فوائد الفوليك أسيد للشعر: دراسة معمقة حول دوره الحيوي في تعزيز صحة الشعر ونموه

يُعد الفوليك أسيد، المعروف أيضاً باسم فيتامين B9 أو الفولات، من الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء والتي تلعب دوراً أساسياً في العديد من العمليات الحيوية داخل جسم الإنسان، وخصوصاً في تكوين الخلايا الجديدة، وإنتاج الحمض النووي (DNA) والحمض الريبي النووي (RNA)، بالإضافة إلى دوره الهام في عمليات انقسام الخلايا. ومن بين التطبيقات الصحية المرتبطة بالفوليك أسيد، يبرز دوره الحيوي في الحفاظ على صحة الشعر وتعزيز نموه ومنع تساقطه، ما يجعله محور اهتمام متزايد لدى الأطباء والمتخصصين في طب التجميل والتغذية العلاجية.

التركيب البيوكيميائي للفوليك أسيد وأثره على بصيلات الشعر

يتكون الفوليك أسيد من سلسلة مركبات بتركيبة حلقية تحتوي على حمض بترين (pterin) مرتبط بحمض بارا-أمينو بنزويك (PABA) وحمض الجلوتاميك. هذا التركيب الحيوي يسمح له بالتفاعل مع الإنزيمات والخلايا ضمن سلسلة التفاعلات التي تؤدي إلى تصنيع الحمض النووي. وبما أن بصيلات الشعر هي من أكثر الخلايا نشاطاً وانقساماً في الجسم، فإنها تعتمد بشدة على توفر حمض الفوليك لتنفيذ عمليات انقسام الخلايا الضرورية لإنتاج شعر صحي وسليم.

آلية عمل الفوليك أسيد في تقوية الشعر

1. تحفيز انقسام الخلايا داخل بصيلات الشعر: الفوليك أسيد يلعب دوراً أساسياً في تكوين الخلايا الجديدة. بما أن الشعر ينمو من بصيلات نشطة تنقسم بشكل مستمر، فإن نقص الفوليك يضعف هذا الانقسام ويؤدي إلى بطء نمو الشعر أو تساقطه.

2. تحسين الدورة الدموية لفروة الرأس: يساعد الفوليك أسيد في إنتاج خلايا الدم الحمراء، ما يسهم في تحسين الدورة الدموية، وبالتالي توصيل الأكسجين والمغذيات إلى بصيلات الشعر، مما يعزز من نموه وقوته.

3. المساهمة في تصنيع البروتينات الضرورية للشعر: يحتوي الشعر على بروتين يُعرف بالكيراتين، وهو العنصر الأساسي في تركيبة الشعرة. حمض الفوليك يدعم عمليات تخليق الأحماض الأمينية اللازمة لإنتاج الكيراتين، مما يساهم في نمو شعر أكثر كثافة ولمعاناً.

4. الوقاية من الشيب المبكر: هناك دراسات تشير إلى أن نقص الفوليك قد يرتبط بظهور الشيب المبكر، نظراً لتأثيره على الحمض النووي داخل الخلايا المسؤولة عن إنتاج صبغة الميلانين.

تأثير نقص الفوليك أسيد على الشعر

يؤدي نقص الفوليك أسيد إلى اضطرابات ملحوظة في بنية الشعر ونموه، ومن أبرزها:

• تساقط الشعر بكثافة: بسبب توقف أو ضعف عملية انقسام الخلايا في بصيلات الشعر.

• تباطؤ نمو الشعر: حيث يفقد الشعر القدرة على التجدد والنمو الطبيعي.

• جفاف وتقصف أطراف الشعر: نتيجة ضعف إنتاج البروتينات الداعمة لبنية الشعر.

• ظهور الشيب المبكر: بسبب خلل في إنتاج صبغة الميلانين.

تُظهر الأبحاث السريرية أن الأشخاص الذين يعانون من نقص حاد في فيتامين B9 قد يلاحظون تغيرات حادة في صحة الشعر، تبدأ بالتقصف وتنتهي بالصلع الجزئي أو الكامل في حالات مزمنة.

الفوليك أسيد وصحة الشعر لدى النساء الحوامل

أثناء الحمل، يتزايد الطلب على حمض الفوليك لدعم النمو السريع للجنين وتكوين الأنسجة الجديدة. ومع زيادة هذا الطلب، قد تواجه الحامل نقصاً في مستويات الفوليك، ما ينعكس سلباً على شعرها. لذلك، يُوصى دائماً بتناول مكملات الفوليك أسيد خلال الحمل ليس فقط لتفادي العيوب الخلقية للجنين، ولكن أيضاً للحفاظ على صحة شعر الأم وتقليل فرص تساقطه بعد الولادة.

الجرعة اليومية الموصى بها من الفوليك أسيد

تعتمد الجرعة اليومية على العمر والحالة الصحية، لكن التوصيات العامة تشمل:

مصادر الفوليك أسيد الطبيعية

الفوليك أسيد متوفر بشكل طبيعي في مجموعة واسعة من الأطعمة، من أبرزها:

• الخضروات الورقية الخضراء: مثل السبانخ، والبروكلي، والخس.

