فضل بناء المساجد في الإسلام

شرح حديث: “من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله…”

من أبرز الأحاديث التي تتحدث عن فضل بناء المساجد وما يترتب عليه من أجر عظيم هو الحديث النبوي الشريف: “من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتًا في الجنة”. هذا الحديث يتناول مفهومًا عميقًا في الإسلام حول الإحسان إلى بيوت الله، وأثر ذلك في حياة المسلم في الدنيا والآخرة. من خلال هذا المقال، سنتناول شرح هذا الحديث الشريف وبيان معانيه، وشرح المفاهيم المتعلقة به في ضوء التفسير الفقهي والشرعي، وكذلك نتعرف على فضل بناء المساجد في الإسلام.

أولاً: نص الحديث الشريف

الحديث الذي نناقشه هنا ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره من كتب الحديث، ويقول:

“من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتًا في الجنة.”

• الراوي: عثمان بن عفّان رضي الله عنه

• المرجع: صحيح مسلم

ثانيًا: شرح معاني الحديث

الحديث يتحدث عن أهمية بناء المساجد وكيف أن ذلك من أعظم الأعمال التي تقرب المسلم إلى الله تعالى، بل تضمن له الأجر العظيم في الدنيا والآخرة. لكن لفهم الحديث بشكل صحيح، يجب أن نفكك بعض الكلمات والعبارات فيه:

1. “من بنى مسجدًا”

• المقصود هنا هو بناء مكان للعبادة يُخصص للصلاة والعبادة لله تعالى. وبناء المسجد يمكن أن يكون في صورة بناء مسجد جديد أو تجديد مسجد قديم، ولكن الأهم في هذا السياق هو النية التي يقوم بها الشخص عند القيام بهذا العمل.

• كما أن بناء المسجد لا يقتصر على المبنى المادي فقط، بل يشمل أيضًا ترميم المساجد، وصيانتها، والمساهمة في تحسين بيئة المساجد بشكل عام. ولذلك يُفهم من هذا الحديث أنه يشمل جميع الأعمال التي تهدف إلى تيسير العبادة على المسلمين في بيوت الله.

2. “يبتغي به وجه الله”

• هذه العبارة تشير إلى النية الطيبة التي يجب أن تكون لدى المسلم عند القيام بهذا العمل. فالمسلم الذي يبني مسجدًا يجب أن يكون هدفه الوحيد هو رضا الله تعالى، وليس السعي وراء الشهرة أو السمعة الطيبة بين الناس.

• يُفهم من ذلك أن النية المخلصة في العمل هي الأساس في قبول العمل عند الله، حيث يُقال في القرآن الكريم: “إنما الأعمال بالنيات” (صحيح البخاري). فكل عمل يقوم به المسلم يجب أن يكون خالصًا لله، سواء كان ذلك في بناء المسجد أو أي عمل آخر.

3. “بنى الله له بيتًا في الجنة”

• هذه العبارة تشير إلى وعد الله تعالى بالجزاء العظيم الذي سيناله المسلم الذي قام بهذا العمل النبيل. فالله تعالى يضمن له ببيتٍ في الجنة، وهذا يعد من أعظم المكافآت التي يمكن أن يُحصل عليها المؤمن.

• وعادة ما يُفهم من الحديث أن الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين، وهي مكان لا يمكن تصوره ولا يُقاس بشيء في هذه الدنيا. وقد جاء في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تتحدث عن الجنة بما فيها من نعيم دائم وراحة لا تنقطع.

ثالثًا: فضل بناء المساجد في الإسلام

بناء المساجد له أجر عظيم في الإسلام، والحديث الشريف يوضح ذلك بجلاء. لكن لماذا يهتم الإسلام ببناء المساجد وكيف يُنظر إلى هذا العمل في الشريعة؟

1. المسجد: مكان العبادة والطاعة

المساجد هي أماكن العبادة التي تُقام فيها الصلاة، وهي من أبرز معالم حياة المسلم اليومية. وقد حث الإسلام على إعمار المساجد والاهتمام بها، وذلك لأنها تمثل قلب المجتمع المسلم. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين” (صحيح البخاري). هذه الدعوة ترسخ الفكرة أن المساجد هي أماكن مقدسة لها من الحرمة والفضل ما لا يُحصى.

