته الطبية والرعوية والتقليدية.

التصنيف النباتي لنبات الأرطة

ينتمي نبات الأرطة إلى:

• الاسم العلمي: Retama raetam

• الفصيلة: القرنية (Fabaceae أو Leguminosae)

• الاسم الشائع: الأرطة، وقد يسمى في بعض المناطق بـ”الرتامة” أو “الرتم”

• البيئة الطبيعية: المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية، وغالبًا في الترب الرملية أو الحصوية.

ينمو هذا النبات بكثافة في البيئات الرملية والصخرية الجافة في مناطق نجد والحجاز ووسط المملكة العربية السعودية، ويمتد انتشاره إلى أجزاء من الأردن وفلسطين وسيناء والمناطق الصحراوية من شمال إفريقيا.

الشكل الظاهري والخصائص النباتية

نبات الأرطة هو شجيرة معمّرة يتراوح ارتفاعها بين 60 إلى 150 سم تقريبًا، وقد تصل في بعض الحالات إلى قرابة المترين. يتميز النبات بمظهره الكثيف وتشعبه الغزير، حيث تنتظم فروعه في شكل دقيق يشبه الأشواك، وهي خالية من الأوراق في أغلب فصول السنة، مما يعكس تكيفه العالي مع الجفاف وندرة المياه.

تتميز الأرطة بما يلي:

• الساق: ذات لون رمادي أو أخضر شاحب، وفروعها أسطوانية دقيقة.

• الأوراق: نادرة الظهور، وعند ظهورها تكون صغيرة الحجم جدًا وسريعة التساقط.

• الأزهار: صغيرة الحجم بيضاء تميل للون الوردي أو البنفسجي، تتفتح غالبًا في فصل الربيع.

• الثمار: على هيئة قرون قصيرة تحتوي على بذور صغيرة الحجم.

تُظهر هذه الخصائص مدى تكيف الأرطة مع البيئة القاسية، حيث يعمل تساقط الأوراق المبكر، وتركيب السيقان والفروع، على تقليل فقدان الماء عبر النتح، كما تُساعد الأنسجة الداخلية على تخزين الماء.

الموائل والتوزيع الجغرافي

تنتشر الأرطة بكثرة في المناطق الجافة وشبه الجافة، وهي من النباتات الطبيعية التي تنمو تلقائيًا في:

• شبه الجزيرة العربية: المملكة العربية السعودية، الكويت، قطر، والإمارات.

• بلاد الشام: الأردن، فلسطين، سوريا.

• شمال إفريقيا: مصر (خاصة في سيناء)، ليبيا، تونس، الجزائر.

• مناطق صحراوية أخرى: كالصحراء الكبرى.

يفضل النبات النمو في الأودية والمناطق الرملية والسهول التي لا تتعرض لتراكم المياه، ويُعدّ من أبرز أنواع النباتات المقاومة للتصحر.

القيمة البيئية لنبات الأرطة

يحظى نبات الأرطة بأهمية بيئية كبيرة، ويُعد من مكونات الغطاء النباتي التي تسهم في الحفاظ على التوازن البيئي، من خلال ما يلي:

• تثبيت التربة: جذوره الممتدة تعمل على تماسك التربة ومنع الانجراف، ما يحد من ظاهرة التصحر.

• مأوى للكائنات الحية: يشكل ملجأً للعديد من الكائنات الصحراوية الصغيرة مثل الزواحف والقوارض وبعض الطيور.

• توفير الظل والرطوبة المحلية: خاصة في البيئات الصحراوية الحارة، مما يساعد في تخفيض حرارة التربة في محيطه.

• دوره في النظام الغذائي: يشكل مصدر غذاء للعديد من الحيوانات البرية والرعوية خاصة الإبل والغنم في مواسم الجفاف.

الاستخدامات التقليدية لنبات الأرطة

للأرطة استخدامات واسعة بين سكان البادية والمجتمعات التقليدية في شبه الجزيرة العربية، وتندرج هذه الاستخدامات ضمن الجوانب التالية:

1. الاستخدامات الطبية

تُستخدم أجزاء من نبات الأرطة في الطب الشعبي لعلاج عدد من الحالات، استنادًا إلى ملاحظات متوارثة، ومنها:

هذه الاستخدامات الشعبية لم تُوثّق كلها في أبحاث علمية حديثة، ولكنها تستند إلى خبرات طويلة في المجتمعات الصحراوية.

2. الاستخدامات الرعوية

تعد الأرطة من النباتات المهمة في الرعي الصحراوي، خاصة خلال فترات الجفاف، حيث:

• تُفضلها الإبل بشكل خاص.

• تتحمل الرعي المتكرر.

• تسهم في دعم الأمن الغذائي للحيوانات في بيئات محدودة الموارد.

