فضل الموت يوم الجمعة

فضل من مات يوم الجمعة

يعتبر يوم الجمعة من أعظم أيام الأسبوع في الإسلام، حيث له فضائل كبيرة ووعد بوافر من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين الذين يحسنون استغلاله. لكن فضل يوم الجمعة لا يتوقف فقط على من يحيون هذا اليوم بالصلاة والعبادة، بل يمتد أيضًا إلى أولئك الذين يرحلون فيه. فما هو فضل من مات يوم الجمعة؟ وما هي الدلالات الشرعية لهذا الأمر؟ في هذا المقال، نستعرض كل ما يتعلق بهذا الموضوع، موضحين الحكم الشرعي، الأحاديث الواردة، وتفسير العلماء للفضائل المتعلقة بمن مات في هذا اليوم المبارك.

1. يوم الجمعة في الإسلام:

من المعروف في الدين الإسلامي أن يوم الجمعة هو “أفضل الأيام”، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: “أفضل يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة”. هذا اليوم يجتمع فيه العديد من الأعمال العبادية التي تزيد من فضله، مثل صلاة الجمعة التي تعد فرضًا عينًا على الرجال، وقراءة سورة الكهف، والذكر المستمر، والتسبيح، والتهليل، والاستغفار.

علاوة على ذلك، يُعد يوم الجمعة يومًا مباركًا إذ يعتبر فيه الدعاء مستجابًا، وتُفتح أبواب السماء. يتساءل البعض إذا كانت هذه الفضائل التي نالها يوم الجمعة، هل تشمل أيضًا من مات فيه؟

2. فضل من مات يوم الجمعة في الحديث النبوي:

ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر”. (رواه الترمذي). هذا الحديث يشير إلى فضل عظيم لمن يموت في هذا اليوم، حيث يذكر أن الله سبحانه وتعالى يقيه فتنة القبر، وهي أحد أصعب المراحل التي يواجهها المؤمن في الآخرة.

فتنة القبر تشمل الأسئلة التي يطرحها ملكا القبر، منكر ونكير، للموتى، وكذلك عذاب القبر الذي قد يتعرض له من لا ينجو. ومن المعلوم أن المؤمنين الذين يرحلون في هذا اليوم المبارك يُحفظون من تلك الفتن، بفضل رحمة الله وفضله.

3. شرح الأحاديث الواردة في فضل من مات يوم الجمعة:

الحديث الذي ذكرناه سابقًا، والحديث الآخر الذي جاء في مسند الإمام أحمد حيث قال صلى الله عليه وسلم: “من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، أُجير من عذاب القبر”. هذا الحديث يعزز من عظمة فضل هذا اليوم، ويؤكد أن الموت فيه يعتبر من نعم الله على عبده.

وقد ذكر بعض العلماء أن هذه الفضيلة تشمل المؤمنين الأتقياء الذين كانوا يعيشون في عبادة وتقوى حتى وفاتهم، وبالتالي فإن الله سبحانه وتعالى يقيهم فتنة القبر في هذا اليوم المبارك. وبناءً على هذه الأحاديث، فإن من يموت يوم الجمعة يُنعم عليه بالحماية والراحة في قبره، وهذا دليل آخر على أهمية هذا اليوم في حياة المسلم.

4. ما معنى “أُجير من عذاب القبر”؟

عند الحديث عن “أُجير من عذاب القبر”، المقصود هنا هو أن الله سبحانه وتعالى يقي المسلم من العقاب الذي قد يتعرض له في قبره. فتنة القبر لا تتوقف عند أسئلة منكر ونكير فقط، بل قد تشمل أيضًا العذاب الجسدي والنفسي الذي يواجهه الميت بسبب أعماله في الدنيا. وقد ورد في بعض الأحاديث أن هذه الفتنة تشمل الذنوب التي ارتكبها الإنسان، فتأتي الملائكة وتفحص أعماله لتحدد إذا كان مستحقًا للعذاب أم لا. وفي حال كان المسلم قد وافته المنية يوم الجمعة، فإن الله يرحمه ويمنحه حماية خاصة من تلك الفتن.

5. دلالة تفضيل يوم الجمعة في القرآن والسنة:

يوم الجمعة له خصوصية في القرآن الكريم والسنة النبوية، فالله سبحانه وتعالى قال في سورة الجمعة: “يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذَرُوا البيع”. (الجمعة: 9). هذا التوجيه الكريم يبين أن يوم الجمعة هو يوم مخصوص بالعبادة والطاعة لله، ويحث المسلمين على ترك أعمال الدنيا والسعي نحو العبادة والذكر.

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أنه قال: “من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين”. هذا الحديث يظهر أن يوم الجمعة لا يكون يومًا عاديًا، بل هو يوم مليء بالبركات والنعم التي يمكن أن ينالها المؤمن في حياته، ويشمل ذلك أيضًا من يموت في هذا اليوم.

6. التفسير الفقهي:

من الناحية الفقهية، يتفق العلماء على أن الموت يوم الجمعة له دلالة عظيمة في نظر الإسلام. ففي كتاب “الجامع لأحكام القرآن” للقرطبي، يذكر أن الموت في هذا اليوم يعد شهادة خاصة، وأن الله سبحانه وتعالى يخص هذا اليوم بفضائل عديدة ليس أقلها النجاة من عذاب القبر. وبالتالي، يفسر العلماء أن هذا الحديث يعكس عناية الله بعباده الذين يغادرون الحياة في هذا اليوم المبارك.

كما أن الفقهاء يشيرون إلى أن المسلم الذي يموت في هذا اليوم يعكس دلالة خاصة على القرب من الله في وقت رحيله. فالموت في هذا اليوم لا يقتصر فقط على الحماية من عذاب القبر، بل يعتبر شرفًا عظيمًا يتمتع به الميت بعد رحيله، لأنه كان من أهل هذا اليوم المبارك.

7. فضل الموت يوم الجمعة بالنسبة للمؤمنين:

في النهاية، يمكننا القول بأن من يموت يوم الجمعة هو من أهل الرحمات التي خصها الله لهذا اليوم، وهو يعكس تفضيل الله لعباده المؤمنين. إن هذا الموت ليس مجرد وفاة عادية، بل هو موت في وقت معين، يوم فيه تكثُر البركات والنعم.

من الملاحظ أيضًا أن الكثير من الصحابة والتابعين كانوا يتمنون الموت في هذا اليوم، لما لهم من إدراك عميق لفضله. فقد ورد عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول: “اللهم اجعل موتنا يوم الجمعة”، كدلالة على رغبتهم في أن يلقوا الله في هذا اليوم الفضيل.

8. الخاتمة:

إن الموت يوم الجمعة يعد من أعظم النعم التي يمكن أن ينالها المؤمن في هذه الدنيا. وليس ذلك فحسب، بل إن فضله يتجاوز ذلك ليشمل النجاة من عذاب القبر وفتنته، وهذا ما جعل الكثير من العلماء يثنون على فضل هذا اليوم في أحاديثهم وتفسيراتهم. إن فضائل يوم الجمعة ليست محصورة في العبادات التي يؤديها المسلمون في هذا اليوم، بل تشمل أيضًا من يتم الله عليهم برحمة خاصّة عند وفاتهم فيه.