2. دور المسجد في المجتمع المسلم

المسجد ليس مجرد مكان للصلاة فقط، بل هو مركز هام للتعليم والتوجيه والإرشاد. فالمساجد كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مكانًا لتعليم الناس الدين، وكان الصحابة يتجمعون فيها لحل مشاكلهم وتبادل العلم، كما كانت المساجد مراكز لنشر القيم الإسلامية وتعليم الناس حقوقهم وواجباتهم.

وقد تجلت هذه القيمة في أول ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة عندما بنى مسجد قباء، والذي كان له دور كبير في تقوية الوحدة بين المسلمين في المدينة المنورة. لذلك يُعتبر بناء المسجد من أعظم الأعمال التي يمكن أن يساهم بها المسلم في بناء مجتمع إسلامي قوي ومتعاون.

3. الأجر الدائم لبناء المساجد

من أكثر الجوانب التي تميز بناء المساجد هو الأجر المستمر الذي يترتب عليه. فكلما دخل أحد المسلمين المسجد لأداء الصلاة أو لقراءة القرآن أو للذكر، فإن الشخص الذي قام ببناء المسجد أو ساهم في بنائه ينال أجرًا مستمرًا طالما كان المسجد يُستخدم في عبادة الله.

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من صلى في المسجد أربعين صلاةً لا تُفوِّته واحدة، كتبت له براءةٌ من النار وبراءةٌ من العذاب، وبرئ من النفاق” (صحيح مسلم). هذه الأحاديث تشير إلى أن المسجد يكون مصدرًا للأجر العظيم.

4. إسهام بناء المسجد في إصلاح المجتمع

المساجد تلعب دورًا رئيسيًا في التأثير على أخلاق وأفكار المسلمين. من خلالها يُنقل العلم الشرعي، وتُعزز القيم الأخلاقية، وتُرفع مستوى الوعي الديني بين أفراد المجتمع. بناء مسجد يعني بناء مجتمع صالح يساهم في الخير والنفع العام.

رابعًا: الفقهاء واختلافاتهم في شرح الحديث

بينما تتفق معظم المدارس الفقهية على أن بناء المساجد يعد من أفضل الأعمال في الإسلام، فإن الفقهاء قد اختلفوا في بعض الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع. هناك مسائل فقهية مثل:

• هل يجوز بناء المساجد في الأماكن التي ليس لها حاجة ملحة؟

• هل يشترط بناء المسجد على الشخص وحده أم يمكن للمسلمين التعاون في ذلك؟

لكن جميع هذه الاختلافات في الرأي تأتي في إطار ضمان الإحسان إلى بيوت الله، والتأكيد على نية المؤمن في كل عمل يقوم به.

خامسًا: معايير بناء المسجد في الإسلام

ليس كل بناء للمسجد يُحسب أجره كما في الحديث، بل يجب أن يكون بناء المسجد وفقًا للمعايير الشرعية:

• نية الإخلاص: كما تم توضيحه في الحديث، يجب أن تكون نية البناء هي ابتغاء وجه الله تعالى.

• التركيز على الطهارة والقدسية: يجب أن يكون بناء المسجد في مكان طاهر ومناسب، بعيدًا عن الملوثات المادية والمعنوية.

• إعمار المساجد بالمحتويات اللازمة: يجب أن يحتوي المسجد على ما يحقق الغرض منه مثل المصاحف، سجادات الصلاة، وأنظمة الصوت، وغيرها من الأدوات التي تساعد على إتمام العبادة.

خاتمة

في ضوء ما ذكرناه، يظهر أن بناء المساجد يعتبر من الأعمال الصالحة التي يعود على المسلم بأجر عظيم في الدنيا والآخرة. لا يقتصر فضل بناء المسجد على الجانب الديني فقط، بل يمتد ليشمل التأثير الاجتماعي والاقتصادي على المجتمع المسلم. وتظل النية الطيبة والصدق في العمل هما الأساس الذي يُقبل من خلاله هذا العمل العظيم عند الله تعالى.