فضل التصدق بأضحية العيد

فضل التصدق بأضحية العيد

تُعد الأضحية من أعظم الشعائر التي شرعها الإسلام، لما لها من أبعاد روحية واجتماعية وإنسانية عظيمة، حيث تجسد معاني التقوى والتفاني والطاعة لله، وترسخ مفاهيم العطاء والتضامن والتكافل بين المسلمين، وتُعد من أبرز صور البذل التي تظهر في أيام عيد الأضحى المبارك. وقد شرع الإسلام هذه الشعيرة ليس فقط كوسيلة للتقرب إلى الله، بل كذلك لتكون جسراً يصل به أهل الغنى بأهل الحاجة، وينتقل به الخير من البيوت الميسورة إلى البيوت المتعففة، فيتساوى الجميع في فرحة العيد وطعامه ولباسه.

ويكتسب التصدق بالأضحية مكانة عظيمة، تتجاوز مجرد ذبح الحيوان وتقسيم لحمه، إلى أن تكون باباً من أبواب البر، ومظهراً عملياً لرحمة الإسلام بالضعفاء، وتجسيداً لقيمه العليا في إغناء الفقراء وإدخال السرور عليهم.

الأضحية: تعريفها وحكمها ومقصدها

الأضحية لغةً: هي ما يُضحّى به، أي يُذبح تقربًا إلى الله تعالى في أيام النحر، من بهيمة الأنعام: الإبل، أو البقر، أو الغنم.

أما شرعًا: فهي ما يُذبح من بهيمة الأنعام في يوم النحر وأيام التشريق بعد صلاة العيد بنيّة القُربة والتعبد لله تعالى. وحكمها عند جمهور العلماء سنة مؤكدة، لا ينبغي للمسلم القادر أن يتركها، وقد ذهب الإمام أبو حنيفة إلى وجوبها على الموسر.

أما مقصدها الأعظم فهو تقوى القلوب، كما قال الله تعالى:

“لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم” [الحج: 37]،

فليست العبرة في الذبح ذاته، وإنما في ما يرافقه من نية خالصة، وإخلاص لله، واستحضار لعظمة الامتثال والتقرب.

فضل الأضحية في الإسلام

للأضحية فضل عظيم بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث النبوية، ومن ذلك:

• ما رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال:
  
  “ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفساً”.

• وروى ابن ماجه أيضًا عن زيد بن أرقم أن أصحاب النبي ﷺ قالوا:
  
  “يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟” قال: “سنة أبيكم إبراهيم.” قالوا: “فما لنا فيها؟” قال: “بكل شعرة حسنة.”
  
  فانظر إلى عظيم الجزاء حتى في شعيرات الأضحية، مما يدل على مدى فضل هذه الشعيرة.

التصدق بلحم الأضحية: أسمى صور الإيثار

إن تقسيم لحم الأضحية إلى ثلاثة أجزاء: ثلث للمضحي وأهله، وثلث للأقارب، وثلث للفقراء والمساكين، سنة نبوية عظيمة تهدف إلى نشر البهجة والمشاركة المجتمعية في هذه المناسبة العظيمة. وأفضل ما في هذه القسمة هو التصدق على الفقراء والمحتاجين.

وقد دلّت النصوص الشرعية على استحباب التصدق بجزء كبير من الأضحية، بل وذهب بعض العلماء إلى استحباب التصدق بكاملها في بعض الأحوال لمن قدر على ذلك وكان في قومه حاجة.

وقد قال الإمام الشافعي في “الأم”:

“ويستحب له أن يُطعِم منها المساكين، ويهدي إلى الأغنياء، ويتناول منها هو وأهل بيته، وليس في شيء من ذلك توقيت.”

الفوائد الروحية والاجتماعية للتصدق بالأضحية

1. تحقيق التكافل الاجتماعي

التصدق بلحم الأضاحي يسهم في إحياء مبدأ التكافل، حيث تنتقل النعمة من يد الغني إلى الفقير، ويشعر الفقير بأن له حظاً في فرحة العيد، ويزول عنه الحرج والحاجة، وتُسد رمقه في وقتٍ تتجدد فيه النفقات والاحتياجات.

2. إدخال السرور على الفقراء

من أعظم القربات إدخال السرور على قلوب المحتاجين، ولا شيء يُدخل السرور على فقير أكثر من أن يجد من يواسيه ويطعمه من لحم لم يستطع شراءه. وقد ثبت أن إدخال السرور على المسلم من أحب الأعمال إلى الله.

