في كتابه “فلاسفة العرب: ابن رشد والغزالي – التهافتان” الذي كتبه يوحنا قمير، يُسلّط الضوء على أحد أبرز التحديات التي واجهت الفلسفة العربية، وهي محاولة التوفيق بين الفلسفة والإيمان. ففي عقول الفلاسفة المسلمين، تلاقت هاتان الجوانب محدثة صراعًا داخليًا يتعلق بالاختيار بين الفلسفة والمذاهب الدينية، مما أدى إلى جدال واضطراب. وفي هذا السياق، يبرز التهافتان كأحد أقسى مظاهر صراع الفلاسفة والمتكلمين، حيث شهدت مواجهة ملحمية بين الغزالي، الذي اعتبره الأضخم في صفوف المتكلمين، وابن رشد، الذي تصدى للدفاع بقوة وثبات.
الغزالي، في كتابه “التهافت”، يستعرض لنا مجموعة من الفلاسفة الذين ادعوا الذكاء وتجاهلوا الشرائع، محاولين التشبّه بفلاسفة اليونان والابتعاد عن الجماهيرية. ويوضح الغزالي أهداف كتابه، والتي تتمحور حول ردّه على تلك الفلاسفة لإظهار ضلالهم وتناقضهم، مع التركيز على الجدل مع الفارابي وابن سينا بوصفهما الأبرز في مجال الفلسفة. ويركز الغزالي على الجوانب التي تتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي، ويعلن تحديد الحدود لجلب الاستقرار ومنع تشعب الأفكار.
أما ابن رشد، فيتحدث بوضوح ويشير إلى هدفه بوضوح في كتابه “التهافت”. يسعى إلى توضيح مراتب الأقوال المطروحة في كتاب الغزالي، ويسعى لإقناع وتحقيق التصديق، على الرغم من أن أكثرها لا يصل إلى مرتبة اليقين والبرهان. يتناول الكتاب دراسة عميقة لمضمون كتابي “تهافت الفلاسفة” للغزالي و”تهافت التهافت” لابن رشد، مع التركيز على تاريخ الكتابين وأهميتهما وغايتهما، وتعبيرهما عن فلسفة أصحابهما بأسلوب علمي دقيق ومرتب. يُقدم المؤلف ملخصًا شاملاً لهاتين الأعمال الفلسفية البارزتين، مما يجعلها مصدرًا ثمينًا لهواة الفلسفة العربية ومن يهتم بدراسة تاريخ الفكر الفلسفي في العالم العربي.
بفضل جهود يوحنا قمير، يتمتع القارئ بفهم عميق للتحديات التي واجهت الفلاسفة العرب في محاولتهم لتوفيق بين الفلسفة والإيمان، ويكتسب رؤية شاملة للمواجهة الفكرية بين الغزالي وابن رشد، مما يجعل هذا الكتاب مرجعًا أساسيًا لدراسة الفلسفة العربية والفكر الفلسفي في العصور الوسطى.