فضل الأم وواجبنا نحوها

فضل الأم وواجبنا نحوها

إنَّ الأمَّ في حياة الإنسان هي سر الوجود، هي التي حملت واحتملت وصبرت وراعَت، وهي التي أعطت بلا حساب، وعاشت لأجل تربية أولادها وتوجيههم. وتُعدّ الأمّ الركيزة الأساسية التي تبني المجتمع وتُحيي الأسر وتغرس في الأبناء قيم المحبة والرحمة والاحترام. ولذلك، كان من الطبيعي أن تكون الأم محطَّ اهتمام كبير في العديد من الديانات والفلسفات والنظريات الاجتماعية على مر العصور. في هذا المقال، نلقي الضوء على فضل الأم وما يجب علينا تجاهها من واجبات.

أولًا: فضل الأم في الإسلام

الإسلام أولى الأم مكانة عالية جداً، وأعطاها قدراً عظيماً في حياته اليومية، فأوصى بها خيراً في الكثير من آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. فقد جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى:

“وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ”،

(سورة لقمان: 14)

وذلك تأكيداً على مشقة الحمل والولادة، وما يمرُّ به الطفل من مراحل صعبة أثناء الرضاعة.

كما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:

“رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه”، قيل: من يا رسول الله؟ قال: “من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة”

(رواه مسلم).

تؤكد هذه الآيات والأحاديث على مكانة الأم الكبيرة، حيث يتحدث القرآن عن أن الوالدين، وخاصة الأم، يستحقان الشكر والبر لما مرَّت به من آلام ومتاعب في سبيل تربية أبنائها. وكذلك في الحديث الشريف، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كرَّر مرتين إشارة إلى أولوية بر الوالدين وخصوصاً الأم.

ثانيًا: تضحيات الأم في مراحل الحياة

الأم هي أكثر الأشخاص تضحياً في حياتنا، فهي لا تكل ولا تمل من أجل تقديم أفضل ما لديها لأبنائها. تبدأ تضحيات الأم منذ اللحظة الأولى التي تعرف فيها أنها تحمل في رحمها روحًا جديدة، فتتحمل المشقة الجسدية والنفسية، وقد تمتد هذه التضحيات طوال حياتها.

في فترة الحمل، تمرُّ الأم بعدد من الآلام والتغيرات الجسدية التي تؤثر على صحتها بشكل مباشر، لكنها تتحمل ذلك بحب ورضا. وبعد الولادة، تواصل الأم بذل الجهد والوقت لرعاية طفلها، تبدأ في الرضاعة وتوفير الغذاء، مروراً بتعليم الطفل المشي والنطق.

أما في مرحلة الطفولة المبكرة، فإن الأم تسهر على راحة طفلها، وتحرص على تنشئته على القيم والأخلاق الحميدة، وتظل في حالة قلق دائم على صحة طفلها وسعادته. وعندما يمر الأبناء بمراحل التعليم، لا تزال الأم تظل داعمة لهم نفسياً ومعنوياً، لا تتوانى عن مساعدتهم في دراسة، أو توجيههم في قرارات حياتهم.

ثالثًا: واجب الأبناء نحو الأم

إذا كانت الأم قد قدمت كل ما لديها، فإنَّ الواجب على الأبناء يكون مُضاعفًا. فليس من المعقول أن يمر العمر دون أن يعبر الأبناء عن محبتهم لأمهاتهم ويقدموا لها جزءًا من حقها الذي لا يمكن أن يوفى مهما حاولوا. تتجلى واجبات الأبناء نحو الأم في عدة جوانب:

1. البر والإحسان

من أهم واجبات الأبناء نحو أمهم هو البر والإحسان، وهذا يشمل الاستماع إليها، وتقديم المساعدة لها في الأمور اليومية، والاعتناء بها في حال تقدم بها العمر. البر لا يتوقف عند حد معين، بل يجب أن يكون مستمراً طوال الحياة، مع تقديرها على التضحيات التي قدمتها.

2. الدعاء لها

يُعد الدعاء للأم من أعظم الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الأبناء. فمن خلال الدعاء، يظهر الأبناء مدى حبهم واحترامهم لأمهاتهم، ويؤكدون على أنهم يقدرون كل لحظة من عمرها. الدعاء ليس فقط عند الحاجة، بل يجب أن يكون مستمرًا في كل الأوقات، خاصةً عندما تكون الأم في صحة جيدة أو تمر بفترة صعبة.

3. العناية بها في سن الشيخوخة

من أبرز مظاهر واجب الأبناء تجاه الأم هو العناية بها في مراحل متقدمة من العمر، حيث تحتاج إلى الرعاية الجسدية والنفسية. يجب أن يكون الأبناء حريصين على الاهتمام بأمهم، سواء في توفير احتياجاتها الطبية أو حتى تقديم الدعم النفسي. كما أن تقديم الاهتمام لا يقتصر على توفير المال فقط، بل يشمل أيضًا التواجد العاطفي، والتحدث معها، والشعور بمشاعرها.

4. إظهار التقدير والاحترام

من الواجب على الأبناء احترام أمهاتهم وتقديرهن، سواء من خلال الكلمات أو الأفعال. يجب أن يُظهر الأبناء شكرهم المستمر لكل ما فعلته الأم من أجلهم. إن التقدير لا يتوقف عند مجرد التعبير عن الامتنان، بل يشمل السلوك الحسن، والاعتناء بها والاعتراف بفضلها.

رابعًا: علاقة الأم بالمجتمع

الأم لا تقتصر أهميتها على الأسرة فقط، بل هي عنصر أساسي في المجتمع ككل. فعندما يتم تربية جيل جيد من قبل أمهات صالحات، فإن هذا الجيل سيُسهم في بناء مجتمع متماسك وقوي. لذا، يجب على المجتمع أن يعترف بدور الأم ويقدم الدعم لها، سواء من خلال سياسات تساهم في تحسين وضع الأم المعيشي، أو من خلال توفير التعليم والرعاية الصحية لها.

إن تعزيز مكانة الأم في المجتمع هو خطوة نحو بناء مجتمع متوازن ومتقدم، يعترف بفضل المرأة الأم ويعزز من مشاركتها في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

خامسًا: الأم قدوة للجيل الجديد

الأم تمثل قدوة للأجيال القادمة، فالأطفال يتعلمون الكثير من سلوكياتهم وقيمهم من أمهاتهم. لذلك، يجب على الأمهات أن تكون قدوة في جميع جوانب الحياة، سواء في تعاملهم مع الآخرين أو في سلوكياتهم اليومية. إن بناء الشخصية السوية يبدأ من المنزل، والأم هي أول من يساهم في تشكيل هذه الشخصية، بما تقدمه من حب وتوجيه، وبما تزرعه من قيم وأخلاق.

خاتمة

إن فضل الأم لا يمكن قياسه، وواجب الأبناء نحوها لا يمكن أن يُوفيه الزمن مهما طال. يجب على الأبناء أن يحرصوا على بر أمهاتهم في جميع مراحل حياتهن، وأن يكونوا عونًا لهن في كل وقت وحين. وكلما زاد الإنسان في بره بأمه، زاد الله في رزقه وفضله، فالأم هي مصدر الخير في الدنيا والآخرة.