• البقوليات: مثل العدس، الفاصوليا، والحمص.

• الفواكه: مثل البرتقال، البابايا، والموز.

• الحبوب الكاملة والمُدعّمة: كالخبز المصنوع من القمح الكامل، ورقائق الحبوب المدعمة.

• الكبدة: وهي من أغنى المصادر الطبيعية للفوليك.

المكملات الغذائية للفوليك أسيد وتأثيرها على الشعر

يتم تصنيع مكملات الفوليك أسيد على شكل أقراص أو كبسولات غالباً ما تكون متاحة بتركيزات تتراوح من 400 إلى 800 ميكروغرام. توصي العديد من برامج العناية بالشعر بإدراج هذه المكملات ضمن الروتين الغذائي لمن يعاني من تساقط الشعر أو ضعف نموه. وغالباً ما يتم دمجها مع فيتامينات B الأخرى مثل B12 وB6 لدعم الصحة العامة للشعر.

لكن ينبغي الانتباه إلى أن تناول الفوليك أسيد يجب أن يكون تحت إشراف طبي، خاصة أن الجرعات الزائدة قد تخفي أعراض نقص فيتامين B12 وتؤدي إلى مضاعفات عصبية في بعض الحالات.

نتائج دراسات علمية حول تأثير الفوليك أسيد على الشعر

أشارت دراسة نشرت في “Journal of Cosmetic Dermatology” عام 2017 إلى أن المكملات التي تحتوي على مزيج من البيوتين، حمض الفوليك، والزنك أظهرت فعالية عالية في تقليل تساقط الشعر وزيادة كثافته خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر من الاستخدام المنتظم. كما أظهرت دراسة أخرى نُشرت في “Dermatology Research and Practice” أن النساء اللواتي تلقين مكملات حمض الفوليك بالتزامن مع فيتامين D والحديد شهدن تحسناً كبيراً في نوعية الشعر وكثافته.

الفئات الأكثر عرضة لنقص الفوليك أسيد وتأثيره على الشعر

• النساء الحوامل والمرضعات

• الأشخاص المصابون بأمراض الأمعاء الالتهابية مثل داء كرون أو التهاب القولون التقرحي

• الأشخاص المدخنون

• الأشخاص الذين يتناولون أدوية مضادة للصرع أو ميتفورمين

• الذين يتبعون أنظمة غذائية فقيرة بالعناصر الغذائية الطبيعية

هذه الفئات تكون عرضة لانخفاض امتصاص الفوليك، مما يتطلب تدخلًا تغذويًا أو دوائيًا لتعويض النقص.

الفرق بين الفولات الطبيعية والفوليك أسيد الصناعي

الفولات هو الشكل الطبيعي الموجود في الأغذية، في حين أن الفوليك أسيد هو الشكل الصناعي المستخدم في المكملات والمواد الغذائية المدعمة. تشير الأبحاث إلى أن امتصاص الجسم للفوليك أسيد الصناعي أكثر كفاءة مقارنة بالفولات الطبيعي، ما يجعله أكثر فاعلية في دعم العمليات البيولوجية، بما في ذلك تلك المتعلقة بصحة الشعر. غير أن بعض الدراسات الحديثة دعت إلى الانتباه عند تناول جرعات مرتفعة من الفوليك الصناعي، نظراً لإمكانية تراكمه في الدم وعدم تحوله بالكامل إلى الشكل النشط (5-MTHF).

التداخلات الدوائية والاحتياطات

يجب الحذر عند تناول مكملات الفوليك أسيد بالتزامن مع أدوية معينة، مثل:

• الميثوتريكسات: حيث يتداخل مع استقلاب الفوليك.

• مضادات الصرع مثل الفينيتوين: التي تؤثر على مستويات الفوليك في الجسم.

• موانع الحمل الفموية: قد تؤثر على امتصاص الفوليك.

لذلك من المهم الرجوع إلى الطبيب المختص قبل البدء في تناول مكملات الفوليك أسيد، خاصة للأشخاص الذين يتناولون أدوية طويلة الأمد.

التوصيات النهائية حول استخدام الفوليك أسيد لتحسين صحة الشعر

إن الفوليك أسيد يمثل عاملاً أساسياً في دعم صحة الشعر من الجذور حتى الأطراف، بفضل قدرته على دعم نمو الخلايا وتوفير البيئة المثالية لتجدد بصيلات الشعر. ويمثل دمجه ضمن النظام الغذائي الصحي أو كجزء من المكملات الغذائية أداة فعالة لمحاربة تساقط الشعر وتحفيز نموه، شريطة أن يتم تناوله بجرعات مناسبة وتحت إشراف مختص.

المراجع:

1. National Institutes of Health – Office of Dietary Supplements

2. Journal of Cosmetic Dermatology, 2017 – “Evaluation of hair growth with micronutrient supplementation in women with diffuse hair loss.”