3. غرس القيم الإنسانية في نفوس الأبناء

عندما يرى الأبناء آباءهم يتصدقون بلحم الأضاحي، ويزورون بها الفقراء، فإنهم يتربون على العطاء، ويتشربون خلق الرحمة والكرم، وينشأون على قيم الإيثار والتعاون.

4. مضاعفة الأجر والثواب

التصدق بالأضحية يجمع بين أجر النسك، وأجر الصدقة، وأجر تفريج كرب المسلم، وهو من أبواب القربات التي يتضاعف فيها الأجر خاصة في أيام العشر المباركة التي هي من أعظم الأيام عند الله تعالى.

فضل التصدق بكامل الأضحية في بعض الحالات

في بعض البيئات التي يكثر فيها الفقر، أو تكون الحاجة شديدة في مجتمعات منكوبة أو نائية، يكون التصدق بكامل الأضحية من أعظم القربات. وقد نص العلماء على أنه يُستحب لمن لا يحتاج إلى لحم الأضحية أن يتصدق بها كلها.

وقد فعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم في بعض الأحيان، كما ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتصدق بكامل أضحيته.

هذا الفعل يدل على تعظيم شعيرة البذل، والتأسي بإبراهيم عليه السلام الذي فدى الله ولده بذبح عظيم، وكان رمزاً للتضحية الكاملة.

الحكمة من مشروعية التصدق بلحم الأضاحي

• تغذية المحتاجين في أيام العيد: حيث تكون الأضاحي سبباً في توفر اللحم للفقراء الذين لا يجدونه إلا قليلاً.

• إظهار نعم الله على الجميع: فالمشاركة في النعمة من أعظم صور شكر الله عليها، ولذلك قال الله تعالى:

“فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير” [الحج: 28].

• كسر شدة الشح والبخل في النفوس: فالإنسان بطبعه يحب المال، ولا يزكيه إلا بالعطاء، والصدقة بلحم الأضحية تروض النفس على الإيثار والسخاء.

الجدول التالي يبين مقارنة بين الأضحية المشتركة والصدقة بها كاملة

شروط صحة الأضحية وأثرها في قبول الصدقة

لكي تُقبل الأضحية ويُؤجر المتصدق بها، يجب أن تُراعي بعض الشروط منها:

• سلامة الأضحية من العيوب: كالعور والمرض والنقص الشديد.

• أن تكون من بهيمة الأنعام: الإبل أو البقر أو الغنم.

• أن تُذبح بعد صلاة العيد: ومن ذبح قبلها فهي صدقة لا أضحية.

• أن تكون بنية القربة إلى الله: فكل عبادة لا تُقصد بها وجه الله مردودة.

فإذا استوفت هذه الشروط، كانت مقبولة بإذن الله، وبارك الله في لحمها ودمها وأجر صاحبها.

نماذج مشرقة من تاريخ الأمة في التصدق بالأضاحي

لقد عُرف عن السلف الصالح حرصهم على التصدق بالأضاحي، وكان بعضهم لا يأكل منها شيئًا، يتقربون إلى الله بتقديمها كاملة للفقراء والمحتاجين.

ومن الأمثلة:

• كان الإمام عبد الله بن المبارك يذبح أضحيته ويوزعها كلها على المساكين، ولا يترك منها شيئًا لأهله.

• وروى عن بعض الصالحين أنه كان يشتري أضحيتين: إحداهما يتصدق بها، والأخرى لأهله، حتى يجمع بين البر والفضل.

ختامًا

إن التصدق بلحم الأضحية في عيد الأضحى المبارك ليس مجرد شعيرة موسمية، بل هو مدرسة إيمانية وإنسانية تتجلى فيها قيم الإسلام الخالدة من الرحمة والتكافل والبذل. وهو طريق لمن أراد أن يُطهر قلبه من الأنانية، وأن يدخل السرور على قلوب الفقراء والمساكين، وأن يغتنم أيامًا هي من أفضل أيام الدنيا في طاعة الله والتقرب إليه.

فليحرص المسلم الموسر على ألا يضيع هذا الفضل، وأن يجعل من أضحيته وسيلة إلى رضوان الله، ومنحًا للفرح في بيوتٍ أنهكتها الحاجة، ودليلاً حيًا على أن الإسلام دين الرحمة والعدل والعطاء.

المراجع:

1. ابن قدامة، المغني، دار الفكر.

2. النووي، شرح صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي.