فضل فعل الخير في الإسلام

فضل فعل الخير

مقدمة

فعل الخير قيمة إنسانية عميقة الجذور، تتجاوز الأديان والثقافات، وتشكل جزءاً أصيلاً من بنية المجتمع الإنساني السليم. ومن منظور إسلامي، فإن فعل الخير هو أحد أرقى مراتب السلوك الأخلاقي، ودعامة رئيسية من دعائم التقوى والإيمان، بل هو مظهر من مظاهر العبادة العملية التي تقرب العبد من ربه وترتقي به في مدارج الصلاح. وقد حفلت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة بالحث على الإحسان، وبالترغيب في بذل المعروف، وبيان الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي يناله فاعل الخير في الدنيا والآخرة.

وفي عالم تتنازعه الصراعات والمصالح، ويزداد فيه النزوع نحو الفردية والأنانية، يصبح الحديث عن فضل فعل الخير ضرورة ملحّة لإحياء الضمير الجمعي، وتغذية القيم الإنسانية، وترسيخ روح التعاون والتكافل بين الناس.

أولًا: مفهوم فعل الخير

فعل الخير هو كل عمل نافع ينطلق من نية صادقة لتقديم الفائدة للآخرين، دون انتظار مقابل مادي أو معنوي. ويشمل الخير أنواعاً متعددة، كإعانة المحتاج، ونشر العلم، والإصلاح بين الناس، وتقديم النصح، وإطعام الجائع، ورعاية اليتيم، وغيرها من صور البرّ والإحسان. وهو لا يقتصر على الأفعال الجسدية فقط، بل يشمل الأقوال الطيبة، والابتسامة، والكلمة الحسنة، والدعاء للناس، وكفّ الأذى عنهم.

قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “كل معروف صدقة”، وفي هذا توسيع لمعنى الخير ليشمل أدق التصرفات اليومية، ويجعل من فعل الخير نمط حياة وليس مجرد مبادرة عابرة.

ثانيًا: فضل فعل الخير في القرآن الكريم

جاءت آيات كثيرة في كتاب الله جل وعلا تتحدث عن فضل فعل الخير، وتحث عليه، وتبين أن الله يجازي عليه خير الجزاء، ومن هذه الآيات:

1. قال تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: 271]
   
   وهذه الآية تبين فضل الصدقة سواء كانت علنية أو سرية، وتشجع على الإنفاق في سبيل الله.

2. قال تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ﴾ [البقرة: 110]
   
   أي أن كل ما يعمله الإنسان من خير سيجده محفوظاً له عند الله يوم القيامة، بأفضل مما عمل.

3. قال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7]
   
   وهذا يؤكد أن الخير مهما صغر فهو عند الله عظيم، ولا يضيع.

ثالثًا: فضل فعل الخير في السنة النبوية

كما حفلت السنة النبوية بالعديد من الأحاديث التي تبين عظمة أجر الخير، وتحث على الاستمرار في بذله، ومنها:

• عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة” [رواه مسلم].

• وقال صلى الله عليه وسلم: “أفضل الأعمال أن تُدخل على أخيك المؤمن سرورًا، أو تقضي عنه دينًا، أو تطعمه خبزًا” [رواه الطبراني].

• وفي حديث آخر قال: “اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة” [متفق عليه].

كل هذه النصوص ترسّخ أهمية الخير في حياة الإنسان المسلم، وتُظهر كيف أن الإسلام ينظر إلى الخير كقيمة عملية تتجلى في السلوك اليومي والمعاملة الحسنة.

رابعًا: الآثار الإيجابية لفعل الخير على الفرد

1. السكينة النفسية والطمأنينة:
   
   يشعر فاعل الخير بسلام داخلي ورضا عن نفسه، لأن الخير ينعكس على القلب، فينشر فيه الطمأنينة والراحة.

2. زيادة الرزق والبركة:
   
   من دلائل الإيمان أن المؤمن يعتقد أن في فعل الخير بركة في الرزق، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “ما نقص مال من صدقة”.

3. محبة الناس وثقتهم:
   
   الشخص المحسن محبوب بين الناس، تحف به دعواتهم، ويأمنون لجانبه، ويثقون بكلامه، ويحترمونه ويقدرونه.

4. النجاة في الآخرة:
   
   فعل الخير هو زاد الإنسان ليوم القيامة، وهو من الأعمال التي ترجح الكفة في الميزان، وتفتح أبواب الجنة.