ومع ذلك، فإن الرعي الجائر يؤدي إلى تناقص كثافة هذا النبات، ما يُعرض الغطاء النباتي الصحراوي للخلل.

3. الاستخدامات في الوقود والتدفئة

تُستخدم سيقان الأرطة بعد تجفيفها كوقود تقليدي في البادية:

• تُعتبر من أفضل أنواع الحطب من حيث الاشتعال والطول الزمني للاحتراق.

• تنتج حرارة مرتفعة، وتُستخدم في طهي الطعام خاصة الأطباق التقليدية كالمرق والمندي.

4. الاستخدامات في البناء التقليدي

في بعض المناطق الريفية والصحراوية:

• تُستخدم فروع الأرطة في بناء الأسوار المؤقتة.

• تدخل في صناعة بعض الأدوات البدائية مثل الكراسي أو أغطية البيوت البسيطة (العرائش).

القيمة الاقتصادية لنبات الأرطة

بالرغم من أن الأرطة لا تُزرع تجاريًا على نطاق واسع، إلا أنها تُعد من الموارد النباتية ذات الإمكانات الاقتصادية الكبيرة إذا أُحسن استغلالها. فإلى جانب استخداماتها الطبية والرعوية، يمكن تطوير الصناعات التالية بناءً عليها:

• إنتاج مستخلصات طبية: خاصة لمركباتها المضادة للأكسدة والمطهّرة.

• إنتاج العطور والزيوت الأساسية: عبر تقطير الأزهار والسيقان.

• إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة: ضمن مشاريع مقاومة التصحر.

• الاستزراع في الحدائق الصحراوية: كنموذج للنباتات الزينة المستدامة.

الأرطة ومشاريع الحفاظ على الغطاء النباتي

تواجه نباتات الأرطة خطر التناقص بسبب:

• الرعي الجائر.

• قطع الأشجار لاستخدامها حطبًا.

• الاحتطاب الجائر خلال المواسم الباردة.

• التمدن والتوسع العمراني على حساب الغطاء النباتي.

وقد دفعت هذه التحديات عددًا من الجهات الرسمية والبيئية، خاصة في المملكة العربية السعودية، إلى اعتماد برامج خاصة لـ:

• إعادة تأهيل الغطاء النباتي في المناطق المتدهورة.

• إطلاق مشاريع استزراع الأرطة في المحميات الطبيعية.

• توعية المجتمعات المحلية حول أهمية الحفاظ على هذا النوع.

• إصدار قوانين صارمة لمنع الاحتطاب الجائر.

التركيب الكيميائي لنبات الأرطة

تشير بعض الدراسات الحديثة إلى احتواء الأرطة على مركبات كيميائية ذات خصائص بيولوجية فعالة، مثل:

• الفلافونويدات (Flavonoids): ذات تأثير مضاد للأكسدة.

• القلويدات (Alkaloids): تساهم في تسكين الألم ومحاربة البكتيريا.

• العفصات (Tannins): ذات فاعلية قابضة، ومفيدة في حالات الإسهال.

• الراتنجات والزيوت الطيارة: والتي قد تدخل في صناعة مستحضرات التجميل.

ويجري حاليًا دراسة خصائص هذه المركبات لاستخدامها في الصناعات الدوائية والعلاجية.

الزراعة والإكثار

رغم أن الأرطة تنمو طبيعيًا دون تدخل بشري، إلا أن هناك جهودًا تُبذل لإكثارها صناعيًا عن طريق:

• زراعة البذور: وهي الطريقة الأكثر شيوعًا، وتحتاج إلى معالجة مسبقة بالماء الساخن لتسريع الإنبات.

• الري بالتنقيط في البيئات الصحراوية للمساعدة في تسريع النمو.

• الحماية من الرعي خلال السنة الأولى لضمان ثبات النبات.

وتُعدّ تجربة زراعة الأرطة في عدد من المحميات الصحراوية في السعودية نموذجًا ناجحًا يستحق التعميم.

جدول مقارنة بين الأرطة وبعض النباتات الصحراوية الأخرى

الخاتمة

نبات الأرطة هو أحد أعمدة الغطاء النباتي في البيئات الصحراوية، ويمثل نموذجًا حيًا للتكيف الطبيعي مع الظروف القاسية. لا تكمن أهميته فقط في قدرته على البقاء، بل في الدور الذي يؤديه على المستويات البيئية، والاقتصادية، والطبية. لذلك فإن الحفاظ عليه وتكثيف الجهود لتكاثره وتوعوية المجتمع بأهميته يعد أمرًا بالغ الضرورة لمستقبل مستدام في المناطق الجافة وشبه الجافة.

المراجع:

1. Al-Hemaid, F.M., 2013. Retama raetam: A Review of Its Botany, Distribution, Traditional Uses and Phytochemistry. Journal of Medicinal Plants Research.

2. المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، المملكة العربية السعودية.