خامسًا: أثر فعل الخير على المجتمع

فعل الخير ليس فعلاً فردياً فحسب، بل هو أساس لنهوض المجتمعات وتماسكها، ومن أبرز آثاره المجتمعية:

1. تعزيز التماسك الاجتماعي:
   
   المجتمعات التي يسودها الإحسان والتكافل تقل فيها الأحقاد وتزداد فيها المودة والألفة.

2. الحد من الفقر:
   
   من خلال الأعمال الخيرية والصدقات، يمكن للمجتمع أن يخفف من معاناة الفقراء والمحتاجين.

3. بناء ثقافة التعاون:
   
   فعل الخير يعزز ثقافة العمل الجماعي، والانخراط في مشاريع ومبادرات تعود بالنفع على الجميع.

4. إشاعة السلام والأمان:
   
   فالمجتمعات التي يسود فيها فعل الخير تكون أكثر أمناً وأقل عرضة للجريمة والاضطرابات.

سادسًا: أشكال فعل الخير في العصر الحديث

في عالمنا المعاصر، تنوّعت صور الخير واتسعت مجالاته لتشمل:

سابعًا: شروط قبول فعل الخير في الإسلام

لكي يكون فعل الخير مقبولًا عند الله ويؤتي ثماره المرجوة، ينبغي أن تتوفر فيه شروط أساسية:

1. الإخلاص لله تعالى:
   
   فلا يُبتغى به رياء أو سمعة، وإنما يكون خالصًا لوجه الله الكريم.

2. اتباع السنة:
   
   أي أن يكون العمل متوافقًا مع ما شرعه الله ورسوله، خاليًا من المخالفات والبدع.

3. الاستمرار وعدم الانقطاع:
   
   خير الأعمال أدومها وإن قل، والمداومة على الخير تُثبت الإيمان وتُقوّي الصلة بالله.

4. الرحمة والرأفة في الأداء:
   
   فينبغي أن يُقدَّم الخير بلطف وأدب، دون مَنٍّ أو أذى، لأن المنّ يُبطل الأجر.

ثامنًا: قصص من التاريخ الإسلامي في فعل الخير

زخر التاريخ الإسلامي بنماذج مشرقة لأشخاص نذروا أنفسهم لفعل الخير:

• عثمان بن عفان رضي الله عنه: جهّز جيش العسرة، واشترى بئر رومة ووقفها للمسلمين.

• الليث بن سعد: كان من كبار العلماء، لكنه اشتهر بكثرة إنفاقه، فكان يطعم الناس طوال العام.

• عبد الله بن المبارك: عالم مجاهد كريم، كان ينفق على الفقراء والعلماء، ويقضي حوائجهم بسرّ.

هذه النماذج تظهر كيف أن الخير ارتبط في الإسلام بالعقل والعلم والجهاد والقيادة، ولم يكن مجرد إحسان عابر.

تاسعًا: تحديات فعل الخير في العصر الحديث

رغم توفر وسائل كثيرة لفعل الخير اليوم، إلا أن هناك بعض التحديات التي تعيق انتشار هذه القيمة:

1. الأنانية والمادية:
   
   تسود ثقافة “الربح أولًا” في بعض المجتمعات، مما يقلل من نزعة العطاء المجاني.

2. الريبة وسوء الظن:
   
   بعض الناس يشككون في نوايا فاعلي الخير، مما يثبّط العزائم ويجعل الخير محاطًا بالتوجّس.

3. عدم تنظيم العمل الخيري:
   
   افتقاد التنسيق والحوكمة قد يؤدي إلى هدر الجهود، أو استخدامها في غير محلها.

4. الإرهاق الرقمي وضعف التفاعل:
   
   في عصر التواصل الاجتماعي، أصبح فعل الخير أحيانًا لا يتعدى “الإعجاب” أو “المشاركة”، دون فعل ملموس على الأرض.

خاتمة

فعل الخير ليس رفاهية اجتماعية أو ترفًا أخلاقيًا، بل هو ضرورة وجودية تحمي الفرد والمجتمع من الانهيار القيمي. وقد جعل الله للخير بركة عظيمة في الدنيا والآخرة، ورغّب فيه الأنبياء، وسار على دربه الصالحون والعظماء. وفي عالم متسارع يشهد صراعات وأزمات متلاحقة، فإن العودة إلى فعل الخير بشتى صوره، وبنية خالصة، وبعزيمة دائمة، هو سبيل النجاة، وركيزة لبناء حياة أكثر عدلاً ورحمة وإنسانية.

المصادر:

• القرآن الكريم

• صحيح مسلم، صحيح البخاري، مسند الإمام أحمد